الخوف يكسر فرحة الشعــب

صباح الخير
«يا فرحة ما تمت.. خدها الخوف وطار».. هذا بالفعل ما حدث مع الشعب المصرى.. فبعد الفرحة «العارمة وانتصار إرادة الشعب على عزل الرئيس الإخوانى وسقوط جماعته الفاشلة.. ونزول الشعب واحتفاله فى الميادين ليثبت للعالم أجمع أن الشعب المصرى لن يقهره أحد، حتى ولو كان رئيس الجمهورية نفسه!!.. إلى أن تطورت الأحداث وبعد أن أسقط الشعب للمرة الثانية رئيس الجمهورية.. بدأت الموازين تنقلب رأسًا على عقب..
بدأت الناس تضع يدها على قلبها خوفا مما سيحدث بعد ذلك.. ووضعت كل ثقتها فى الجيش المصرى الذى ساندها وحماها خلال المظاهرات، لتفوضه لمواجهة الإرهاب الذى انتشر فى البلد.. لكن تطور أحداث العنف والقتل واحتلال الإخوان المسلمين ميدان رابعة وقتل كل من هو معارض لهم.. جعل الناس تعيش فى حالة من الخوف والرعب والفزع وعدم الشعور بالأمان والهروب من الواقع للبحث عن حياة آمنة، وأصبحوا يعانون من شبح خوف اسمه الإرهاب.. لدرجة أن هذا الخوف جعلهم يعانون نوعًا من التناقض والانقسام الذاتى وعدم الثقة فى اختياراتهم.. فقد أصبحوا الآن فى حالة من التخوين والخوف.. لكن السؤال الأهم الآن هو هل من داع للخوف؟ وهل ممكن الخوف يرجع الدولة الدينية وإرهاب الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية؟! وهل ممكن أن تعود الدولة العميقة مرة أخرى؟! وكيف نخرج من هذا المأزق؟
تحدثت مع الناس الذين يخشون مثلث ثلاثى الرعب ألا وهو «الإخوان والفلول والعسكر»
∎خوفى من «الفلول» دبسنى فى «الإخوان»
أما مصطفى شاهين- 45 سنة- فيقول: إن خوفى وهروبى من كلمة «الفلول» وعودة «الدولة العميقة» ومن أهم الأسباب التى جعلتنى أرشح الإخوان المسلمين وأساندهم لكنى علمت بعدها أننى اخترت الأسوأ من الفلول.. ومن وقتها قررت النزول والمشاركة فى كل المظاهرات التى ضد الإخوان حتى أغسل نفسى من الذنب الذى ارتكبته فى حق نفسى وحق الشعب المصرى.. وخاصة المظاهرة الأخيرة التى طالبنا فيها الجيش بتفويضه للقضاء على الإرهاب.. أحيانًا كثيرة تنتابنى حالة من التشتت وعدم إدراك ما يحدث حولى جيدًا.. وأحيانًا كثيرة أقف مع نفسى قائلاً: هل ما أفعله صحيح؟ وماذا بعد تفويض الجيش؟ ومتى سنتخلص من كابوس الإخوان؟! أسئلة عديدة تدور بداخلى ولا أجد لها إجابة سوى الانتظار.. «نفسى أفرح، فرحة كاملة من قلبى بجد.. مش فرحة فيها شعور بالخوف والقلق».
∎الجيش المصرى أنقذنى من الإخوان
تركت مصطفى والخوف والحيرة بداخله مثل باقى المصريين لأتحدث مع نبيل حسام-38 سنة- الذى يرى أن اختياره للقوات المسلحة من البداية أنقذه من حكم الإخوان الذى قرأ عنه من قبل.. وتاريخهم مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر واغتيالهم للرئيس أنور السادات!! فالتاريخ يقول عنهم إنهم إرهابيون وخونة ودائمًا ما يبحثون عن مصالحهم الشخصية.. ولأن الشعب المصرى، شعب طيب وعاطفى أخطأ فى اختياره.. وكانت النتيجة هى أننا عشنا سنة مليئة بالعنف وعدم الأمان ودخول أسلحة فى البلد وهروب مساجين من السجون والمعتقلات والتى كان من ضمنها رئيس الجمهورية الذى اختاره الشعب بنفسه.
∎الخوف والإرهاب وجهان لعملة واحدة
تحدثت مع الدكتور أحمد زايد- أستاذ علم الاجتماع السياسى- كى يحلل لنا هذا الوضع فيقول: الخوف شعور طبيعى يحدث عندما يشعر المرء بتهديد فى حياته.. وفترة الثورات دائمًا ما تكون فترة اضطرابات وعدم شعور بالأمان.. والخوف دائمًا يلازم الإرهاب.. وأحد تعريفات الإرهاب أنه يرتبط ليس بالقتل بل بعملية ترويع البشر أى تخويفهم.. فأهم أهداف الإرهاب ليس إحداث الفوضى والخراب، بل يحدث خوف فى قلوب الناس.. ولذلك فإن السبب ليس الثورة بل الإرهاب.. فالإرهاب الموجود فى سيناء وفى بعض الشوارع هو الذى جعل الخوف يظهر عند الناس.. فالخوف والإرهاب صنوان أى وجهان لعملة واحدة.. فإذا تم التخلص منه لا وجود للخوف من قلوب الناس.. أما بالنسبة لخوفهم من رجوع حكم العسكر أو الفلول أو حتى دولة الإخوان مرة أخرى، فأقول لهم لا داعى للخوف.. فمن الصعب رجوع العسكر للحكم مرة أخرى ويجب ألا يكون سببًا للخوف.. وأعتقد أنه لا نية لهم لحكم مصر.. على العكس إذا سألنا المواطن البسيط من يريد أن يحكم، سيقول العسكر.. فعبدالناصر والسادات كانا من العسكر وكانا محبوبين من الشعب.. إنما الذين يخافون من القوات المسلحة هم المثقفون الذين يتقعرون فى التليفزيون.. فالشعوب الآن هى من تحكم.. فثورات الربيع العربى التى حدثت فى شعوب العالم هى من جعلت الشعوب تحكم الآن.. فالمجتمع أصبح قويا الآن على النخب والحكام.. فمن الصعب جدًا أن يتم استعباده.. وهذا ما حدث مع الشعب المصرى فقد ثار بعد سنة على حكم الإخوان.. أليست هذه حقيقة!!
∎الخوف لدى طبقة النخبة والمثقفين أكبر من عموم الشعب
بينما يحلل الباحث السياسى الدكتور عمار على حسن قائلاً: الشعور بالخوف موجود لدى الطبقة السياسية ولدى قطاع من المثقفين، أكثر منه لدى عموم الشعب.. عموم الشعب لا يجد على الإطلاق أى غضاضة فى بناء علاقة قوية مع المؤسسة العسكرية.. بل يتخذ من قائد هذه المؤسسة وهو «الفريق السيسى» بطلاً شعبيًا فى هذه اللحظة.. عموم الشعب كان لديه فى أيام مرسى حنين إلى زمن مبارك نتيجة التصرفات غير المسئولة التى كانت يقوم بها النظام.. وبالتالى كان هناك على الأقل حنين إلى لحظة الاستقرار.. رغم أن زمن مبارك كان زمن الفساد وقهر الشرطة والاستبداد والدولة البوليسية وانهيار مكانة مصر إقليميًا ودوليًا.. لذلك أعتقد أن هذا الخوف لدى هذه الطبقة.. بمعنى أن الطبقة الشعبية أصبح لديها ثقة فى ذاتها، نتيجة أنها هى التى كانت تصنع التحول الاستراتيجى الكبير فى الحقيقة .. نزولها يوم 28 يناير أسقط مباركونزولها يوم 03 يونيو أسقط مرسى.. وهى لا تقف عند حد المناكفات الصغيرة أو الجزئية أو المرحلية.. لأن الصراع الآن ليس الصراع على الثورة بل صراع على الدولة.. دور النخبة المثقفة أنها تعمل من أجل استرداد الدولة وتحقيق أهدافها ومطالبها.. الأمر الذى لا يعنى حكمًا عسكريًا مباشرًا بالقطع ولا يعنى عودة مصر إلى ما كانت عليه أيام حسنى مبارك.. الثقة فى الذات امتلاكها الشعب المصرى هى الكفيلة لعدم الوقوع فى هذا الفخ.. والمهم ليس اختيار رجال أو اختيار أشخاص إنما اختيار القواعد التى تحكم الدولة.. إذا كانت قواعد مدنية الحكم فبالقطع لن تؤدى إلى حكم عسكرى.. وإذا كانت قواعد تؤدى إلى العدل الاجتماعى ورفع مبدأ الاستحقاق والجدارة ووجود دستور محترم يضمن تزامن السلطة وتكافؤ الفرص بين المتنافسين فلا يمكن العودة إلى زمن مبارك مرة أخرى.. إنما مصر ستتقدم للأمام.. المواطن البسيط يفهم الأمر على هذا النحو وينظر إلى ما هو أبعد ويدرك أن مطالب هذه الثورة من الممكن أن تتحقق عبر دورات سياسية متتابعة ومتلاحقة.. ويفهم الآن أن المهم هو وقف النزيف الاقتصادى وعودة الأمن واستعادة الدولة بشكل أساسى والقضاء على الإرهاب فى سيناء.. أما هواجس النخبة فهى لا تشغل المواطن العادى.. الجيوش فى كل أنحاء الدنيا وفى البلاد الديمقراطية لها وزن نسبى فى صناعة القرار المحلى والدولى بالنسبة لأى دولة فى العالم.. ثانيًا لديها خارطة طريق يدافع عن دستور.. هذا الدستور محدد ومعين للجيش، سيضمن انتخابات برلمانية بعد الدستور، وسيضمن انتخابات رئاسية وسيحدد العلاقة بين المؤسسة العسكرية وبين الشعب.. وبالتالى يمكن بعد عدة أشهر أن يكون لدينا برلمان من رئيس منتخب وحكومة ممثلة للشعب بشكل حقيقى وبعدها يرجع الجيش إلى مكانه هذا هو دوره.. يوضح الدكتور عمار قائلاً: الناس لا تتعلم، أيام المجلس العسكرى الأول كان عدد كبير جدًا من النخبة السياسية والمثقفين يقولون إن المجلس العسكرى لن يسلم السلطة أبدًا.. ومع ذلك أجرى المجلس العسكرى استفتاء عدى تعديلات دستورية وأجرى انتخابات كانت أشد نزاهة من الاستفتاء الذى حدث أيام الإخوان.. لكن الآن رغم أن الجيش نزل على رغبة الشعب.. الشعب هو من اختار رئيس المحكمة الدستورية والشعب أيضا هو من اختار خارطة طريق ليس عليها الرئيس مرسى.. فالشعب هو صاحب القرار الأول والأخير.