كورونا قد يخفى السلع الصينية

ياسمين عبدالسلام
بأواخر ديسمبر 2019، تم إبلاغ مكتب منظمة الصحة العالمية فى الصين بوجود 27 حالة مصابة بالالتهاب الرئوى نتيجة فيروس مجهول فى مدينة ووهان بمقاطعة هوبى فى وسط الصين. وفى 1 يناير 2020، قامت السلطات الصينية بإغلاق سوق هوانان للمأكولات البحرية وبيع الحيوانات الحية فى نفس المدينة.
وبعيدًا عن السؤال الذى يثار عبر مواقع بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي: هل كورونا بفعل فاعل؟ ولماذا ووهان؟ سألنا خبراء الاقتصاد كيف سيؤثر بقاء «وباء» كورونا علينا؟
يشرح أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية، جمال القليوبى، أن اقتصاد الصين من أقوى اقتصاديات العالم وأصبح يمثل نوعًا من الخطر للاقتصاد الأمريكى، كما يمثل حرجًا لاقتصاد الدول الأوروبية، واقتصاديات أسواق الدول الناشئة، وفقًا لما ذكرته أحدث إحصائيات منظمة التجارة العالمية، والتى أكدت على قوة الاقتصاد الصينى وقدرته على الاستمرار بامتلاكه لمعدل تنموى يزيد على 9 %، مقابل 6 إلى 9 % فى الولايات المتحدة الأمريكية واقتصاديات الدول الأوروبية، فخلال أقل من السنوات الثلاث الأخيرة، أصبح للصين تأثير يضاهى احتكار الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا للكثير من المواد المعدنية، هذا إلى جانب تفوقها فى مجال الصناعات الغذائية والتكنولوجية.. وفقًا لهذا، يضع القليوبى يده على انتشار فيروس كورونا فى مدينة ووهان بشكل خاص - والمعروف عنها بأنها نقطة مستهدفة للاقتصاد الصينى والأكثر تأثيرًا فى المعادن السابق ذكرها – أدى إلى توقف الإنتاج بمصانعها، وتوقف العمل بمطاعمها وأسواقها العالمية وشركاتها بعد أن أصاب الرعب المواطنين بهذه المدينة والمدن المجاورة، مما جعلهم يلزمون منازلهم.. هذا إلى جانب التأثير على السلع النفطية التى تحتاجها دولة بثقل الصين، حيث تستورد من منظمة الأوبك ما يزيد على 4.5 مليون برميل يوميا، هذا المعروض الذى أصبح متوقفا الآن لدى السوق العالمية، ما أدى إلى زيادة التخمة وانخفاض الأسعار من 60 دولارًا إلى 54.2 دولار فى أقل من 5 أيام، ما دعا منظمة الأوبك إلى الدعوة لاجتماع عاجل بقيادة كل من السعودية وروسيا لمحاولة تدارك هذه الأزمة الحساسة، التى قد تهوى سريعًا بأسعار النفط إلى أقل من 30 دولارًا إذا استمرت الصين فى عدم استيرادها لهذا المعروض الذى قد يفوق 8 ملايين برميل يوميًا، فى حين أن المستهدف لدى منظمة الأوبك فى اجتماعها الأخير بفيينا ألا يزيد المعروض عن 1.2 مليون برميل، مما يوضح تأثير فيروس كورونا على هذه المنطقة الصناعية العملاقة وما أحدثه فيها من تكاسل وخسائر عالمية.. تحاول الصين تدارك الأزمة من خلال مركز مقاومة ومكافحة الآفات والفيروسات الصينى المتقدم من الدرجة الأولى، والذى نجح فى صنع تركيبات معينة من التطعيمات التى ساهمت فى شفاء نسبة كبيرة من الحالات المصابة وامتصاص الصدمة لدى الشارع الصينى، هذا التدارك الذى قد يأخذ من عشرين إلى ثلاثين يومًا.
الصين تتنازل عن حقوقها التجارية والسوق المصرية تتأثر سلبًا باستمرار كورونا
وعن تأثير تفشى فيروس كورونا على الاقتصاد العالمى وحركة التبادل التجارى بين مصر والصين، نوه د. رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، إلى خطورة هذا الوضع إذا استمر طويلا، فالصين ثانى أكبر اقتصاد وناتج محلى على مستوى العالم، وأكثر الدول المالكة لحركة تجارة خارجية على مستوى العالم، فتوقف الإنتاج لديها سيؤثر بدوره على الحركة التصديرية، إلى جانب اتخاذ الكثير من الدول قرارات بوقف استيراد السلع الصينية، ما دفع الصين إلى تنازلها عن الكثير من الحقوق التجارية، وتسهيل مهام المنتجين، وتخفيض سعر الفائدة، وإلغاء التعريفات الجمركية.. وقف الكثير من الدول رحلاتها إلى الصين، تسبب فى الكثير من الخسائر للصين، إلى جانب توقف حرجة الانتقالات الداخلية بين المدن الصينية نفسها خوفا من انتقال الفيروس من مقاطعة إلى أخرى، ما أثر سلبًا على السياحة الداخلية.. وعن تأثر مصر بهذا الوضع، أكد الخبير الاقتصادى أن مصر لديها مخزون كافٍ من السلع الصينية ولكن لفترة مؤقتة، بعدها سيحدث قلة بالمعروض فى الأسواق، واختفاء لبعض السلع التى ستتسبب فى كوارث بالسوق المصرية، فى ظل وصول حجم التبادل التجارى بين مصر والصين إلى 12 مليار دولار، فهناك سلع ليس لها بديل، مما سيتسبب فى ارتفاع الأسعار بالسوق المحلية، وفى حين اللجوء إلى استيراد السلع من دولة أخرى سيكون الأمر صعبًا، فالمعروف أن أسعار السلع الصينية هى الأكثر توازنا مع اقتصاديات الدول النامية، مما سيشعر المواطن المصرى ببعض المعاناة، ما يستدعى لجوء مصر إلى الاستيراد من الدول المجاروة للصين كإندونيسيا وفيتنام وتايلاند.
رشاد عبده : إيرادات قناة السويس والسياحة تتأثر سلبًا
وفيما يخص تأثر حركة التجارة العالمية وتأثير ذلك على إيرادات قناة السويس، أكد رشاد عبده على إمكانية تأثر إيرادات قناة السويس سلبًا بتراجع حركة التجارة العالمية، وللسياحة نصيب كبير من الخسائر الناتجة عن فيروس كورونا، فمصر كانت تستهدف حوالى 13 مليون سائح صيني، مما سيؤثر بدوره على العملة الصعبة وحجم الاستثمار المصرى الصينى، بعد إصدار مصر قرارًا بوقف الرحلات من وإلى الصين.
أحمد شيحة: لا خوف على سلع رمضان
وعلى الجانب الآخر، أكد أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين السابق بغرفة القاهرة التجارية، على أنه حتى الآن ليس هناك تأثير سلبي من انتشار فيروس كورونا بالصين على السوق المحلية المصرية والواردات الصينية لمصر، خاصة فى التعاقدات التى تمت منذ بضعة أشهر، والمتعلقة بالسلع الرمضانية، فالبضائع تم شحنها بالفعل، بعضها قد وصل والبعض الآخر فى طريقه للوصول، كما أنه ليس هناك تغيير بالأسعار نظرا لثبات أسعار التكلفة المتعامل بها سابقًا بين مصر والصين.. مستدركا: لكن إذا منعت مصر الاستيراد من الصين، فهناك الكثير من السلع ستختفى من السوق المصرية وأخرى سترتفع أسعارها.
السلع الصينية مالهاش بديل
فيما يتعلق بالسيناريوهات البديلة حال عدم استيراد السلع الصينية، أوضح شيحة أنه لن يكون هناك بديل لبعض السلع خاصة السلع الإلكترونية كالتلفزيونات والثلاجات والموبايلات، وبعض السلع الغذائية والملابس والأحذية وأدوات التجميل والكثير من السلع الاستهلاكية، كما أن الدول الأوروبية أيضا تعتمد فى ماركتها العالمية على سلع وسيطة وخامات أساسية من الصين، «85 % من وارادتنا من الصين من مستلزمات وقطع غيار مما سيتسبب فى توقف خطوط الإنتاج، و90 % من مواد خام وسلع وسيطة تستوردها مصر من الصين، مما سيؤدى إلى توقف العمل بالمصانع وتوقف العمالة أيضا وارتفاع نسبة البطالة».
ومع هذا يستبعد شيحة هذا السيناريو، مدللا على ذلك بشفاء عدد كبير من الحالات المصابة بكورونا، وأن الإعلام موجه لتدمير الاقتصاد الصينى وإحداث ضوضاء حوله، كمحاولة للسيطرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على المكاسب التى حققتها الصين فى فترة وجيزة.. فيما يخص التعاقدات التى ستتم فى الفترات المقبلة، قال شيحة إن منظمة الصحة العالمية تصدر نشرة كل فترة توضح بها السلع الغذائية الممنوع استيرادها بأى منطقة فى العالم نظرا لتفشى أحد الأمراض بهذه المنطقة، إلى جانب ضرورة أخذ شهادات معتمدة من بعض المنظمات تؤكد صحة السلع المستوردة قبل وصولها الجمارك ودخولها الدول، وهى المهمة المسئولة عنها المنظمات التى تراقب جودة المنتجات والمسئولة عن سلامتها صحيا وزراعيا، كما أن الدولة المصرية تكشف على جميع السلع الغذائية التى يتم استيرادها قبل دخولها إلى السوق المصرية من خلال مرورها على المعامل وأخذ عينة منها للكشف عنها والتأكد من سلامتها، مؤكدا أن ما يتم تداوله ما هو إلا اجتهادات شخصية وتكهنات.
نادى نجيب: الذهب ملاذ آمن
تأثير فيروس كورونا على أسعار الذهب العالمية والأسعار فى السوق المحلية، يوضحه نادى نجيب، عضو شعبة المشغولات الذهبية بغرفة القاهرة التجارية: «أسعار الذهب العالمية ارتفعت ارتفاعا طفيفا الأيام السابقة، وفى مصر ارتفعت زيادة ثلاثة جنيهات للعيار، بسبب مضاربات البورصات العالمية ولجوء البنوك المركزية العالمية لشراء الذهب لتأمين نفسها باعتباره الاستثمار المضمون فى الوقت الحالى، كما فعل البنك المركزى المصرى بشرائه للذهب لتغطية وتأمين أوراقه النقدية، فالذهب ملاذ آمن لأى دولة حيث أن سعر الوقية العالمية لا يتأثر بأى عملة ورقية، ورغم ذلك فأسعار الذهب تتأثر بحالات السلم والحرب، وارتفاع وانخفاض أسعار البترول العالمية أيضًا، وتوقع نجيب ارتفاعًا آخر بأسعار الذهب بمعدل حوالى 4 جنيهات الأسابيع المقبلة.