تفاصيل خطة أوباما للإفراج عن مرسي

صباح الخير
خلال جولتى القصيرة فى الأيام القليلة الماضية بين نيويورك وواشنطن للاطلاع على وجهة نظر عدة مصادر سياسية وإعلامية أمريكية مهمة قريبة الصلة بالبيت الأبيض والكونجرس والبنتاجون، ولوبى جماعة الإخوان المسلمين فى أزمة العلاقات المصرية - الأمريكية الحالية بعد 30 يونيو وعزل الرئيس محمد مرسى، واعتصام قادة ومؤيدى الرئيس مرسى.
والواضح أن الإدارة الأمريكية مصابة بحالة ارتباك شديد وتخبط فى التصريحات فى التعامل مع الأزمة المصرية، وزلزال منح اللجوء السياسى لـ «إدوارد سنودن» فى فضيحة تجسس أجهزة إن.إس.إيه على الشعب الأمريكى وشعوب وقادة العالم ومنها مصر، التى جاءت فى المرتبة الرابعة من حيث الأهمية لأجهزة المخابرات الأمريكية فى قائمة الدول، بحجة محاربة وكشف خطط الإرهابين، طبقا للمعلومات التى سربها سنودنلجريدة الجارديان البريطانية، ومن خلال الاستجوبات الأخيرة لأعضاء الكونجرس لقادة برامج التجسس فى أجهزة «إن.إس.إيه».
ويؤكد الأزمة الحادة التى تعيشها الإدارة الأمريكية، لجوء الرئيس أوباما إلى مساعدة اثنين من ألد أعدائه بمجلس الشيوخ الأمريكى هما جون ماكين وليندسى جراهام.. وهما من كبار منتقدى سياسته الخارجية، وخاصة فى الشرق الأوسط، ومراهنته الفاشلة على تأييد وتشجيع ودعم قادة الإخوان المسلمين بمصر للوصول إلى الحكم.
فقد طلب الرئيس الأمريكى باراك أوباما من العضوين الجمهوريين البارزين بلجنة التسليح بمجلس الشيوخ السفر إلى مصر للاجتماع مع قادتها العسكريين والمعارضة، وتقديم دراسة عن كيفية الرد على الاضطرابات التى تعصف بمصر، ووقف دعوات الكراهية ضد الولايات المتحدة لدولة تعتبرها واشنطن أكبر حليف لواشنطن فى المنطقة بعد إسرائيل.
وأبلغ جراهام الصحفيين خارج مجلس الشيوخ «الرئيس اتصل بنا وأنا قلت بوضوح إننى يسعدنى أن أذهب.. نريد أن ننقل رسائل موحدة بأن قتل المعارضة يصبح أكثر فأكثر مثل انقلاب وتشجيع العسكريين للتحرك قدما نحو إجراء انتخابات حرة ديمقراطية.
ويجد المسئولون الأمريكيون صعوبة بالغة بشأن كيفية الرد على الوضع فى مصر.
وتتعلق الصعوبة على وجه الخصوص بالمساعدات الأمريكية لمصر البالغ قيمتها 1.55 مليار دولار سنويا، ومعظمها مساعدات عسكرية. ومصر حليف مهم للولايات المتحدة فى منطقة مضطربة ويحرص المسئولون فى واشنطن على الحفاظ على روابطهم مع قادتها العسكريين الذين درس الكثيرون منهم فى الولايات المتحدة.
وتأتى صعوبة التعامل مع الأزمة، أن القانون الأمريكى يحظر إرسال معونات إلى الدول التى يحدث فيها انقلاب عسكرى ويحجم مسئولو إدارة أوباما عند الحديث عن مصر عن استخدام كلمة انقلاب.
وقال جراهام «ربما أصل إلى اعتقاد بأننا نحتاج إلى قطع المساعدات عن مصر، لكننى أريد الذهاب إلى هناك، والحديث مع القادة العسكريين وأى أعضاء بالحكومة وجماعة الإخوان (المسلمين) لمعرفة ما يجرى على الأرض، وإرسال رسالة واضحة إلى من يمسكون بزمام الأمور فى مصر بأنه توجد توقعات معينة هنا فى أمريكا يتفق عليها الحزبان الرئيسيان».
وقد كشفت عدة مصادر مهمة فى واشنطن ومنها صحيفة «وول ستريت جورنال» فى تقارير لها على مواقعها الإلكترونية، أن تجنب الإدارة الأمريكية تسمية الإطاحة بالرئيس مرسى انقلابا كان بغرض الحفاظ على تأثيرها المحدود فى قادة الجيش.
فى مناقشات البيت الأبيض الأولية حول كيفية الرد على الإطاحة بالرئيس مرسى، أعرب محامو وزارة الخارجية والبنتاجون عن شكوكهم فى إمكانية تجنب الولايات المتحدة وصف ما حدث بأنه «انقلاب»، وما يترتب على هذا من تجميد نحو 5,1 مليار دولار من المساعدات الأمريكية.
لكن ذلك لم يعجب، ولم يمنع واضعى السياسات فى البيتالأبيض ووزارة الخارجية والبنتاجون، الذين كانوا يريدون إيجاد وسيلة لتجنب قطع المعونات العسكرية، الأمر الذى من شأنه أن يقلل نفوذ الولايات المتحدة وينفر قادة القوات المسلحة منهم، بعد الإطاحة بالرئيس مرسى، بعد سحب البنتاجون ووزارة الخارجية الجدول الزمنى وطبيعة المساعدات التى كان من المقرر أن تقدم إلى الجيش المصرى.
ورغم ذلك أشار مسئولون فى البنتاجون علنا إلى أنهم يعتزمون المضى قدما فى صفقة تسليم شحنة الطائرات، وسعى وزير الدفاع الأمريكى، تشاك هيجل، إلى الحفاظ على تدفق المساعدات العسكرية فى الموعد المحدد، فى إشارة واضحة إلى العلاقة مع وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى.
ورأى مسئولون فى البنتاجون أن عمليات التسليم ينبغى ألا تتأثر بمراجعة البيت الأبيض للمساعدات الموجهة لمصر، لأن الطائرات كانت جزءا من صفقة 02 طائرة التى سبق الاتفاق عليها وتمويلها.
غير أن الكشفعن خطة البنتاجون للمضى قدما فى التسليم أزعج المسئولين فى مجلس الأمن القومى التابع للبيت الأبيض، وفقا لمسئولين. وأضاف هؤلاء أن البيت الأبيض احتج لأنه لا يرغب فى حشر الرئيس أوباما «داخل مربع» بالنظر إلى تطورات الأحداث غير المضمونة داخل مصر.
وتم الكشف أيضا أن فى اتصالاتهم الهاتفية اليومية تقريبا، حذر وزير الدفاع الأمريكى «هيجل» الفريق أول سيسى من تضييق الخناق على جماعة الإخوان، وحثه على السماح لمراقبين من رؤية الرئيس مرسى، الذى يحتجز منذ ليلة الإطاحة به. وقال مسئولون أمريكيون: إن الفريق أول السيسى استمع إلى السيد هيجل ولكنه بدا «غير ملزم» بنصيحة الولايات المتحدة، وشعر حينها الأمريكيون بالإحباط.
مع اقتراب موعد تسليم طائرات وفى الأيام الماضية، عقد البيت الأبيض جولة أخرى من المداولات. وكان «إف 16» أحد أكبر المخاوف بالنسبة لصانعى السياسات، هو ما يعنيه تزامن تسليمالطائرات إلى الجيش المصرى مع التحضير لشن حملة قمعية كبيرة على الإخوان، وهو ما يعاكس رغبات الولايات المتحدة، كما أورد التقرير.
ولم يكن هناك نقاش كبير داخل البيت الأبيض حول تجميد شحنة الطائرة، وفقا للمشاركين فى الاجتماع. فقد وافق وزير الدفاع «هيجل» على القرار ونقل هذه الرسالة إلى الفريق أول السيسى فى مكالمة هاتفية.
وفى الأسبوع نفسه، بلغ الجدل حول ما إذا أمكن التحايل على تسمية ما حدث بأنه «انقلاب» ذروته فى البيت الأبيض.
وفى هذا السياق، أبلغ المحامون صناع السياسات الأعلى أن القانون الأمريكى كُتب بطريقة لا تلزم الإدارة بإطلاق تسمية انقلاب أو لا انقلاب، وبالتالى فإن الولايات المتحدة يمكن أن تتجنب هذه المسألة من خلال عدم إصدار أى قرار.
وقال مسئولون: إن وزير الدفاع «هيجل»، وزير الخارجية «جون كيرى» ومستشار البيت الأبيض للأمن القومى، سوزان رايس، المعينة حديثا، أيدوا قرار عدم توصيف ما حدث بأنه انقلاب، بحجة أن اتخاذ مثل هذا القرار بطريقة أو بأخرى من شأنه أن يضر بمصالح الولايات المتحدة مع القوى الجديدة بمصر، وقادة الجيش.
ويشير بعض التقارير والمصادر فى واشنطن، أن مخاوف أوباما وأعضاء فريقه للأمن القومى، وعددا كبيراً بالكونجرس، وفى مقدمتهم جون ماكين وليندسى جراهام العضوان الجمهوريان البارزان عضوا لجنة التسليح بمجلس الشيوخ الموفدان للسفر إلى مصر من قبل أوباما للاجتماع مع قادتها العسكريين والمعارضة، ومعهم وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع الأمريكية تأتى هذه المخاوف من عودة نظام مبارك بكل بشاعته بشكل جديد، بعد فشل الإخوان فى حكم مصر، وفشل المشروع الإسلامى لثورات الربيع العربى، وأكد لى هذه المخاوف مسئول بارز لملف الشرق الأوسط بالخارجية الأمريكية فقال: كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية من وصول الإخوان للحكم هو ملء فراغ النفوذ السياسى على المستوى الإقليمى، فليست ثمة أداة أفضل من الإخوان المسلمين. أى أنهم ينفذون مخططات الولايات المتحدة لخلق «شرق أوسط كبير»، وكما تقول صحيفة «الورلد تريبيون» الأمريكية، فإن إدارة باراك أوباما قررت أن الإخوان المسلمين هم الذين يجب أن يحكموا فى مصر، وليبيا، وتونس، وفى سوريا بعد إسقاط حكومة بشار الأسد.
وهذا بالطبع يعكس استراتيجية إدارة أوباما تجاه الإخوان المسلمين، وهذه الاستراتيجية التى حددها أوباما فى كتابه عام 2009 «بداية جديدة» وخطابه فى القاهرة الذى دعا فيه إلى استخدام الانتخابات لصعود الإسلاميين حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم عن طريق صناديق الاقتراع، وليس عبر الهجمات الجهادية على أهداف أمريكية.
والإخوان كانوا يدركون أن الأمريكيين يعتمدون عليهم، ولذلك كانوا يبذلون قصارى جهدهم لإثبات أهليتهم لواشنطن، وحتى إن قاد ذلك إلى نزاع أهلى طويل الأمد ونتج عنه الكثير من المشاكل والضحايا الأبرياء لتحقيق الأهداف.
وكان هناك اعتراض من جهات متعددة فى الإدارة الأمريكية وأعضاء مجلس الشيوخ، وعلى رأسهم جون ماكين وليندسى جراهام على هذا المنحى الخطير للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، وخلاصة ما يقول به المعترضون إنه فى كل مرة كانت تقوم واشنطن بمحاولة للإفادة من «الإخوان المسلمين» لتحقيق أهداف أمريكية، كان ذلك لمصلحة «الإخوان المسلمين» أكثر مما كان لمصلحة أمريكا.
وقد بات واضحاً وقتها للجميع وبوضوح تام، أن جزءاً من النخبة السياسية الأمريكية يسعى لدفع «الشرق الأوسط» للسقوط فى حروب واسعة النطاق طويلة الأمد، وفوضى «خلاقة» عارمة، وحروب أهلية، وتجزئية للوطن الواحد فى زمن الأزمات الاقتصادية العالمية الحادة، مما يعطى دفعة لازدهار عجلة الصناعة العسكرية للولايات المتحدة، ويقوى مواقفها فى المنطقة، ويحمى أمن إسرائيل.
وطبقا لصحيفة (أمريكان ثينكر) الأمريكية المحافظة.. أن جماعة الإخوان المسلمين نجحت ببراعة فى التوغل فى إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما واختراقها. وذكرت الصحيفة أن مكتب التحقيقات الفيدرالية أكد أن ثلاثة نشطاء على الأقل من جماعة الإخوان المسلمين استطاعوا التوغل واختراق إدارة أوباما.
وأشارت الصحيفة إلى أنه كان هناك بعض التحذيرات للحكومة الفيدرالية من تسلل بعض أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» التى توصف بأنها راديكالية داخل النظام الأمريكى، فى الوقت الذى كان فيه الرئيس أوباما يعطى الضوء الأخضر لمخاطبة جماعة الإخوان، ويحاول جذب انتباه نشطائهم.
وأكدت الصحيفة أن «الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية» هى إحدى منظمات الجبهة الرئيسية لجماعة الإخوان، وذكرت أن الإخوان تنشر «الإسلام السياسى»، حيث تخلط الجماعة الدين بالسياسة لتحصل على قوة فعالة تتحدى بها التعددية الديمقراطية، فضلا عن «الإرهاب» الذى يروجونه، على حد تعبير الصحيفة.
ورغم كل الأنتقادات، إلا أن الرئيس أوباما حسب مصادر عليمة وقريبة من البيت الأبيض أعتقد بأنه فى الإمكان التعامل مع «الإخوان المسلمين» فى مرحلة ما بعد مبارك والمجلس العسكرى. بل إن هناك من يقول إن مستشارة الرئيس أوباما للشئون الإسلامية السيدة «داليا مجاهد» التى لها ميول إخوانية (هى من مواليد حى السيدة زينب فى القاهرة عام 4791) وهى باحثة أمريكية مسلمة من أصل مصرى وتعمل محللة والمديرة التنفيذية لمركز جالوب للدراسات الإسلامية، والأمريكية المسلمة «هوما عابدين» (53 عاما) مساعدة وزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون، يلعبان دورا رئيسيا وخطيرا للغاية حتى الآن لدعم وتنسيق التعاون بين الإخوان المسلمين وإدارة أوباما للإفراج عن الرئيس مرسى وقادة جماعة الإخوان المسلمين.
وأكدت لى بعض المصادر أن إدارة أوباما كانت فى غاية الارتياح والتفاءل للمباحثات الأخيرة التى جرت منذ عدة شهور بين سكرتير الرئيس مرسى للشئون الخارجية، خالد قزاز، وعصام الحداد الذى يحتل موقعاً أقرب إلى مستشار الأمن القومى لمرسى، مع كبار المسئولين الأمريكيين، فى مقدمتهم مستشار الأمن القومى الأمريكى توم دونيلون، نائب وزيرة الخارجية بيل بيرنز، وأعضاء الكونجرس جون كيرى «وزير الخارجية الآن» وجون ماكين، وليندسى جراهام وجو ليبرلمان.
وحمل وقتها د.عصام العريان ومساعدا الرئيس مرسى رسالة لكبار المسئولين فى البيت الأبيض والكونجرس والخارجية الأمريكية مفادها أن «مصر عائدة كلاعب دبلوماسى فى الشرق الأوسط بعد سنوات من الانجراف والتدهور فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك».
وفى النهاية أستطيع أن أؤكد من خلال الاتصالات واللقاءات العديدة التى أجرتها فى نيويورك وواشنطن مع عدة مصادر سياسية ودبلوماسية وإعلامية أمريكية للاطلاع على الحقائق أن الدرس الوحيد البليغالذى استفادته الولايات المتحدة والغرب وفلاسفة «النظام العالمى الجديد» من صدمة ثورات الربيع العربى هو أن الإجهاض النهائى للانتفاضة الشعبية فى الشوارع العربية يستلزم إجهاض «الديمقراطية» من الأساس لأنها الخطر الأول والأخير على الغرب ومكاسب العصر الجديد، وهى الرسالة التى يسعى جون ماكين وليندسى جراهام لإيصالها بنجاح للقادة الجدد فى مصر، بمحاولة احتواء السيسى والقادة العسكريين مرة أخرى، وتمهيد الطريق للرئيس الجديد الذى ترتاح له الولايات المتحدة والغرب، وهو نفس السيناريو الذى حدث من قبل بعد سقوط مبارك بالضغط والاتفاق مع المشير طنطاوى بإفساح الطريق لمحمد مرسى والتيار الإسلامى لحكم مصر.
واشنطن تكره المفاجأت والتحدى لإرادتها ومحاولات إفشال خططها التى تكلفها الكثير فى المنطقة، ولا تطيق مشاهدة الزلازل والأعاصيرالشعبية ضد سياساتها وأهدافها، وما حدث فى 30 يونيو، وحتى إنقاد ذلك إلى نزاع أهلى طويل الأمد ونتج عنه الكثير من المشاكل والضحايا الأبرياء لتحقيق الأهداف.
وتعتبر زيارة ماكين وجراهام محاولة للضغط وجس النبض، ومحاولة إيجاد مخرج لائق وآمن للرئيس مرسى وقيادات الإخوان المسلمين، وعدم تضييق الخناق على جماعة الإخوان فى المستقبل، ومحاولة تمهيد الطريق للرئيس المصرى الجديد الذى يتفق عليه كما يحلمون.
إنها مهمة صعبة للجانب الأمريكى للوقوف عن قرب لقراءة الوجوه والأفكار والتطلعات والمصالح والأهداف المشتركة، وطرح ومعرفة المطالب بكل وضوح، لاتخاذ الخطوات والقرارات اللازمة بطريقة أو بأخرى التى من شأنها ألا تضر بمصالح الولايات المتحدة مع القوى الجديدة بمصر، وقادة القوات المسلحة.
بينما يعكف الآن القادة العسكريون وحلفاء القاهرة، والقوى الجديدة بمصر على التحضير للترتيبات الخاصة للقاء ماكين وجراهام والفريق الكبير المرافق لهما، ودراسة كيفية الرد على الاقتراحات والرؤى المختلفة والانتقادات الحادة للإدارة الأمريكية.