الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

"سناء ووائل" قانون الجذب والتنافر

أصحو غالبًا وإحدى ذراعىّ مفرودة تحت رأسى كوسادة، والأخرى تطوقنى من الخلف، بينما أصابع قدمينا تلامس بعضها أسفل الغطاء، فأتردد كثيرًا قبل زحزحة رأسى أو جسمى عن موضعه، وقد تسرب إلىَّ دفء يذكرنى بدفء قبتنا فى بيتنا القديم فى الريف حين كانت تهدأ حرارتها بعد كل خَبْزة، وتتخدر رأسى الصغيرة على حصيرتها المضمخة بالحرارة ورائحة الخبز.



 

 ما تبحث عنه يبحث عنك

بمجرد أن قرأت هذا الطالع على قصاصة صغيرة داخل قطعة الشيكولاتة التى انتقيتها بتشوف، فكرت فيك.. تُرى، هل تبحث حقًا عنى كما أبحث عنك؟ فإلى أين أوصلتك قدماك؟ وكم قطعت نحوى من مسافة؟ رحلة كتلك كم تستغرقنا وحيز البحث بحجم كرة أرضية؟!

ذات ليلة حالكة السواد استيقظت على صوت آمر من الداخل، استطاع برغم بحّته المشروخة أن يردعنى عن البحث عنك بعد خيارات مخجلة، كان الصوت من الداخل معززًا بسلطة الألم، ولأذهب أنا والآخر إلى الجحيم!

حين أستنبط من كلامك، أنى كنت أجلس فى مكانٍ ما، تصادف أنك كنت بدورك تجلس فيه، خلفى أو أمامى أو على مقربة منى.. لا يهم. أو كنت أجلس فى المقعد نفسه الذى جلست فيه قبلى بدقائق أو بعدى بساعات، أشفق على ظلمة العميان؛ كلانا لمح فى هذا اليوم نفس الوجوه تقريبًا، رقعة السماء ذاتها، نصف وجه القمر، ولم يتسنَ له أن يلمح صاحبه!

عند أول لقاء بيننا، مددت لك يدى بسلام عابر. أفكر الآن، لو كان بوسعى تدارك غفلتى، فأجبر رأس الفتاة على الالتفات إليك عنوة؛ إنه أنت بشحمك ولحمك، فكيف أستقبلك بسلام عابر، وإن كنت تُقسم لى - بمبالغتك المعهودة - أنه لم يكن سلامًا عابرًا بالمرة، فأصابعك احترقت بالفعل.

كنت فى طريقى إذن، حولى وجوارى، ويوم أن هطلت السماء فوقى بقسوة، وكان الوقت متأخرًا، وأنا أبحث بعينى فى كل اتجاه، حيث لا مقعد على محطة إلا وتبلل، ولا حافلة تلوح عبر الطريق، وما إن تصلبت ساقاى وانتفخت أصابعى، حتى أحسست بشىء يوضع على كتفى، وإذا بكفيك تحوطان أصابعى الحمراء، وإذا بأنفاسك تنفخ صهدًا فى أصابعى لتدفئها حتى كدت أن أتعرق، أكانت تلك الصدفة منك أم كانت بفعل السماء! أى مشهد رسمته بقلب محب كأول لقاء بيننا!

الحب وسنينه

ألتمس للجميع عذرًا قبل أن تطرح قرارك هذا، فماذا تعنى لهم كلمة مثل أحببت، وأنت قلت لهم صراحة: أحببت فتى لا يجيد اللبس والكلام، لا يغسل أسنانه، لا يهذب شاربه أسفل أنفه العريض المفلطح، ولكن عيناه بوسع السماء والأرض.

لا عجب إن قامت الدنيا ولم تقعد، فما الذى جمع الشامى بالمغربى؟ وهل يصنع الحب المعجزات يا حبيبى؟! فسّر لى كيف لجسدينا الهشين أن يحملا شقة بأكملها على رأسيهما؟ نحن من حملنا معًا طوبها ورملها وبلاطها وشكائر أسمنتها وشبابيكها وأبوابها حتى ستارة الحمام،  صعدنا الأدوار الأربعة ألف مرة وهبطناها نتبارى فى القفز، وكنا كلما استرحنا على سلمة، أخذنا الكلام فسهونا وفركنا أعيننا بأصابعنا المتربة، وجرشنا حبات الرمال تحت أسناننا.

فى عيد زواجنا الـ 18 كتبت على صفحتى «فى فترة الخطوبة، كنت حاسة إن وائل بيستكردنى فى التوضيب، كنت بقف مع العمال وأشتغل بإيدى لحد ما بقى شكلى زى الواد بلية مش شكل عروسة خالص وهو رايق وفايق خالص ومقضيها ضحك ولعب وحب.. حتى اقتنعت تمامًا أن رغبتى فى إتمام زواجنا تفوق رغبته، وهو ما أحزننى جدًا وجعلنى أفكر بجدية فى مدى نجاحنا معًا.. لولا موقف أخير عمله وائل نزل على قلبى كالبلسم وغير نظرتى ليه خالص.. كانت فلوسنا خلصت والفرح بعد أسبوع ومحتاجين على الأقل ألف جنيه وبالشكل ده هنأجل.. وأهالينا فرحانين جدًا فينا ومنى عينهم إن الجوازة دى تتفشكل.. وائل خد كتبه وكتبى وفرشها قدام دار القضاء العالى ورجعلى فى أول يوم بـ 200 جنيه واليوم التانى بـ 150 وفى التالت البلدية مسكته وخدوا الكتب منه وركبوه البوكس لولا إن عمى أبو وائل الله يرحمه لحقه فى آخر لحظة، وعمى صعب حد يكسفه لأنه من الناس القديمة الطيبة اللى مجرد مرورهم بيفجر فيك مشاعر إنسانية نادرة، وهو الوحيد اللى نفسه الجوازة دى تتم بس إيده ما كنتش طايلة.. فالضابط نزل وائل من البوكس وقال له: عشان خاطرك يا حاج بس لو شفته تانى هحبسه، وأنا قلت لوائل: كفاية بهدلة بقى نأجل وأمرنا لله، وائل قالى: لأ هروح وأفرش وأبيع حتى لو رحت فى حديد بس جوازنا ميتأجلش تانى أبدًا، وتعلم الفتى الأسمر كيف يطرطق أذنيه ويشد بصره ويجرجر حمله الثقيل إلى أقرب مدخل أو بير سلم حتى لو انجلفت أصابعه! دخلنا شقتنا يوم 21 يناير 2002 مهلوكين من التعب.. ولأنى الأضعف بمجرد أن دخلناها رحت فى نوم كله هلاوس وكوابيس وخبط ورزع واستيقظت فإذا بك تجلس بعيدًا على طرف السرير تتأملنى وتفرك عينيك وتبتسم.. فلم يطاوعك قلبك مثلى على النوم فى ليلتنا.

الآخر ليس مثلى تمامًا

بعد عشرين عامًا من العشرة، أصبحت على يقين من أن نصفك الآخر لا بد أن يكون على النقيض منك تمامًا، ربما لهذا أخطأت فى التعرف عليه، فإن كنت رومانسيًا مثلا فلابد أن يكون واقعيًا حد القسوة، وإن كنت مرتبًا فابحث بضراوة عن ذاك الهمجى، مهندمًا فما أحوجك لتلك الراحة من الهلهلة! أصبحت على يقين أيضًا، بأن ما تبحث عنه يبحث عنك، ولا يلتقيان إلا حين ينتبهان إلى ما ينطوى عليه قانون الجذب والتنافر من حكمة، وإلا كيف كنا نتوقع أنا وأنت التصاقًا كهذا، لا يفصمه إلا القطع بترًا.