الأحد 4 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

خناقـة علـى المنبـر

خناقـة علـى المنبـر
خناقـة علـى المنبـر


يوم السبت الماضى بنادى الصيد بالدقى حيث تعدى المصلون فى نادى الصيد على الشيخ محمد جبريل، عقب انتهاء صلاة التراويح، بعد أن دعا قائلا: «اللهم عليك بمن قتلوا الساجدين المصلين»، ما تسبب فى استياء المصلين خلفه والاشتباك معه وتسبب فى الاشتباكات فى مسجد النادى من مؤيدى الشيخ محمد جبريل وعدد من رواد النادى مما دفع الأمن لإخراج جبريل من الباب الخلفى للنادى.. والعديد ممن قابلتهم اعترف بتعرضه لمثل هذا الموقف ولم يقتصر ذلك على مكان أو حى أو حتى مدينة فالعديد من القرى أيضا يتم فيها باسم خطبة الجمعة شحن الناس وتحدث مشادات بين المصلين وينقسمون لمؤيد للإمام ومعارض فى وقت من المفترض أن تعلو فيه القيم الروحية والدينية أثناء سماع الخطبة والتأهب للصلاة وفى حال يعيشه الناس فى البلد أحوج ما يكون لرفع شعار الحب والمساواة والتسامح ولم الشمل والقضاء على أى فتنة أو تناحر).
 
 
فهذا الجدال والتجريح والصراخ الذى أزعج الجميع لم يكن مجرد خناقة على القهوة أو مشكلة فى الشارع وإنما كان بين مجموعة كبيرة من المصلين والإمام بسبب تأكيده فى الخطبة على أن مرسى عائد إلى الرئاسة والدعاء على من فى التحرير، مما استفز العديد من المصلين فى مسجد أخر وبدأ يعلو صوتهم ليأمروه بأن يتوقف عن التضليل وتكفير المختلفين معه ويقولون له «اسكت انزل من على المنبر»، فرد عليهم «اسكت أنت يا جاهل أنا أحسن منك وأعرف عنك» وامتد الجدل بين المصلين أنفسهم ما بين مؤيد ومعارض لآراء الشيخ إلى أن مشى الكثير من الشباب قبل أن يصلوا واستكمل الإمام حديثه مع العلم أنه من المعروف أن هذا الشيخ متشدد فى أسلوبه ومواضيعه مما كان يدعو العديد من جيراننا عندما يكون هو الخطيب إلى اختيار جامع آخر فى صمت قد يكون أبعد مسافة ولكن بحثا عن إمام آخر أكثر موضوعية وبشاشة وما يدمى القلب منظرالمسجد يوم الجمعة فى الأسبوع الذى يليه فبعد أن كان الناس لا يجدون مكانا للوقوف داخل المسجد لضيقه ويفترشون الشارع بسجاجيدهم الخاصة لم يكن فى هذا اليوم سوى بعض المصلين داخل المسجد واختفت الأعداد الكبيرة خارجة..ئلقد أحدثت هذه المشادة شرخا كبيرا بين من هم من المفترض الدعاة الذين يمثلون السماحة واليسر والتدين لجذب الناس للعبادة والصلاة وتعليم الجاهل بدينه وحث المتكاسل على السعى لإرضاء الله وبين الناس التى لم تكن تنوى سوى سماع خطبة الجمعة والصلاة ولكنها نفرت من هذا الحديث المشين غير المسئول المتحزب الذى جعل المنبر بقدسيته مجرد مكان لفرض رأى سياسى وشحن الناس وإحداث بلبلة وفتنة.
 
∎منصة سياسية لفرض الرأى
 
المهندس مصطفى محمود يسكن فى منطقة الدقى اضطر للبحث عن مسجد غير الذى تعود أن يصلى به الجمعة بسبب تصميم الإمام على فرض رأيه السياسى فيقول: «منذ تولى مرسى السلطة وهذا الإمام لا موضوع له سوى إيقاف الوقفات الاحتجاجية وإعطاء الفرصة لأولى الأمر وحتى لو كان هذا أسلوب لإحداث استقرار وهدوء فى البلد إلا أنه كان مكررا ومبالغا كأنك تستمع لمحامياً يدافع عن موكله ويطلب له العفو والسماح وكان يستغل أوقات الانتخابات لمجلس الشعب ليقرن بين الإسلام والتدين واختيار حزب إسلامى وكثير من المصلين حاولوا النقاش معه ليبعد عن الساسة وآرائه وإقرانها بالدين فكان يضرب بكلامنا عرض الحائط ويعيد ويزيد لإثبات وجهة نظره واستفزنى الأمر بعد ذلك كثيرا لأنه منذ الإعلان عن حملة تمرد وهو يسفهها ويصفها بدعاة البلبلة والفرقة ولم تقنعه الملايين التى نزلت يوم 30 يونيو وتحولت كل الخطب للتقليل من هذهالثورة والتشكيك فيها وإقرانها بالفلول إلى أن طفح الكيل ولم نعد جميعنا تقريبا نصلى فى هذا الجامع إلا القليل من الذين ينتمون لفكره وتياره.
 
أما محمد شعبان - فنى تكييف- فقد سمعته يحكى عن الشيخ الذى بعد أن أنهى خطبته فى جامع فى إحدى قرى محافظة الجيزة دعا على من فى التحرير وكل من يكره مرسى ويحاول إسقاطه وطلب من المصلين أن يرددوا ذلك ويقولون آمين.. فما كان من معظم المصلين إلا أن دعوا له بالهداية أثناء خطبته مما استفزه وبعد الصلاة حاولوا التحدث معه عن أن هذا ليس المكان الذى يفرض فيه رأيه ويطلب منهم التصديق عليه فنشبت خناقة كبيرة بينه وبين المأمومين ثم جاء أنصاره وكبرت أكثر الخناقة وأحدثت بلبلة فى هذا الشارع وهو ما يتناقض مع دور الإمام من أن يكون قدوة فى أدب الحوار والاختلاف والتسامح والصبر على النقد».. سارة أحمد أيضا كانت شاهد عيان من بلكون بيتها فى الدور الأول المواجه لأحد المساجد الصغيرة فى مصر الجديدة على المشادة الكلامية التى حدثت بين مؤيدى الإمام ومعارضيه والتى امتدت للشتيمة ومحاولة الضرب أيضاوتقول: «المفترض الناس خارجين من الصلاة على وجوهم الطمأنينة والهدوء والنور، ولكن ما حدث أن الشرر كان يتطاير من عيونهم بعد أن ظل الإمام فى خطبته وكلنا سمعناها من بيوتنا يصف أصحاب حملة تمرد والمعارضين بأبشع الشتائم وأن لهم مصالح مع أمريكا وأنهم لا يعرفون الدين وأخذ يحكى عن مرسى وتواضعه وصبره وشبهه بالصحابة وأن ما يحدث هو هجوم على الإسلام مما جعل الشباب متحفزا ودارت مشادة ساخنة على باب الجامع أن هذا ليس دور الإمام بينما مؤيدو الإمام يرون أن واجبه أن يفتح عيون الناس وإلا يكون شيطانا أخرس وامتد الوقت لساعات من الجدل والشجار إلى أن تدخل كبار السن من الساكنين فى المكان لإجبارهم على الرحيل للحفاظ على صيامهم من هذه المجادلات التى قد تتطور لأخطر من ذلك».
 
∎حكمة الإمام وأدب المصلين:
 
لجأت إلى شيوخنا الأجلاء لأستشيرهم فى رؤيتهم لهذا الموقف المشين والمتكرر.. «يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» بهذه الآية الكريمة بدأ الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر يوضح لنا ما يجب أن يكون عليه الناس أثناء صلاة الجمعة وأضاف الحديث الشريف: «إذا قلت لصاحبك «صه» (بمعنى اسكت) فقد لغوت ولا جمعة لك» ويستدل بذلك الدكتور أحمد قائلا: «يستدل من مجموع الآية والحديث أن ذكر الله مقيد بترك كل ما يشغل ويلهى عن حب السماع والإنصات لخطبة الجمعة وقد سمى الله هذه الخطبة «ذكر» وبين أدب التعامل مع هذا الذكر فى «ذروا البيع» لأن البيع من أكثر الأشياء تناولا، فالبيع مجرد مثال لما قد يشغل عن ذكر الله.. والحديث يدل أن المستمع للخطبة من المأمومين يجب عليه الإنصات حتى لو وجد خطأ سواء فى الإمام أو المأموم احتراما لقدسية المسجد وآدابه التى قال الله عنها» فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه «أما للخطيب فإن الخطبة هى ذكر لله وليست نشرة سياسية أو وقتا للحديث فيها إيجابا أو سلبا عن فصيل ويجب أن ينأى بنفسه من الخوض فى الشأن السياسى حتى لا تحدث فتنة فى المسجد بين أطياف الناس ولا يتلفظ بإيذاء للمسلمين الشاهدين أو الغائبين ويقتدى بالنبى عليه الصلاة والسلام فهو لم يكن باللعان أو الفاحش أو البذىء، لذا فمن السفاهة أن ينتصر الخطيب لعصبة يراها فيحزب أو يتمذهب بها عن البعض من مقلدى الإخوان وغيرهم من جماعات الإرهاب الفكرى والمسلح، لذا يحرم على مثل هؤلاء أن يستغلوا المسجد فى الدعايات لما يقلدونه وإلا تعرضوا لوعيد الله فقد قال الله تعالى «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها» ويضيف الشيخ أحمد كريمة: «ولن تنصلح الأمور إلا بغربلة الخطباء وأن يصلى فى المساجد الكبرى وتقام الصلاة فى هذه المساجد خاصة فى القرى وانتقاء الدعاة المتجردين للدعوة غير المتحزبين وعلى المصلين الذين لم تعجبهم الخطبة أو تحفظوا على كلامه ألا يقاطعوه لأن فى ذلك إساءة أدب، وإثم كذلك ترك الصلاة إثم فالمفروض بعد الصلاة أن يحاوروه وسرا ولا يحدثوا بلبلة أثناء الخطبة.. أما الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف فيرى أن الإمام يجب أن يكون حكيما ويشرح ذلك قائلا: «هذه الحكمة أن يكون وسطيا فلا يميل إلى معسكر ضد الآخر ولا يجوز أن يجعل المنبر تابعاً لحزب أو تيار أو جماعة ويدرك أن مهمته هى تبليغ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وتجميع الناس وليس تفريقهم وعليه أن يستعمل العبارات والكلمات التى لا تستفز أحدا وإن كان الإمام صاحب رأى فليحتفظ برأيه لنفسه لكن لايليق أبدا أن يعتلى المنبر ويستغله لنشر أفكاره الخاصة به أوبجماعته السياسية فأى خطيب يختلف الناس عليه الخطأ عنده وليس الخطأ فى الناس.. ويضيف الشيخ سالم عبدالجليل ويوجه حديثه للمصلين: «رسالتى للناس أن يتركوا الإمام ليتحدث ويصمتوا ويصلون خلفه حتى مع اختلافهم معه وبعد الصلاة يتكلمون معه برفق وإن استجاب فلله الحمد ولو لم يستجب فرد الفعل المناسب أن يتوجهوا بشكوى إلى وزارة الأوقاف بدلا من إحداث البلبلة فالخطأ كبير أن يتم النزاع بالمسجد ولا يليق بحرمة المسجد، والخطأ كل الخطأ يتحمله الخطيب الذى لم يكن حكيما وجعل الناس تنحرف عن الصلاة فى المسجد «وعند سؤاله بحكم منصبه عن الدور الذى تقوم به وزارة الأوقاف عند التقدم لها بالشكوى من خطيب قال: «هذه تعد مخالفة فيتم استدعاء الخطيب ومناقشته والوصول بقدر الإمكان لإقناعه».