في ضريح زين العابدين أشعار وعمامة خضراء

مني صلاح الدين شريف الليثى
على أحد تلال جبل يشكر تلك المنطقة التى أسس عليها العباسيون مدينتهم العسكر، ثانى عواصم مصر الإسلامية، يختار الفاطميون هذه المنطقة ليقيموا عليها واحداً من أشهر أضرحة آل البيت رضى الله عنهم فى مصر.. إنه ضريح زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين.
لتكتسب هذه المنطقة شهرتها من اسم صاحب الضريح حفيد الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجه وتسمى بحى «زينهم» «أى زينة الرجال» فهو زينهم فى العلم والفقه والزهد والنسب.
وليسمى الكثير من أبناء هذا الحى باسم زينهم وزين أو زين العابدين تبركاً بصاحب المقام يحتفلون بمولده كل عام فى الخامس من شهر شعبان.
عرفت مصر بناء وزيارة أضرحة آل البيت مع قدوم الفاطميين إليها (358 - 568 هـ)، الذين شيدوا الكثير من أضرحة آل بيت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم تلك التى أمر ببنائها الخلفاء والوزراء الفاطميين، وربما كانوا يقصدون بذلك أن يجعلوا من مصر مزاراً يفد إليه محبى ال البيت من كل مكان وربما أرادوا أيضاً، شغل عامة الناس عما يدور فى بلاط وفكر الدولة الفاطمية وذلك بإقامة الاحتفالات والموالد عند هذه الأضرحة، ويذكر المؤرخون،
ومنهم المقريزى فى خططه «أن الخليفة المعز لدين الله كان يزور الأضرحة فى ركوب أول العام» ،
كما يروى ابن دقماق «أن الخليفة الحاكم بأمر الله شيد أضرحة هى مدافن الأشراف بين مصر والقاهرة» ويروى المقريزى «إن القضاة فى مصر فى العصر الفاطمى كانوا يزورون الأضرحة» وكان للخلفاء الفاطميين قصص مختلفة مع بناء هذه الأضرحة.
∎ضريح زين العابدين
ومن بين الأضرحة التى شيدها الفاطميون كان ضريح الإمام زين العابدين بن الحسين، حفيد على بن أبى طالب كرم الله وجه وأختاروا المكان الذى أقاموا به الضريح ليكون على أحد تلال جبل يشكر هذه المنطقة التى كانت تقع خارج مدينة القاهرة الفاطمية والتى شيد فيها العباسيون عاصمتهم فى مصر وهى مدينة العسكر.
ومع مرور السنين وتحديداً فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين أطلق أهل المنطقة التى شيد بها الضريح عليها، اسم منطقة أو حى زينهم ويقصدون بذلك الاسم زين العابدين فهو زينة الرجال حيث لقب بالكثير من الخصال والألقاب فهو أفضل أهل زمانه علماً وزهداً وتواضعاً كما يروى المؤرخون.
وسنجد الكثير من أبناء الحى وقد تسموا باسم «زينهم» وهو المعنى الشعبى عند العامة لاسم زين العابدين وذلك تبركاً وتيمناً بصاحب المقام. كما يوضح د. مختار الكسبانى أستاذ العمارة والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة ويستطرد قائلاً: جاء صاحب هذا المقام مع عمته السيدة زينب بنت على بن أبى طالب رضى الله عنهم وآخرون من آل بيت رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم هرباً من اضطهاد حكام بنى أميه لهم وحباً فى مصر وأرض مصر، بعد أيام وسنين صعبة عاشوها فى العراق والشام والمدينة المنورة.
ويكمل د. مختار يقيم أبناء حى زينهم كل عام مولداً للإمام زين العابدين يوافق الخامس من شعبان حيث ولد فى عام 38 من الهجرة وتوفى فى 25 من المحرم عام 95 هـ.
∎البشكارية
يقول د. الكسبانى يشتهر حى زينهم بسكنى أصحاب الحرف والصنعة وبخاصة الجزارين حيث تنتشر وتكثر محلات بيع اللحوم ثم يأتى بعد الجزارين وينظر لهم بأنهم أقل مستوى من الجزارين مايعرفون بـ «البشكارية» وهم الذين يبيعـــون مـــا يعـــرف بفـــــواكه اللحــــوم أو بــــواقى الذبيحــــة مـــن «كبـــده وطحــال وكرشة وإلى غير ذلك».
ويكمل د. مختار ولقد أراد الجزارون والبشكارية الذين يتخذون من حى زينهم سكناً وعملاً لهم، أن ينالوا البركة فى عملهم ورزقهم من زين العابدين صاحب الضريح وحتى يصبغوا تجارتهم بالصبغة الحلال فما كان منهم إلا أن سارعوا فى إنشاء أشهر «مدبح للحوم بالقاهرة» لتعرف المنطقة التى تضمه بعد ذلك بمنطقة المدبح.
∎من صاحب الضريح
وقد اختلف علماء الآثار والمؤرخون حول تحديد شخصية المدفون بضريح زين العابدين، فالبعض يرى أن الإمام على زين العابدين قد توفى فى المدينة المنورة ودفن بالبقيع بجوار عمه الحسن وأن ابنه زيد بن على زين العابدين الذى توفى عام 122 هـ هو من دفن بالضريح الموجود بالقاهرة، أما البعض الآخر فيرى أن زين العابدين هو المدفون بضريح القاهرة، كما تؤكد ذلك دكتورة سعاد ماهر أستاذ العمارة والآثار بجامعة القاهرة فى كتابها «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون».
وهذا ما ستجده مكتوبا على لوح رخامى أعلى المدخل الرئيسى للمسجد الذى يضم ضريح الإمام زين العابدين بالقاهرة ومكتوب عليه، «هذا مسجد ومقام سيدى زين العابدين ابن مولانا الإمام الحسين رضى الله عنهما».
ولكن فى الوقت نفسه وعند زيارتك لمقصورة الضريح التى يتحلق ويطوف حولها الزائرون ويمسحون عليها بأياديهم تقرباً إلى الله تعالى وتبركاً بصاحب المقام ستجد لوحا معدنيا من نفس معدن المقصورة المطلى بالذهب وقد كتب عليه، «هذان هما مقامان، مقام الإمام التقى الورع سيدنا ومولانا على زين العابدين ابن سيدنا ومولانا الإمام الحسين رضى الله عنه ومقام الإمام سيدنا زيد زين العابدين ابن سيدنا ومولانا على زين العابدين».
∎عمامتان خضرواتان
وفى داخل الضريح وتحديداً فى المقصورة المعدنية سيلفت انتباهك تلك الزخارف المعدنية المصنوعة بأشكال «فن التوريق» أى استخدام زخرفة أوراق وأفرع النبات وهو فن إسلامى،
وأيضاً تلك المباخر النحاسية التى تعلوها أهله: «أشكال الهلال»، وقد وضع على الضريح كسوة ذات تصاميم تشبه كسوة الكعبة باللونين الأخضر والأسود عليها كتابات لآيات قرآنية من آية الكرسى وأسماء الله ومحمد داخل دوائر، ويقول أحد خدام الضريح أن أحد أغنياء الحى قام مؤخراً بالتبرع لعمل هذه الكسوة بمبلغ خمسين ألف جنيه، ولكن أهم ما سيلفت انتباهك تلك العمامتين الخضراوتين اللتين وضعتا أعلى الضريح.
∎عمارة المسجد
شيد المسجد الحالى فى أوائل القرن التاسع عشر على طراز العمارة المملوكية من حيث المدخل والقبة والمئذنة، حيث جدده وأعاد معظم مبانية «عثمان أغا مستحفظان» فى نهاية العصر العثمانى بعدما تهدمت معظم مبانيه التى شيدها الفاطميون فى عام «945» من الهجرة وتعتبر مقصورة الضريح نموذجاً لصناعة الحديد المزخرف فى مصر ومكتوب عليها: «أنشأ هذه المقصورة سعادة محمد قفطان باشا سنة 12801هـ.
وصاحب الضريح هو الإمام زيد بن على المعروف بزين العابدين، ابن الحسين بن على بن أبى طالب وهو كما وصفه أبوإسحق قائلا: «رأيت زيد بن على فلم أر فى أهله مثله ولا أعلم منه ولا أفضل كان أفصحهم لسانا وأكثرهم زهدا وبيانا».
وتقول كتب المؤرخين أن أمه هى شاه زنان بنت الملك يزدجرد بن شهر يار ابن كسرى ملك الفرس وقد تزوج من فاطمة بنت الإمام الحسن رضى الله عنه وقد عاصر خلفاء الدولة الأموية من يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عبدالملك وتوفى وعمره 57 عاماً فى عام 95 من الهجرة.