الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ما اجتمع الدين والسياسة إلا وكان الشيطان ثالثهما

ما اجتمع الدين والسياسة إلا وكان الشيطان ثالثهما
ما اجتمع الدين والسياسة إلا وكان الشيطان ثالثهما


عندما يصبح الدين هو السيف الذى يسلطه الطامعون فى السلطة على رقاب العباد ليوجهوا الدفة حيث يشاءون ليصل المركب إلى ميناء مصالحهم الشخصية البعيدة كل البعد عن مصلحة هذا الوطن وشعبه.. هنا يجب أن تكون لنا وقفة، عندما يصبح الدين هو المخدر الذى يبيعه تجار الدين للفقراء والضعفاء من الناس ليمحوا عقولهم ويستغلوا فقرهم ليصبحوا الأداة لتنفيذ مخططاتهم الدولية، هنا يجب للشعب أن ينتفض ويثور.. فقد وضع ثقته ومستقبله بين أيدى من ادعى أنه يتحدث باسم الدين، وتم خداعه بلا رحمة، لكن رب ضارة نافعة.
 
فقد تعلم الناس أن الخلط بين الدين والسياسة كالخلط بين الزيت والماء.. وأمسى يفرق بين الشيخ الذي يدعو للرشاد والشيخ الذى يستغل عمامته وذقنه لجمع الأصوات لحزب أو تيار بعينه.
 
والآن أصبح من المهم أن نسمع آراء سياسيين وعلماء فى الدين ليوضحوا لنا مدى خطورة التحدث فى السياسة وأمور الدولة باسم الدين.
 
فيقول الدكتور كمال الهلباوى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين: يوجد ما يسمى بمتطلبات النظام السياسى فى الإسلام، «لا يكون هذا خلط الدين بالسياسة أو العكس.. فمثلا العدل «إن الله يأمر بالعدل»، والحريات «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» سواء وحقوق الإنسان.. كل هذا موجود في النظام السياسى فى الإسلام، إنما هناك أمور يجوزها الخلاف، إذا أولها البعض على أنها جزء من العقيدة، هنا يكون خلط الدين بالسياسة ضارا، فإذا اختلفت مع مذهب من المذاهب الإسلامية كما يوجد خلاف بين السنة والشيعة، لا ينبغى أن نضع كل خلاف بيننا فى دائرة العقيدة لأن الدين واضح والسياسة واضحة، إنما أخلاق السياسيين فى الإسلام تكون أفضل من أخلاق السياسيين فى المجتمع الديمقراطى، هذا ليس خلطا بين الدين والسياسة.
 
أما الناشط السياسى أبوالعز الحريرى فيقول: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، أى أن الأخلاق كانت موجودة قبل أن يبعث.. إذن هى ليست مرتبطة بالإسلام وحده، إنما هى منتج بشرى، أى أن الإنسان كلما ارتقى ارتقت أفكاره ومفاهيمه وممارساته، وبالتالى الادعاء بأن أشخاصا ما أو جماعة ما تتحدث باسم الدين هو نوع من الشرك بالله سبحانه وتعالى، لأنها تدعى أن أشخاصها يتحدثون باسم السماء أى أنهم يتلقون الوحى.. والوحى لا يهبط إلا على الأنبياء وسيدنا محمد كان آخر الأنبياء.. إذن فكل من يدعى أنه يتحدث باسم الإسلام أو أنه حزب دينى إذن كل المنتمين إليه أنبياء! إذن هو يزدرى الدين الإسلامى ويهينه.. ومن ثم ليس هناك مانع على الإطلاق أن تكون خلفية الإنسان الثقافية بها المؤثرات الدينية، كالعدل والحرية والمساواة وإنصاف المظلوم، لذلك يقول لنا الرسول الكريم: «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، لماذا نطلبه؟ وإذا طلبناه أليس من المفروض أن ننتفع به؟!
 
والدين هو الهداية والعبادة والتوحيد، والديمقراطية هى القرار والحوار، لكن العلم هو الحل، لذلك قال الرسول: «أنتم أدرى بأمور دنياكم»، أى أنه يقول إن كل واحد أعلم بعلمه الذى يحمله بحل مشاكل الدنيا والحياة التى تعيشون فيها.
 
هناك فارق بين الدين كوازع أخلاقى والدينى، هذا الوازع مثلا عندما تخرجين فى الصباح فيوصيك والداك بالتصرف السليم، لكنهم لا يخرجان معك ولا الظروف التى ستمرين بها هنا تكون لك حرية التصرف على قدر ما حصلت عليه من علم ومعرفة، لذلك لا يجتمع الدين والسياسة بقصد أن يكون المتحدث متحدثا باسم الدين، وليست هناك إمكانية لأحد علي الإطلاق أن يتحدث باسم الدين حتى سيدنا محمد بدليل أنه فى غزوة الخندق أخذ بالفكرة التى قالها له سلمان الفارسى الذي قال إن الذين يعبدون النار من أهل فارس كانوا يحفرون خندقا حول المدينة عندما يحاصرون، أى أنه طبق أفكار من يعبدون النار لأنها تخص الحياة العملية، الرسول هنا فكر فى الفائدة التى ستعود على المجتمع منها وليس من سيدخل النار أو الجنة.
 
لا يمكن التصرف فى الأمور الحياتية باسم الدين، وإلا معنى ذلك أننا أنبياء، وأن الوحى هو من يوحى لنا بتصرفاتنا، إذن هل سينزل الوحى فى حل مشكلة الإسكان فى مصر؟!
 
إذن فلماذا خلق لنا الله العقل، ولماذا يحاسبنا عليه، ألم يقل «كل نفس بما كسبت رهينة»؟!
 
ويقول الدكتور هانى رسلان رئيس تحرير الأهرام الاستراتيجى: إن الخلط بين الدين والسياسة أثبت بالدليل العملى أنه يمثل خطورة كبيرة ليس فقط على المجتمع المصرى وإنما على تماسك الدولة ووحدة أراضي البلاد والأمن القومى المصرى.. لأن مجموعة الأفكار التى يطرحها تيار الإسلام السياسى بفصائله المختلفة تحتاج إلى مراجعات جذرية، حيث إن الممارسة العامة لهذا التيار أدت إلى أنهم أصبحوا يطابقونبين أنفسهم وبين الإسلام بشكل أو بآخر حتى لو أنكروا ذلك على المستوى اللفظى، ولكن الممارسة العملية تؤكد ذلك بالقطع، ومن ثم فأى معارضة لسياسات أو أطروحات أو سلوكيات فى هذا الفصيل تعد فى نظرهم خروجا عن الإسلام والكفر ونوعا من النفاق، وهذا بالتأكيد سيؤدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعى المصرى وتهديد الأمن القومى للبلاد بأشكال مختلفة، ولذلك الشعب المصرى بحضارته المتراكمة وعقله الجمعى أدرك هذه الرسالة وصار يوم 30 يونيو ليسقط هذا التيار بأكمله وأفكاره، لذلك عليهم الآن مراجعة أنفسهم وأفكارهم.
 
أما عن إقصائهم.. فأنا لا أتفق مع فكرة الإقصاء السياسى لهم، لأنه سيؤدى لزيادة التوتر والاضطهاد فى مصر، لكن ما يجب منعه هو التنظيمات، كتنظيم الإخوان المسلمين، يجب منعهم وحل التنظيم وتعقبه، والسماح للأحزاب التي لها أفكار إسلامية على أن يكون لها تجليات وأفكار فى البرامج، لكن على غير شعار دينى، أى إنشاء حزب على أساس قانونى وليس على أساس شعارات دينية، والناس لهم أن يرفضوه أو يقبلوه.
 
وكان من المهم أن نعرف رأى أهل الدين فى تأثير خلط السياسة بالدين على المجتمع وعلى وجود الدين فى حياة الأفراد به، لذلك تحدثنا مع الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفقه والشريعة بجامعة الأزهر الشريف، فقالت إنها تود أن تبعث برسالة للمجتمع المصرى من خلال هذا الموضوع فقالت: فى المستقبل القريب الذى نعيش فيه استغل الدين ووظف لمآرب سياسية وطموحات إنسانية واستدعاء كل مفردات الدين مصطلحاته من قصص وتاريخ وآيات لخدمة المآرب السياسية التى ملأوا بها الفضاء والأرض، وغياب الصدق الحقيقى لمفهوم التدين فى بناء أخلاق المسلم إذن استخدم الدين للانتفاع به وليس لممارسته أو لتأهيل الإنسان به، بل استغل واستخدم لقضاء أمور شخصية، وللأسف الشعب المصرى يجيد تماما دين الملك، فعندما انتشرت هذه الثقافة وجدنا الشوارع امتلأت برجال وشباب باللحى على اختلافها طولا وعرضا.. ووجدنا اللسان بدأ يمتلئ بالمصطلحات الدينية حتى عند بعض البائعين كأنها مساحة وغطت منافذ الحياة.
 
كنت من فترة فى اجتماع المجلس القومى للمرأة وجدت من شريحة المجتمع التى وجدت كأننا انتقلنا من قرن إلى قرن ومن حضارة إلى حضارة ومن دولة إلى دولة.
 
هناك من سمعته يقول: كم أبغض الحجاب، وهناك من يقول كفانا حديثا عن الدين، وهنا أقف وقفة منبهة ومحذرة، أنبه أننا أمة بطبيعتنا لنا جذورنا الإسلامية، ولنا ثقافتنا وفكرة التجارة بالتطرف والتدين.. هذه حقائق لابد أن يدركها من تاجر بالدين ومن ربما أصابه بعض الأذى من هؤلاء الأدعياء بالدين، وأود وأتمنى أن هذا المجتمع المصرى المتدين بفطرته وطبيعته منذ أخناتون أن يدرك أن التدين ليس قشرة طارئة، أو أنه تجارة سريعة نتاجر بها ونتركها بعد أن نحصل على الربح، التدين فى جينات الشعب المصرى، المسلم والمسيحى، حتى المسيحى عقيدة، لكن ثقافته إسلامية، لذا يجب أن ندرك أن الإسلام دين يحمى ويكرم ويعطى الإنسان الكرامة، ولا يجب أن نغضب من فصيل أساء وسيئت وجوههم، إنما علينا أن نعرف قيمة عقيدتنا وشرعنا بعيدا عن تجارب أساءت استخدام الإسلام وأن نتوازن، ولكى نتوازن يجب أن نبتعد عن مخاصمة الدين والنظر إليه نظرة استعدائية وأن ندرك أن هذا الدين الوسطى كما أراد رب العزة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا».
 
إذن نحن نشكل اهتماما بشريا للمصالحة الدائمة مع منهجنا الإسلامى الوسطى المتوازن المناسب واللائق لتحمل الإنسان لمسئولية الدين.
 
وأخيرا أقول أفيقوا يا مصريون.. لا داعى للتطرف.
 
لا داعى أن نخطو خطوات أوروبا عندما غضبت من الدين وأطلقت مقولة فصل الدين عن الدولة وأعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أو من فى مجتمع عام تقول بعنف «كم أكره الحجاب»!
لابد أن نخرج من التطرف الذى لا يليق بوسطية شرعنا ولا بتاريخ المصريين وحمايته لعقيدة الإسلام.