الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

منتدى الغاز، وحقيقة ادعاءات الغاز والخط الإسرائيليين

الدورة الوزارية الثالثة لـ«منتدى غاز شرق المتوسط EMGF» عُقدت بالقاهرة 16 يناير 2020 برئاسة وزير البترول المصرى، شارك فيها رؤساء وفود الأعضاء المؤسسين؛ وزراء الطاقة القبرصى واليونانى والإسرائيلى، والمسئول الفلسطينى عن الطاقة، ووكيلة وزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية، وممثل وزيرة الطاقة الأردنية، وممثلو الاتحاد الأوروبى والبنك الدولى، وممثلو أمريكا وفرنسا كضيوف.. تم خلالها تحويل المنتدى إلى «المنظمة الإقليمية لغاز شرق المتوسط»،



بعد استكمال الإطار التأسيسى له كمنظمة دولية حكومية مقرها القاهرة، تضم: مصر، اليونان، قبرص، إسرائيل، فلسطين، الأردن، وإيطاليا، وتوقيعه بالأحرف الأولى، وإرساله إلى المفوضية الأوروبية لمراجعته، ضمانًا للتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبى، أكبر سوق مستهلكة للغاز فى العالم، وذلك قبل التوقيع النهائى.

فرنسا تقدمت بطلب انضمام لعضوية المنظمة، وأمريكا طلبت صفة المراقب، ما يعنى وحدة المصالح مع المنظمة، ويضيف زخمًا فى التصدى للأطماع التركية.. انضمام فرنسا يعنى أيضًا زيادة أعضاء الاتحاد الأوروبى إلى أربعة: «اليونان، قبرص، إيطاليا، وفرنسا»، ما يعزز جهودها لحماية ثروات الغاز شرق المتوسط.

التحول لمنظمة دولية

تحول المنتدى إلى منظمة دولية يدعم أعضاءه فى مواجهة التهديدات التركية.. وزير الطاقة الإسرائيلى أكد على أن البحر المتوسط ملك للجميع، ولا تستطيع دولة امتلاكه أو إعاقة عمليات الشحن ونقل الغاز إلى أوروبا، وذلك ردًا على تهديد تركيا بقطع الطريق على خط «إيست ميد».. وزير الطاقة القبرصى طمأن الشركات العاملة بالمناطق الاقتصادية إلى استقرار مصالحها، بضمان المنظمة.. وزير الطاقة اليونانى دعا تركيا إلى التعاون والانخراط فى أعمال المنظمة!!، شريطة التزامها بقواعد القانون الدولى، ونبذ اتفاقها مع السراج.. لغة الأخير تعكس تزايدًا فى التهدئة، قد تناسبهم كزملاء «ناتو»، لكنها لا تستقيم وخشونة الاستفزازات التركية.

وقد تم خلال الاجتماع استكمال إجراءات تأسيس اللجنة الاستشارية لصناعة الغاز «GIAC»، التى عقدت اجتماعها الافتتاحى بالقاهرة 6 نوفمبر 2019، ما يعكس الاهتمام بالدور الحاسم للقطاع الخاص فى تحقيق أهداف المنظمة، وطبيعتها كمنصة للحوار بين ممثلى الحكومات والجهات المعنية بالصناعة، بما فى ذلك الكيانات التابعة للدول والسلطات التنظيمية ومؤسسات الغاز الاستثمارية والكيانات الصناعية والمؤسسات المالية الدولية، والتى ستساهم فى فعاليات المنظمة.

الغاز الفلسطينى

استغلال الفلسطينيين لثرواتهم الطبيعية إحدى ثمار عمل المنظمة، التى جمعت ممثل السلطة الفلسطينية ووزير الطاقة الإسرائيلى على مائدة حوار واحدة، وما قد لا يعرفه البعض، أن أول حقلين تم اكتشافهما شرق المتوسط كانا حقلى غزة مارين عام 2000، على بعد 30 كيلومترًا من شواطئ غزة وعمق 600 متر تحت سطح البحر، باحتياطى يقدر بـ1.4 تريليون قدم3، تغطى استهلاك القطاع والضفة الغربية لمدة 15 عامًا، وتقضى على أزمة الطاقة فيهما، لكن إسرائيل لم تسمح باستغلالهما.. الجانبان اتفقا على التعاون فى تنمية الحقلين خلال العام الجارى 2020، وتحويل محطة إنتاج كهرباء غزة لتعمل بالغاز الطبيعى بدلًا من السولار.. بداية للتعاون، وتناسى الخصومات، وتغليب المصالح الاقتصادية.

تكذيب الادعاءات الإسرائيلية

اجتماع المنظمة تزامن مع اللغط الذى أثير بمناسبة بدء ضخ الغاز الإسرائيلى لمصر، بموجب اتفاق فبراير 2018، وادعاء بعض المسئولين الإسرائيليين بأنه للاستخدام فى السوق المحلية.. رغم أن مصر حققت الاكتفاء الذاتى منذ سبتمبر 2018، وتقوم بتصدير فائض إنتاجها للخارج، هذا الخطأ صححه يوفال شتاينتز وزير الطاقة الإسرائيلى خلال المؤتمر الصحفى مؤكدًا أن «الغاز الإسرائيلى سيعاد تصديره إلى أوروبا عبر محطة إدكو لإسالة الغاز، مما يدعم تنفيذ مصر لخطة التحول إلى مركز إقليمى للطاقة».. و«شهد شاهد من أهلها»، فالوزير يدرك أن إسرائيل تمتلك حقول غاز منتجة منذ 2009، لكنها لم تستخرج منها قدمًا مكعبًا واحدًا، لافتقادها للبنية التحتية اللازمة للنقل أو الإسالة، سواء للاستهلاك المحلى أو للتصدير، ما يؤكد أن هذه الصفقة بقدر أهميتها لمصر من حيث تأكيد وضعها كمركز إقليمى للطاقة، وما تحققه من مقابل اقتصادى عن مرور الغاز وإسالته وإعادة تصديره، فهى أكثر أهمية لإسرائيل، لأنها أصبحت قادرة على الإنتاج والتصدير من خلال مصر لأوروبا، وجارى التفاوض مع الهند.. المردود السياسى لذلك بالغ الأهمية لمصر.

التهديدات التركية

اجتماعات المنظمة سبقها دفع أردوغان سفينة الاستكشاف السيزمى «أوروك ريس» لشرق المتوسط، وإصدار تراخيص الحفر فى الشريط البحرى الممتد بين تركيا والساحل الليبى، بموجب الاتفاقية البحرية غير القانونية التى وقعها مع السراج نوفمبر 2019، والتى تقتطع مساحات ضخمة من مياه المنطقة الاقتصادية الحرة لقبرص واليونان، وتستند إليها تركيا فى منع عمليات التنقيب أو الحفر أو مد خط أنابيب «إيست ميد» من مناطق الإنتاج إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، دون موافقتها.. الزوارق الحربية التركية طردت سفينة الأبحاث الإسرائيلية «بات جاليم» من المياه الاقتصادية القبرصية، وعليها طاقم إسرائيلى قبرصى مشترك أول ديسمبر 2019.. الطائرات الحربية الإسرائيلية ردت بطلعات استطلاع فوق المنطقة التى تقوم فيها تركيا بعمليات تنقيب، أعقبتها مناورات جوية فوق سفينة تنقيب تركية بالمنطقة الاقتصادية الحرة لقبرص 15 ديسمبر، ونتنياهو أعلن استنكار مذكرة التفاهم «غير القانونية» المبرمة بين تركيا والسراج لترسيم مناطق التبعية البحرية، ووقع مع قبرص واليونان الاتفاق التنفيذى لمد خط «إيست ميد».. الدول الثلاث رفعت راية التحدى.

ادعاءات «إيست ميد»

بمجرد توقيع الاتفاق بدأت حملة تشكيك أخرى ضد مصر؛ مؤداها أن اتفاق «إيست ميد» بتجاهله للقاهرة، بدد حلمها فى التحول إلى مركز إقليمى للغاز، لأنه يصدر الغاز لأوروبا مباشرة دون حاجة لنقله وإسالته بمصر.. والحقيقة أنه لا يوجد أى تعارض فى المصالح والسياسات التسويقية بين مصر ودول الاتفاق، بل إن مصر تلقت عرضًا  للانضمام إليه، لكنها فضلت ترك الباب مفتوحًا، لأن بنيتها التحتية تكفى لتلبية احتياجاتها الراهنة من التصدير، والانضمام ليس فى صالح تنمية وتعظيم الاستفادة من هذه البنية.. ولا شك أن ضخامة الكميات المتوقع إنتاجها من غاز المنطقة تفرض تعدد الوسائل الخاصة بنقله وتصديره، فالإنتاج المتوقع قد يصل إلى 160 مليار متر3/عام.. بعد استيفاء حاجة أعضاء المنظمة الاستهلاكية وتصدير الطاقة الإنتاجية القصوى لمعملى الإسالة فى إدكو ودمياط 21.5 مليار متر3/عام، وعبر خط «إيست ميد» 12 مليار متر3/عام، فسوف يتبقى قرابة 32 مليار متر3/عام ينبغى توفير وسيلة نقل لتصديرها، إما بمضاعفة طاقة الخط، أو توسعة معامل الإسالة، الأمر الذى يعنى أن الخط وسيلة نقل إضافية لا تنافسية، وأن مصر تحتفظ لنفسها بحرية الانضمام له مستقبلًا، استجابة لتفضيل الدول المستهلكة للغاز الطبيعى، شريطة ألا تزيد تكلفته عن نظيره المسال، وهو ما سيتضح عند التطبيق.

والحقيقة أن الخط يواجه تحديات عديدة: أولها: عدم توقيع إيطاليا على الاتفاق التنفيذى، وعدم إعلان موافقتها على إنشائه رغم أنه يمر عبر أراضيها فى طريقه إلى القارة الأوروبية.. ثانيها: إمكانية التغلب على الإشكاليات الفنية المتعلقة بتنفيذ خط طوله 1900 كيلومتر، على أعماق تتجاوز 3000 متر تحت سطح البحر، وهى مواصفات غير مسبوقة فى التنفيذ ولا فى أعمال الصيانة على مستوى العالم.. ثالثها: أن «إسرائيل، قبرص، واليونان» لا تزال تبحث جدوى المشروع ومصادر تمويله، حيث تسعى هذه الدول للتوصل إلى قرار نهائى بشأن تفاصيل الاستثمار الخاصة به فى 2022 وإتمام الخط بحلول 2025.. رابعها: التحدى التركى لمسار الخط إن لم يعق تنفيذه فسوف يرفع من المخاطر المرتبطة به، وبالتالى مصاريف التأمين، مما سيتم تحميله على التكلفة والسعر، وتشير بعض التقديرات إلى أن تكلفة نقل المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعى عن طريق الخط ستتراوح بين 2.5 و3 دولار، وهى تكلفة مرتفعة للغاية قد تقضى على قدرته التنافسية.

استشراف للمستقبل

مصر تمتلك أهم بنية أساسية فى المنطقة، سواء معملى الإسالة فى دمياط وإدكو، أو شبكة النقل الواسعة «الخط العربى الذى يمد الأردن باحتياجاته من الغاز المصرى، انطلاقًا من العريش إلى العقبة، ومنها شمالًا حتى مدينة الرحاب قرب الحدود السورية.. خط أشكلون العريش الذى يتم عن طريقه ضخ الغاز الإسرائيلى لمعامل الإسالة فى مصر، وكان من قبل يضخ الغاز المصرى إلى إسرائيل.. والخط الثالث لنقل غاز حقل «أفروديت» القبرصى إلى معمل إدكو للإسالة بمصر، والذى تم توقيع الاتفاق الخاص به فى سبتمبر 2018، بتكلفة تقديرية 1.3 مليار دولار، وطاقة إجمالية 700 مليون قدم3 سنويًا، ويتضمن الاتفاق عمليات الإسالة والتصدير للاتحاد الأوروبى».

تحول المنتدى إلى منظمة دولية يعزز وضع مصر كمركز إقليمى للغاز، ما يتوقع معه زيادة حدة وضراوة المواجهة مع تركيا، التى لا تمتلك احتياطات مماثلة، ولكنها تعتبر نقطة عبور للغاز الروسى إلى أوروبا.. إدارة الدولة الذكية لثرواتها تفرض مواجهة التحديات، دون اندفاع، ولا تفريط.. حتى تفرض القوة الاقتصادية المحمية بدرع عسكرية متينة.. مصر ستكون واحدة من أقوى 20 اقتصادًا على مستوى العالم خلال سنوات قليلة، فلديها على الأقل 400 تريليون قدم3 قابلة للاستخراج العاجل، منها 200 فى البحر المتوسط، و200 فى البحر الأحمر.. مربع شروق وحده، الذى تعمل عليه شركة إينى لديه احتياطات تقدر بـ150 تريليون قدم3، اكتشفت منه حقل ظهر، باحتياطى يقدر بـ30 تريليون قدم3، وحقل نور باحتياطى 60 إلى 90 تريليون قدم3، وهى كميات بالغة الضخامة.. الدولة تتأهل بكشوفاتها الواعدة، وتقوى بدرعها العسكرى، بقى أن يتسلح المواطن بالوعى.