الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إيزابيل الليندى  والحب فى زمن الحرب والتشرد

نعم جاءت الروائية الشهيرة إلى واشنطن أيضًا، إذ صدرت لها رواية جديدة ومعها بدأت جولتها فى مدن أمريكية عديدة لتتحدث عن روايتها وتجربتها ورحلة عمرها مع المعاناة التى لا تفارقها والعشق الذى تتمسك به فى تفاصيل حياتها وأيضًا لكى تتكلم عن الكتابة التى لا تتوقف عن ممارستها مهما كانت الظروف التى تحيط بها، إنها الروائية التشيلية الأصل والأمريكية الجنسية والإقامة إيزابيل الليندى والرواية عنوانها A long Petal of the Sea (بتلة البحر الكبيرة).



صاحبة أكثر من 20 كتابًا تحكى فى هذه الرواية عن السفينة وينيبيج التى قامت بنقل آلاف من اللاجئين الأسبان إلى تشيلى. مأساة إنسانية  تتوالد فيها مواقف إنسانية تلفت الانتباه وقصة حب تقاوم قسوة الأيام لتظل حية ونابضة، لقد كانت عملية إغاثة إنسانية متميزة بادر بها وتابع تنفيذها الشاعر والدبلوماسى المعروف بابلو نيرودا .. وهو الذى قال يومًا ما عما فعله: قد يقوم النقاد بمحو كل أشعارى..إذا أرادوا ذلك إلا أن هذه القصيدة (يقصد هذه العملية) التى أتذكرها اليوم فإن لا أحد يستطيع محوها أبدًا!.

ولاشك أن إيزابيل الليندى (77 سنة) تتمتع بشهرة كبيرة وإعجاب عظيم لدى قراء العربية، فكتبها الشهيرة ترجمت إلى العربية والفضل فى ذلك كان للمترجم العظيم صالح علمانى، فمن من القراء والقارئات لا يذكر روايات بيت الأرواح وابنة الحظ وصور عتيقة.. وبالطبع باولا.. تلك السيرة الذاتية التى روتها إيزابيل الليندى وهى تحكى وتتذكر فقدان ابنتها باولا وكيف أن الموت خطفها وهى فى التاسعة والعشرين من عمرها.

خيوط الرواية الجديدة التى تدور أحداثها فى عام 1939 أثناء الحرب الأهلية الإسبانية بدأت تتجمع عندما عرفت إيزابيل الليندى أن زوج والدتها كان واحدًا من اثنين موظفين حكوميين فى تشيلى، كانا فى استقبال ألفين ومائتين لاجئ أسبانى فروا من بطش حكم فرانكو على ظهر سفينة وينيبج إلى تشيلى. وكما قالت فى حوار لها مع مجلة تايم الأمريكية.. عندما تكون عضوًا فى عائلة مثل عائلتى فأنت لست فى حاجة إلى اختراع حواديت. بالمناسبة والد الروائية الشهيرة هو من أولاد عم الرئيس التشيلى السابق سلفادور الليندى الذى تم الإطاحة به عام 1973.. ولأننا نعيش فى زمن النزوح والتشرد واللجوء إلى مكان آمن.. زمن اللاجئين بالملايين فإن الرواية بمضمونها تلمس الوتر الحساس للقضية المثارة بحدة فى الولايات المتحدة فى السنوات الأخيرة. وخاصة فى عهد الرئيس الأمريكى رقم 45 «دونالد ترامب» ومن ثم فإن قبول الآخر وخاصة من هو فى محنة ومعاناة يعد حديث الساعة وسط أجواء سياسية وإعلامية تشهد مواجهات شرسة وتغريدات ترامبية تتعامل بعنصرية وتعصب وتطرف بكل ما له صلة باللاجئين والمهاجرين والآخرين.

إيزابيل الليندى التى حصلت على وسام الرئاسة للحرية فى عهد أوباما الرئيس الأمريكى السابق تاريخها الأدبى يحمل ـ كما يذكر ـ أكثر من 75 مليون نسخة من كتبها العديدة، وهى ترى أن المرء منا يكتب لكى يستعيد ما فقده، وأنها بهذه الرواية تحاول أن تستعيد الذاكرة، ذاكرة الأشياء التى حدثت بالأمس ويتكرر حدوثها بنفس الشكل اليوم أيضًا، وكما جرت العادة فإنها تمزج دائمًا السياسة بالحب، وهذا كان اختيارها ومضمون كتاباتها منذ أن بدأت نشر إبداعها فى بداية الثمانينيات.

وقد ذكرت فى حديث لها مع صحيفة نيويورك تايمز أنها كانت فى الـ١٤ من عمرها وكانت مع أسرتها فى بيروت عندما اكتشفت سحر  الحكى والحكايات من خلال كتاب ألف ليلة وليلة وما فيها من عشق وهيام وعالم خيالى عاشته وعايشته وسرحت به وهى تقرأ حكايات شهرزاد.

إيزابيل الليندى تُدرك قيمة الحكى وتعرف أسرار الحكى وتتقن أساليبه.. وهذا بالتأكيد يفسر سر ارتباط القراء والقارئات بالعديد من اللغات بها وبما تكتبه.. الحب لغة عالمية والحكى متعة بشرية .. سواء كنت تحكى حكاية أو تسمع حكاية!.

لقطات واشنطنية

وما واشنطن إلا مسرح كبير هذه الأيام. فمحاكمة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مجلس الشيوخ مهما اختلفت الآراء بشأنها أو جدواها أو تبعاتها فإن المحاكمة السياسية التى يتابعها الشعب الأمريكى بشكل أو بآخر سوف يلعب دورًا فى تشكيل مزاج المواطن الأمريكى  اهتمامه أو إهماله لما يحدث فى عاصمة القرار.

حدث تاريخى هو الثالث من نوعه فى تاريخ الولايات المتحدة إلا أن حدوثه فى القرن الحادى والعشرين وفى ولاية ترامب وفى زمن السوشيال ميديا والاستقطاب السياسى يعطى للحدث والحديث أبعادًا مختلفة ومتعددة وصاخبة ومشوشة، وبالتالى المشهد الواشنطنى بتفاصيله يثير العجب والاستعجاب والصدمة والقلق.. ولا شك أن المتابعة الصحفية الأمريكية لهذا الحدث التاريخى جديرة بالقراءة والتحليل.. إذ لا يكفى أن تنقل ما يحدث كما حدث بل أن تقوم بتقييم ما قيل وما يقال.. من حقائق ومن أكاذيب.. وأن تقدم المشهد الواشنطنى البيت الأبيض والكونجرس والشارع الأمريكى والمشاركين فى المحاكمة السياسية الدستورية التى تتم فى العاصمة الأمريكية، وذلك وسط مظاهرات ومسيرات لقضايا عديدة يستغلها هذا الطرف أو ذاك من أجل التمسك بترامب رئيسًا أو سعيًا للتخلص منه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة فى نوفمبر 2020.. محاكمة ترامب تتم ـ كما هو معروف ـ على أساس تهمتين تم توجيههما إليه ـ التهمة الأولى: إساءة استخدام السلطة، والتهمة الثانية: عرقلة سعى الكونجرس أو عدم التعاون معه فى معرفة ما حدث.. ولمن يتابع المشهد الواشنطنى فإن القضية أعقد بكثير من السؤال عن مصير ترامب أو هل سيتم عزله؟ القضية تحدد مسار ومصير العملية الديمقراطية أو - كما يقال فى واشنطن- التجربة الديمقراطية التى حققها الأمريكيون على مدى تاريخ أمريكا، ومن ضمن الأمور المطروحة .. كيف ستؤثر هذه المصادمات السياسية المثارة حاليًا على قواعد وأساليب التجربة الأمريكية فى السنوات المقبلة؟ وكم من الجهود والسنين سيحتاجها الأمريكيون لترميم وإصلاح ما تم هدمه من آليات المكاشفة والمحاسبة فى السنوات الأخيرة؟ وهل ما يقوله فريق الدفاع عن ترامب من أن الديمقراطيين بهذه المحاكمة يريدون اختطاف حق الأمريكى فى اختيار رئيسه حقيقة أم قول حق يراد به باطل؟!.

وسط هذا المشهد الصاخب أعلن الرئيس ترامب وبجواره رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ما سمى إعلاميا بصفقة القرن، وقد ذكرت تفاصيل عديدة، أغلبها تثير التساؤلات عما هو قانونى وتاريخى فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وبالتأكيد سنتابع أصداء وتبعات وتوابع ما تم الإعلان عنه وما سيكشف عنه من تفاصيل، مشهد أمريكى إسرائيلى عالمى يحاول أن يخطف الأضواء ولو قليلا من محاكمة ترامب فى مجلس الشيوخ.. المسرحية الواشنطنية بمشاهدها العديدة مستمرة.. والستار لم ينزل بعد، وبالطبع لا أحد يعرف متى وكيف ستنتهى المسرحية الدرامية بممثليها الكبار والصغار من كافة أنحاء العالم، والجمهور الأمريكى والعالمى يتابع باهتمام وقلق الأحداث والأقوال والمشاهد المتتابعة.. لحين إشعار آخر.