الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نفسي الدنيا تسمع صوتنا!

هاجرت «هايدى سعد» إلى أمريكا منذ ما يقرب من 34 سنة!  لم تمارس يومًا أى دور إعلامى من قبل الهجرة، كما لم  يكن لها علاقة بالأضواء فى الوطن، ثم قادها الإحساس بالغيرة على المصريين والرغبة فى التواصل معهم إلى التفكير فى تأسيس قناة فضائية تكون همزة وصل بين الأهل فى مصر والمهاجرين بأمريكا! تنقل لنا قصص الكفاح والنجاح لمن صمدوا ونجحوا فى المهجر، وتنقل للمهاجرين قصصًا وعِبَرًا من حياة أهلهم فى الوطن. فأسّست قناةC Sat  أو Coptic Sat .. وكان ذلك منذ نحو 10 سنوات، وبالتحديد فى تاريخ 11/11/2011 م.



سر التحول

تقول أنها لم تكن تحلم بالهجرة يومًا، ولكنها استجابت لدعوة زوجها الذى حصل على (الجرين كارد)، فسافرتْ إليه! لم تعرف ماذا ستعمل وهى خريجة كلية التربية الرياضية بفليمنج إسكندرية،  فقررتْ العمل بموهبتها فى الخياطة، التى تحبها وتمارسها بكفاءة جعلتها  تصمم وتنفِّذ فستان زفافها وكل ملابس جهازها! كما فكّرَتْ - بعد دراسة للواقع حولها- أن تعمل فى مجال الـ Alteration ، أى تصليح الملابس، كوظيفة نادرة ومربحة لحد ما.. فعملت فى محلات روبينسون الشهيرة، ثم محلات بافانز، ثم قضت 13 سنة كاملة فى محلات نورد ستروم المتميزة، ثم كريستيان ديور! بينما قادها طموحها ورغبتها فى التفوق لدراسة سوق العقارات Real State.. فحصلت على رخصة البيع والشراء، فى الوقت نفسه الذى صارت فيه خبيرة تصليح ملابس فى محلات سان چون للتريكو. وقد أنجبت «أندرو وميريام»، ولم تهمل - رُغْمَ انشغالها- رعايتهما والاهتمام بالدراسة، والأنشطة المَدرسية، والجمباز، والباليه، والسباحة والكرة ... حتى تخرَّجا فى الجامعة.

سألتُها عن سِرِّ تحوُّل اهتمامها من مجال العقارات والتفصيل إلى الإعلام؟ فقالت: لم يكن الإعلام هدفًا فى حد ذاته، بل كنت كأى مصرية غيورة على وطنها فى الغربة أتفاعل مع أى أحداث تحدث فى مصر أو ضدها!  ثم تصادَف وقوع حادثة مدبرة من بعض المتطرفين ضد بعض الرهبان فى بدايات التسعينيات، حتى بلغ الأمْرُ منْع وصول إمدادات الطعام والشراب إليهم وجرجرتهم خارج الدير.. فاستفزنى الموقف، وشعرتُ بحرقة دم، فانضممت لبعض المظاهرات المنددة فى كاليفورنيا لهذا الحادث الغريب على المصريين، فتعرفتُ على «شوقى كراس» و»عدلى أبادير» مؤسّس منظمة (الأقباط متحدون) فى سويسرا، وكان يحب مصر حبًّا عظيمًا ما جعله يحذر من الخطر المُقبل عليها بسبب محاولات البعض لربط مصر بالأفكار المتطرفة التى تقضى على السلام الاجتماعى بين المسيحيين والمسلمين.

الهوية الفرعونية المصرية

هل أفهم من ذلك أن وجود المسيحيين فى المهجر هو الذى يشجعهم على التظاهر والصوت العالى؟ قالت وهى تقرأ ما بين سؤالى: ليس الأمرُ استقواءً بأمريكا ولا بأى بلد، بل هى طبيعتى الشخصية، فأنا لا أدافع عن نفسى ولكنى أرفض الظلم ولا أستطيع الصبر عليه إذا وقع على أى أحد، سواء كان مسيحيّا أو مسلمًا أو أى دين كان!. مستطردة: «فالقناة مع الدولة، لا تدافع عن الأقباط فقط، بل تدافع عن المصريين المظلومين! والدليل أن السفارة المصرية تتابعنا وتقف معنا على خط واحد، وكثيرًا ما كانت السفيرة «لمياء مخيمر» تخصنا بطلب التصوير والتغطية الإعلامية لبعض الأحداث التى تنظمها القنصلية أو تشارك فيها»! ثم تستطرد: «اخترتُ اسم القناة (كوپتيك سات) عشان أستعيد الهوية القبطية الفرعونية المصرية للمصريين؛ لأن المسلم قبطى والمسيحى قبطى، ده حتى المصرى اليهودى الديانة قبطى»، فجزء كبير من رسالة القناة أن تُذَكّرَ المصريين بمصر زمان، وعلاقات زمان حينما كنا جميعًا أصدقاءً حقيقيين»..

ولايزال الكلام لهايدى: «أنا كل أصحابى مسلمون ليومنا هذا..  كما أننى بشكل شخصى لم أتعرّض لأى موقف يجعلنى أدافع عن نفسى بأثر رجعى.. وبالمناسبة، لم أكن أترك موقفًا ظالمًا يَمُرُّ على أحد حولى دون مواجهته، كل الفَرْق أن آلية المواجهة اختلفت فى كاليفورينا، وفى سنة 2011م عمّا قبل؛ حيث صار الإعلام هو الحل.. لسهولة وصوله للناس! وأعتقد أننى لو كنت فى مصر.. كنت سأنشئ قناة يوتيوب خاصة بى لأعبر من خلالها عن رغبتى فى عودة مصر الجميلة.

وعن مسيرة القناة وكيف بدأت تثبت وجودها؟، قالت هايدى: فى البداية، كنت أبحث عن أى قناة تتحدث اللغة العربية، فوجدت قناة 18 الأمريكية تبث إعلانات الأفراح وأخبار المصريين والعرب فى ساعة واحد أسبوعيّا، برعاية وحيد بقطر. بَعدها، تعرفت على شخص من قناة الحقيقة، الذى عرّفنى على بعض المصريين والأب مرقس عزيز.. الذين قرّروا فتح نافذة إعلامية جديدة باسم قناة الرجاء، وعرضوا علىّ الانضمام إليهم ووافقت. وبالفعل عملت لمدة 6 شهور فى القناة ثم تركتها.. وقمت بافتتاح قناة كوپتيك.

سألتها: تركتها.. أم ْاضطررتِ  للانسحاب بسبب بعض المشاكل؟.. التى أريد سماعها منكِ!

حقى وكرامتى

طلبتْ منّى إيقاف التسجيل، وأكدتْ لى أنها لن تتعرض لتلك المسالة؛ لأنها لا تحب الحديث فى ظهر الناس، ولا الكلام فى الماضى؛ خصوصًا أن المشاكل التى تعرضت لها كانت دافعًا لقيامها بإنشاء قناة كوپتيك! قلتُ لها: أعفيكِ من الحديث عن تلك المشكلة، ولكنى سأنقل ما سمعته عنها؛ حيث كان مَقر قناة الرجاء يعج بالحب والمودة حتى دب الطمع فى قلبى شخصَيْن من الفريق، فانقسم الجميع وبدأ الموقف بالتخلى عن أبونا مرقس، وقام الشخصان بالاستحواز على أجهزة القناة والأموال التى ساهمتِ فيها، ثم خدعا جميع أعضاء مجلس الإدارة وفتحا حسابًا ثانيًا لإيداع التبرعات عليه غير حساب القناة.. وفى النهاية تراكمت ديون الإيجار لمدة 6 شهور وكان مطلوبًا من عضو مجلس الإدارة المتبقى من المجموعة أن يسدده، ويعيد المكان للمالكة كما كان مجرد مخزن ليمكنها تأجيره ثانية!.

  وكنتِ تستعدين لتجديد عقدكِ مع المكان الذى فتحتِ به قناة كوپتيك، ولكنك سمعتِ نصيحة عضو المجلس وقمتِ بتأجيره بأقسامه وأجهزة التكييف وبعض تركيباته التى كانت لاتزال موجودة لقناة الرجاء .. وهكذا عادت أموالك التى تبرعتِ بها إليك ثانية!

كانت «هايدى» تنصت باهتمام، ثم قالت: الحمدلله.. نصفنى وأعاد لى فلوسى!.

ذكرت «هايدى» أنها تعرضت للضغط العصبى الشديد كامرأة كانت تنحت فى الصخر بمفردها، وقد اكتشفت أن المصريين الذين حولها لا يصلحون للعمل الجماعى، ولا يجيدون سوى التضارب وعدم القدرة على اتخاذ قرار موحد! فبدأت تعمل بمفردها مع زوجها المحاسب «ميلاد سعد».. هو يتدخل ماليًّا، مع إبداء الرأى الفنى إن طلبته، مع تعاون فريق عمل استطاعت الاسترشاد برأيه.  وتعاون معها الدكتور  «ڤيكتور خليل» المتخصص فى غرف التحكم، وهو الذى شجعها على تأسيس القناة رُغم ندرة الماليات! فعملنا استوديو وأخدنا قرضًا وركّبنا الكاميرات واشترينا التجهيزات- تقول هايدى-  كأجهزة الهوا... مع الكثير من الإعدادات من شهر فبراير حتى طلعنا هواء يوم 11نوفمبر 2011م. وحول التكلفة التى تكبّدتها لإنشاء القناة، قالت: كان البث فى البداية غاليًا جدّا عبر الستالايت، فقمتُ بإلغائه والعمل على أجهزة IP Box  والروكو، والماچيك بوكس الانترنت.. لتقديم البث المباشر life Stream والفيسبوك واليوتيوب على النايل سات من أغسطس 2019! وهكذا أقوم بنقل الكثير من الأحداث أولًا بأول من مصر لأمريكا والعكس صحيح.

التبرعات واستمرار القناة

عرفتُ أنها تعتمد فى استمرار قناتها على تبرعات الجمهور، مثل بقية القنوات الفضائية المصرية والعربية التى بلغ عددها عَشرة تقريبًا.. والتى تبث من كاليفورنيا، منها الحرية، والحقيقة، والكرمة، والحياة، والآرامية، وغيرها.. فسألتُها إذا كان حجم التبرعات كبيرًا لدرجة الصرف على قناة تبث ليل نهار؟.. فقالت: أنا  لستُ ماهرة فى جلب التمويل Fundraising ودائمًا ما أكرّر السؤال نفسه: «من فين هاعمل دخل لمصاريف القناة الجبارة؟».. وكل شهر يسألنى ميلاد زوجى: معاكِ فلوس الإيجار؟ وفلوس الكهرباء؟ ورواتب الشباب؟ و...و....؟ فأصْمتُ، ويستمر هو فى قلقه  قائلًا: خايف تكونى كمن يلوى ذراع الإرادة الإلهية!  فينصحنى أن أخصص دخلى من العقارات على القناة، فأصمت وأقول له: لو ربناعاوز يقفل القناة لازم يظهر لى هذا، لكن أنا لن أمشى غير لمّا يرزع الباب فى وجهى»!.. والمفاجأة أن كل شهر يتدبّر المال بطريقة إعجازية، فأقول ربنا أعطانا فرصة شهرًا آخر..

القناة غير هادفة للربح، تابعة لمؤسّسة غير قابلة للربح- تستطرد «هايدى»- ولكنى لا أقبض من القناة، ولا تطلع مرتبات إلّا للموظفين فقط. ودائمًا ما أدعو المتبرعين للكشف بأنفسهم عن حسابات القناة باعتبارها حسابات عامة! ورُغم هذا أحاول عمل أنشطة رحلات وإعلانات كنوع من جلب الدخل، بالإضافة لتخصيص دخلى من العقارات فى الصرف على القناة كلما وجدتُ وقتًا للعمل فى العقارات!.. متعجبة أسألها: ولكن المفترض أنكِ تكسبين من القناة، لا تصرفين عليها!، فأجابت: لو كنت أرغب فى الكسب والتجارة لعملت قناة منوعات مثل قناة التيت .. لأجمع فلوس! لكنى أعتقد أننى فى الطريق الصحيح بشهادة جمهورنا فى مصر وأمريكا الذين يتابعوننا ويراسلوننا.. لثقتهم أننا نعمل لصالحهم وصالح البلد .. فهذا هو الربح؛ لأننى هكذا أحقق هدف القناة.. وبالتالى تزداد التبرعات! ولكنى لا أكسب ولا أخسر بمفهوم التجارة.

برامج القناة

سألتها عن البرامج التى تقدمها القناة، فقالت:عندنا برنامج (صرخة وأمل) تقدمه «نادية يوسف» كل خميس.. وهدفه هو التركيز  على موضوعات الشارع فى مصر.

 

وبرنامج (حوار ورسالة) كل أحد تقديم «عادل چورچى».. نستضيف فيه شخصية معروفة كوزير أو برلمانى لمواجهته حول المشكلة التى نناقشها عبر سكايب والڤيديو كول.. وبالطبع توافق تلك الشخصيات على اللقاءات الهوائية هذه وتقبل عليها، لرغبة أصحابها فى الظهور بأحسن حال أمام الأمريكان، كما يقبل الناس العاديون عليها كصوت يعبر عنهم طالما المشكلة موجودة. عندنا أيضًا برنامج (صوت من لا صوت له)، يبث من هولندا ويقدمه «هانى حبيب».. كل ثلاثاء صباحًا وجمعة..كما أقدم برنامج (بينى وبينكم) مع «شيرين» مديرة القناة.. يذاع كل اثنين بعد الظهر - فجر الثلاثاء فى مصر، عبارة عن سؤال روحى، وعرض أعياد الميلاد، كما يتولى حالات أولاد الملك.. ممن أصابتهم بعض المشاكل التى تعوق عملهم ولا يريدون الشحاتة.. فنوفر له آلة أو أى وسيلة يعمل عليها.. مع المسيحيين والمسلمين، مثل آخر حالة أتذكرها- للحاج الذى ساعدناه على تجهيز ابنته.

كل ذلك- توضح «هايدى»- من خلال المتابعة التى يقوم بها بعض الخُدّام الذين يسعدونا  ويتابعون الحالات التى نتعامل معها. الطريف أن عندى صاحبة وأختها هما اللتان تبحثان عن المحتاجين؛ لتقديمهم إلينا  لمساعدتهم عبر القناة. بالإضافة لبرنامج عن المطبخ، وبرامج أطفال، وغيرهما من البرامج كعظات للبابا وترانيم أبونا موسى رشدى وأبونا إبراهيم عبده وغيرهم..  عدد فريق العمل نحو 15 فردًا، نعمل جميعًا كمتطوعين- كما تقول «هايدى»، وتستطرد- ماعدا «ميريام» ابنتى التى تحصل على نسبة مصروفات للمساعدة فى أوراق للجنسية وبعض المعاملات الداخلية.. بينما «أندرو» ابنى و«ميلاد» زوجى فيساعداننى تطوعيّا.

لم أتخيل وجود قناة محترفة تعمل بالتطوع، فعرفتُ منها أنها تفعل ذلك كمكسب فنى للقناة لضمان وجود فريق عمل، وكمكسب ترويجى وإعلامى للشخصيات التى لديها آراء محترمة ووطنية، ومقبولة فى المجتمع لتقديم آرائه وأصواتهم.  فأحيانًا ما يأتون ويتبرعون لنا ماديّا، وبالوقت الذى يقدمونه عبر القناة، فهذا فى حد ذاته تبرع. مع الالتزم بالقوانين والخطوط الحمراء التى تحفظ حيادية القناة والثقة بها.

تختتم «هايدى سعد» حوارَها قائلة: كل عمل ناجح يواجه صعوبات، ولكن من خلال تجربتى، أستطيع القول أنها صعوبات يمكن قبولها بل أتلذذ بحدوثها؛ لأنها ببساطة تظهر يد الله فى الأحداث.. وكيف يدبر الأمور لاستمرار القناة التى دائمًا ما أقول أنها قناته هو. ولكنى لاأزال أحلم أن صوتنا يظل هو صوت الحق والأمل لتحقيق معادلة السهل الممتنع؛ ليصل لأكبر جمهور ممكن فى مصر وأمريكا.. والحقيقة نفسى الدنيا كلها تسمع صوتنا.