الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من وسط البلد.. للمولات

أكثر ما يمتعنى فى الشتاء.. «الشوبنج»، هو بالنسبة لى مثل كوب الكاكاو الدافئ أو السحلب فى البرد،  حينما أدخل أحد المولات الكبيرة الواقعة فى أطراف العاصمة -رغم أن هذا الوصف أصبح ينطبق على الكثير من المولات فى القاهرة- تتسرب داخلى طاقة كبيرة تجعلنى أتجول فى كل محلات الملابس، فى الشتاء تكون المتعة أكبر حيث إن ملابس الشتاء كما يقول الجميع هو «أشيك وأقيم من اللبس الصيفى».



أصبحت المولات تضم فى مصر أكثر الماركات العالمية وبأسعار متراوحة حسب جودتها و«اسم البراند»، وأصبح من طقوس جولة الشوبنج المتينة، أن يجلس أكثر زوار المولات على الكافيهات ذات البراندات أيضًا، أو المطاعم التى تشبه سلسلة المطاعم فى المولات الأمريكية. هذا الشكل «العولمى» للشوبنج أصبح سائدًا عندنا فى مصر، ليس فقط فى المولات الكبيرة، لكن أيضًا فى المدن الصغيرة، أوفى المناطق الشعبية، مع فارق فقط براندات المحلات وحجم المول وأسماء المطاعم، المهم متعة طقوس الشوبنج. وإذا تأملت أكثر ستكتشف أن عولمة الشوبنج، لا تشمل هذا فقط، بل تشمل نظرية جديدة يمكن أن نطلق عليها «عولمة سلوك المستهلك»، فاليوم كافة الطبقات لا تشترى احتياجاتها من ملابس أو أدوات كهربائية أو حتى مفروشات للمنزل إلا فيما يسمى «بالسيل»، هذا المصطلح الأمريكى الذى اخترق كل الأسواق الاستهلاكية فى العالم، من فترة ليست بعيدة ولا تزيد على عشرين سنة كان المصريون يستخدمون كلمة «أوكازيون» والتى تعنى أيضًا «تخفيضات» بالفرنسية.    ولدا أخى «كرمة (13 سنة) وحسن (8 سنوات)» من جيل ملاهى وألعاب المول ووجبات مطاعم المولات «والسيل»، إذا سمعانى أقول كلمة أوكازيون يسألانى «يعنى أيه» أو «إنتى قديمة قوى»!!. ورغم فارق الثقافة بين جيلى وجيلهما أحرص على اصطحابهما إلى المحلات التقليدية والمطاعم العريقة المرتبطة بحى المعادى وغيره، فأصبح لديهما نفس الإعجاب والاشتياق للنموذج التقليدى أوالكلاسيكى للمطاعم، خاصة تلك المشهورة بتقديم وجبات فطور مميزة. خروجى مع كرمة وحسن يذكرنى بطفولتى الجميلة حينما كانت تصطحبنى والدتى فى الصباح الباكر «نتحرك من البيت 6 الصبح كى نستطيع ركن السيارة» مع جدتى وأحياناً نصطحب شقيقى الأصغر حسب مهمة الشوبنج اللى إحنا رايحين لها»، لا أنسى طقوس هذه الأيام فلها تسلسل محفور فى ذاكرتى وكأن أحداثه لم يمر عليها سوى أيام أو شهور قليلة،  أول شىء فى رحلة الشوبنج كان حوار السايس فى جراج قديم متفرع من الشوارع الرئيسية فى وسط البلد والمشى بجوار المقاهى القديمة وسط أغانى عبدالحليم حافظ فى الكاسيت أو الراديو ثم نصل إلى محل «لاباس» لنتناول القهوة أى الكابوتشينو والكرواسون فى الأطباق والفناجين البيضاء الميلامين، عمرى ما أنسى ماكينة القهوة الكبيرة وصوتها وسط الأفراد والعائلات الجالسة فى الصباح الباكر قبل الخروج للعمل أو الشوبنج مثلنا، هذه الكافيهات الشهير كانت مشهدًا متكررًا فى سينما السبعينيات وخاصة فى أفلام محمود يس أو نورالشريف. بعد الانتهاء من تناول الإفطار تبدأ رحلة الشوبنج والشقاء، دائمًا نبدأ ببند الجلود لكل أفراد الأسرة أى الأحذية، فكان هناك محلات معروفة بعينها فى شارع قصر النيل وارتبط اسم هذه المحلات بجيلين كاملين «جيل والدتى وجيلى.. جيل السبعينيات الذى حضر نهايات الزمن الجميل وبداية حركة العولمة الجديدة معًا» ثم نذهب لمحل مشهور يصنع البلوفارات الجميلة ذات الجودة العالية، ثم  إلى محل شهير يصنع «شباشب البيت» فى ممر الكونتينتال. ثم نذهب إلى محلات الأقطان والبيجامات وكانت والدتى دائمًا تقول «أحلى لينون فى الدنيا .. المصرى» ثم فى النهاية لا بد أن تتذكر والدتى بعض الأشياء الخاصة بالأطفال من محل شهير اسمه «بمبينو» أى طفل باللغة الإيطالية، وكانت صاحبة المحل أجنبية  تعيش فى مصر وتتحدث لغة عربية مكسرة شوية، المحل كان يضم ملابس الأطفال من فساتين وأطقم لشقيقى الذى يصغرنى بعامين، نختار مع والدتى ما نريده ودائمًا كانت صاحبة المحل تعطى هدية صغيرة لنا قبل المغادرة، والذى اليوم يوضع تحت بند التسويق بدلاً من بند الإنسانيات، وفى النهاية نعود إلى المنزل قبل ميعاد الغذاء، لكن لا مانع من شراء بعض الشيكولاتات الكورونا من أى كشك فى طريقنا أو بسكويت أيكا ومارى إلخ.  ولازلت أسأل أصدقائى دائمًا: هل الشوبنج فى زمن وسط البلد وجو الأوكازيون وكيس وماكينة الكابوتشينو القديمة أجمل أم زمن المول والسيل والكاشير؟ ودائمًا ما تختلف الإجابات مع كل جيل.