الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

المسرح العماني.. الأصالة والمعاصرة في قالب فني

تعود الحركة المسرحية فى سلطنة عُمان إلى عام 1940؛ حيث كانت المدارس السعيدية الثلاث بالسَّلطنة، فى كل من مسقط، ومطرح، وصلالة عندما كانت تقام احتفالات سنوية كبرى فى ساحة المدرسة، تقدّم من خلالها المسرحيات القصيرة والأهازيج، وكان أولياء أمور الطلبة يحضرون هذه المناسبة.. وتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن بعض تلك الاحتفالات حضرها السُّلطان سعيد بن تيمور آل سعيد، سلطان عمان فى ذلك الوقت، ما كان يعطى أهمية لهذا الحراك الفنى.



كانت الأعمال تستوحَى من الدروس التعليمية للمناهج، التى كانت تؤخَذ من بعض المناهج المصرية واللبنانية، لا سيما المَشاهد التاريخية والدينية منها؛ حيث تقدم باللغة العربية الفصحى، ورُغم قِلة الإمكانيات؛ فإن العروض كانت تقدم بشكل عفوى ومبسط، ولكن ساهمت فى وضع بذرة لتطوير المسرح بالسلطنة إلى أن أتى عام 1970 وهو العام الذى تولى فيه صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحُكم فى السلطنة، فأشهرت الأندية الرياضية، وكان لهذه الأندية الدور فيما بعد لنشر الحراك المسرحى، ولعل من أبرزها كان النادى الأهلى فى مسقط؛ حيث قدّم النادى مسرحية (مجلس العدل) لتوفيق الحكيم عام 1971 ومسرحية (سد الحنك) لسعد الدين وهبة عام 1973، ونظرًا لإقبال الجماهير لمشاهدة تلك العروض بدأت أندية أخرى فى تفعيل هذا الحراك، مثل نادى عُمان بمسقط ونادى ظفار والنصر بصلالة، وكانت العروض المسرحية تختلف من عرض إلى آخر ولم تكن هناك معالم محددة لهذه العروض بحيث كثير منها اعتمد على الارتجال وبعضها أخذت من الممثل الواحد بطلًا للعرض، كما كانت الفكاهة والكوميديا تتخلل معظم هذه العروض، ولو أن بعضها حاول توظيف التراث والحكايات الشعبية خلال تلك الفترة لاستقطاب الجماهير للمسرح. المُخرج الراحل محمد سعيد الشنفرى، وهو من أوئل خريجى المسرح عام 1973. بدأت الحركة المسرحية فى النضوج وتشكلت مسارح الشباب، التى تتبع الدولة؛ حيث تأسَّسَ مسرح الشباب بمسقط عام 1980، وكانت هذه الخطوة اللبنة الأولى فى تقديم عروض مسرحية مبنية على القواعد والأسُس المسرحية الصحيحة، وقدمت مسرحية (تاجر البندقية) فى أول عرض لمسرح الشباب، بينما نظمت الورش والدورات للممثلين والفنيين العاملين بالمسرح. فى عام 1985 تشكلت فرقة مسرح الشباب بظفار، وفى عام 1990 بدأت الفرق المسرحية التابعة للدولة فى مختلف المحافظات، ونظرًا لهذا الحراك والتطور المسرحى بالسلطنة جاءت الخطوة الأبرز عام 1990، التى تمثلت فى افتتاح قسم للدراسات المسرحية فى جامعة السلطان قابوس يتضمن أفرع التمثيل والإخراج والنقد والديكور، ما ساهم فى تخريج طلاب كان لهم الدور فيما بعد فى مسيرة المسرح بالسلطنة، كما تم ابتعاث عدد كبير من الطلبة العُمانيين لدراسة المسرح فى المعهد العالى للمسرح بالكويت، ومنذ منتصف التسعينيات بدأت الفرق المسرحية الأهلية فى الإشهار؛ حيث كانت فرقة الصحوة هى أول فرقة مسرحية عُمانية أشهرت بشكل رسمى، تلتها بسنوات فرقة صلالة وفنانون مجان والرستاق ومزون والدن ومسقط الحُر وغيرها من الفرق المشهرة، التى وصلت اليوم إلى أكثر من 40 فرقة مسرحية بالسلطنة. مهرجان المسرح العُمانى، الذى تم تنظيمه إيمانًا من وزارة التراث والثقافة لما يلعبه المسرح من دور توعى بالغ الأهمية، وذلك لما يمتلكه من أدوات وإمكانيات ترسخ حالة الوعى الثقافى للمجتمع، وبلورة الموروث الثقافى والفكرى والشعبى العُمانى بما فيه من أصالة وخصوصية فى قالب فنى تمتزج فيه الأصالة مع المعاصرة، وتهيئة جَوّ من التنافس الإبداعى بين المسرحيين يمكنهم من تطوير أدواتهم المسرحية، بما يخدم التنمية الثقافية الشاملة، ويسهم فى تعزيز الإنجازات المكتسبة، ولعل المُطلع على مسيرة التجربة العُمانية للمهرجانات المسرحية سوف يجد أن عمر هذه التجربة حديثة؛ حيث انطلق أول مهرجان مختص بالمسرح فقط عام 2004 لتقام الدورة كل عامين كان آخرها الدورة السابعة لمهرجان المسرح العُمانى، الذى أقيم فى ولاية صحار. كانت هناك تجارب سبقت تجربة مهرجان المسرح العُمانى؛ حيث أقيمت مسابقات مسرحية لمسرح الشباب لم تتجاوز الدورات الثلاث، ثم اختفت هذه التجربة لسنوات عديدة وأتت بعدها مهرجانات ثقافية كان للمسرح دور هامشى على أثرها، مثل مهرجان مسقط السياحى؛ حيث أقيمت مسابقة مسرحية للفرق الأهلية عام 2001 من خلال دورة أطلق عليها دورة جمعة الخصيبى، وهو فنان راحل حاول مجموعة من زملائه تكريمه من خلال هذا المهرجان. وجاء الأسبوع الثقافى العُمانى الأول عام 2002/ 2003 ليتضمن مسابقة مسرحية للفرق الأهلية، ولكن هناك تجارب مسرحية كانت تقام على مستوى الأندية فى الأواخر من السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، وهى عبارة عن مسابقات ثقافية كان المسرح أحد تلك جوانب المسابقة، وكذلك التجارب المَدرسية، وأيضًا الجامعية، ولكن كل هذه التجارب لم تحظَ بفرصة الظهور بشكل متميز، ولكن عندما أتت تجربة مهرجان جمعة الخصيبى وكذلك الأسبوع الثقافى العُمانى الأول وكان هناك نوع من الأضواء الإعلامية المركزة على هذه المسابقة المسرحية، لاحظ المسئولون بالدولة اهتمامًا جماهيريّا بتلك المسابقات المسرحية، ما استدعى إقامة أول مهرجان متخصص للمسرح عام 2004، وكان باكورة الانطلاق الحقيقى للفرق الأهلية المسرحية إلى عالم التألق والإبداع. لا يختلف اثنان بأن هذه المهرجانات ساعدت فى تطوير الحركة المسرحية بالسلطنة، بل أيضًا فى تطوير الفرق الأهلية التى وجدت مجالًا تقدم من خلاله إبداعاتهم فى وجود نخبة متميزة من النقاد والضيوف، ما أتاح لبعض الفرق إقامة مهرجانات مسرحية على المستوى العربى والدولى، أبرزها مهرجان الدن المسرحى العربى، مهرجان مزون لمسرح الطفل، مهرجان فرقة صلالة للبانتومايم، مهرجان الرستاق للمسرح الكوميدى، مهرجان بيت الزبير للمسرح الدائرى، مهرجان صلالة السياحى للمسرح الجماهيرى، مسابقة المسرح لوزارة الرياضة. استطاعت الفرق المسرحية بالسلطنة الانتشار خارج السلطنة، وحققت الكثير من الجوائز على المستوى الخليجى والعربى والدولى من خلال تجارب مسرحية مختلفة، كما أن النص المسرحى العُمانى استطاع أن يَعبر حدود السلطنة ليقدم بمختلف الدول العربية؛ حيث برزت أقلام مسرحية حققت الكثير من الجوائز فى مسابقات تأليف النص المسرحى.. كل هذا الحراك لم يأتِ من فراغ إنما من خلال هذا الحب والشغف بالفن المسرحى، بينما كان الجمهور هو المعادلة الحقيقية فى نجاح مسيرة المسرح بالسلطنة.. ولمحافظة ظفار خصوصية فى هذا الشأن لما يحققه المسرح الجماهيرى من نجاح من سنة لأخرى ليتجاوز عدد الحضور فى بعض العروض المسرحية خمسة آلاف متفرج، وهو رقم قياسى للجماهير العاشقة لهذا الفن، ويحسب للمسرحى العُمانى أنه استطاع أن يفرز مسرحًا خلاقًا وأفرادًا مبدعين واعدين ساهموا فى دفع الحركة المسرحية فى السلطنة وإظهارها على المستوى الإقليمى والدولى.