الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هاتوا ولادنا ولو «ميتين»

هاتوا ولادنا ولو «ميتين»
هاتوا ولادنا ولو «ميتين»


أصعب إحساس فى الدنيا أن تكون أباً وأماً وتمر عليك ليالٍ طويلة لا تعلم فيها شيئاً عن ابنك وتتساءل: «هل هو حى؟ هل هو ميت؟ هل هو مسجون؟» وللأسف فإن هذا الإحساس يعيش به العديد من الأسر منذ وقت الثورة الذين فقدوا أولادهم ولا يعرفون لهم طريقاً.. وعندما اقتربت من بعض هذه الأسر وجدت الشقاء بعينه ورحلة العذاب التى بدأت مع خروج أولادهم وعدم عودتهم منذ شهور فمهما كان سن الابن فالبحث لا ينقطع.. فدقات القلب تتسارع عند دخول المشارح والأصوات بالدعاء تتعالى عند دخول كل قسم والأفكار السوداء والمخاوف تزيد كل يوم عن سابقه، مما يجعلك تتمنى أن تكون سبباً فى أن يمسك هذا الأب المكلوم أو هذه الأم المنهارة بطرف الخيط للوصول لابنهم.
 

 
∎هنلاقيهم
 
مجموعة من الشباب خريجو جامعات مختلفة لم تكن بينهم سابق معرفة جمعهم حلم واحد على تويتر هو عودة كل مفقودلأهله وحملوا على عاتقهم تلك المسئولية، مسئولية توصيل صوت أهاليهم للناس للمساعدة فى البحث عنهم فأنشأوا صفحة على «فيس بوك» تحمل الأمل فى الوصول للهدف تحت اسم «هنلاقيهم».
 
شيماء ياسين أحد هؤلاء المتطوعين أصحاب صفحة هنلاقيهم تقول: «ملف المفقودين منذ أيام الثورة هو أحد أهم الملفات المنسية ونحن كشباب تعرفنا على تويتر عن طريق اهتمامنا بأخبار هؤلاء المفقودين، خاصة بعد علمنا بوجود عائدين تعرضوا للتعذيب وللسجن دون أى وجه حق ورغم الأعداد الكبيرة لهؤلاء المفقودين إلا أن هناك تجاهلاً غريباً وقد يكون متعمداً من الجهات المسئولة المتمثلة فى رئاسة الجمهورية التى حاولنا مراراً وتكراراً التواصل معها للتحقيق فى هذا الملف، ولم تكن النتيجة سوى لجان تقصى الحقائق ثبت فشلها وعجزها وكذلك وزارة الداخلية فاعتمدنا على أنفسنا وتواصلنا مع أسر المفقودين وتواصلنا مع الإعلام من جرائد وتليفزيونلتكون حلقة الوصل للبحث عنهم.. حكوا لنا عن مأساة أبنائهم بعد عودتهم وتعرضهم للتعذيب الوحشى والاكتئاب والعزلة بعد عودتهم من اختفائهم المريب، والأسوأ تلقى البعض تهديدات من جهات غير معلومة للتوقف عن البحث عن أولادهم ونزلنا على اليوتيوب حواراتنا مع هؤلاء الأهالى.
 

 
وعن عدد هؤلاء الشباب وطريقة عملهم تقول شيماء: «نحن 15 فرداً تقريباً نقسم بيننا العمل البعض يحاور أسر المفقودين والبعض مختص باليوتيوب والآخر للتواصل مع الإعلام ولنا تليفونان كتبناهما على صفحة «فيس بوك» للإبلاغ عن المفقودين وأنا واحدة من المختصين فى الرد على هذه البلاغات ورقم التليفونات هى:...
 

 
∎رحلة عذاب
 
بصوت مكسور يحكى أحمد الجوهرى قصة اختفاء ابنه عمرو 15 سنة من يوم 22 مارس 2013 وقت أحداث العنف فى المقطم عند مكتب الإرشاد، الوالد يعمل ماكيير سينمائى ويعمل أيضاً كمراسل لعدة جرائد إلكترونية ويحكى: «لم أكنمن الناشطين السياسيين أو المعتادين على الخروج فى المظاهرات ولكن يومها ذهبت لأغطى الأخبار فقط، أما ابنى عمرو فقد نزل تابعا «للاشتراكيين الثوريين» ولأن حال الشعب المصرى كله بعد الثورة الاهتمام بالسياسة وبالثقافة السياسية فقد انضم عمرو للاشتراكيين الثوريين بعد الثورة ويومها حدث نوع من الكر والفر والهياج المفاجئ وخرج علينا ناس بالسيوف والجنازير فجرينا ودخلت المسجد لثلاث دقائق وما أن خرجت لم أجد عمرو ومن يومها اختفى فجريت وعملت محضر فى القسم بالمقطم، ولكن دون جدوى سمعت أن هناك ناسا رحلوهم على الإسكندرية فذهبت هناك لم أجده ثم سمعت عن ناس فى أسوان والأقصر والمنيا فذهبت وبحثت ولم أجد ابنى وأثناء رحلتى تعرفت بالعديد من الأسر الأخرى التى «داخت السبع دوخات» ولم تجد أولادها أو وجدتهم ولكنهم مسجلون بأسماء أخرى أو مسجونون أو محجوزون أو اتخذوا «تحرى» لفيت على المشارح والمراكز التى تأوى أطفال الشوارع ودور المسنين وكذلك مراكز العلاج النفسى، ذكر لى البعض أثناء رحلتى فى البحث عن ابنى أنهم اكتشفوا أن هناك من يحجز فى هذه المراكز ليبعد عن الأنظار! والأسرة الآن فى حالة لا أستطيع وصفها فزوجتى أصيبت بحالة نفسية سيئة ودخلت المستشفى من وقت فقدها لابنها .
 
 

أما الحاجة هدى فبصوت باكى تحكى قصة ابنها أحمد شوقى فى السنة الرابعة بكلية السياحة والفنادق الذى نزل من بيته يوم 3/5/2012 ولم يعد منذ وقتها فتقول: «ترك محفظته وموبايله وكل أشيائه ونزل تحت العمارة فى شارع السودان عند مجمع المحاكم تأخر ولم يعد نزلنا وبحثنا عنه فى الشارع وفى كل مكان ويومها كانت هناك مظاهرات فى التحرير وقلق فى العباسية «وقلبى اكلنى» عليه فحاولت إيقاف المينى باص المتجه للعباسية فخرج منه ضابط وأخبرنى أنهم يلمون «العيال المشتبه فيهم ومن يومها وأنا دايخة بين أقسام البوليس والمستشفيات ومافيش فايدة ابنى له سنة غائب عن البيت ولا أعلم مكانه، ومنذ أسبوع اتصل بنا واحد يقول عن نفسه «فاعل خير» على تليفون ابنى وأخبرنا أنه قابل ابنى فى سجن العقرب وحذرنا من الإبلاغ عن ذلك فذهبت وسألت لكن «مافيش فايدة» هاتولى ابنى أنا قلبى محروق عليه لا أنا عارفة مسجون ولا ميت ولا عارفة أكل ولا أنام من يوم ما اختفى.
 
∎كعب داير
 
أما حاتم محمد عويس فوالده قد لف السبع لفات على حد قوله ليجدوه بعد خروجه يوم 23/2/2013 الساعة التاسعة مثل كل يوم لعمله فى إحدى شركات التليفونات المحمولة ولم يعد من يومها: «سألنا عليه فى الشركة فلم يروه سألنا عليه فى كل مكان عند أصحابه وأقاربه وعملت محضراً بعد غيابه بـ24 ساعة حولوه على النيابة وقالوا هندور عليه كعب داير فى المحافظات.. الحكومة توقفت عن البحث عنه وأمه الآن بتموت فى البيت والبيت كله خرب إخوته اكتأبوا وأنا ينطبق على «من راح ابنه راح عقله» أنا تعبت لفيت عليه الدنيا كلها والبلد كلها ولا حس أو خبر يجيبوه ميت وأنا أرتاح لأن هيكون حكم ربنا أن عمره انتهى لكن غيابه اللى مش مفهوم أصعب من موته ميت مرة».
 

 
∎المفقود والده
 
أما جرجس حسنى فالمفقود هو والده الذى خرج لعمله منذ يوم 10 / 2 / 2013 ليذهب لعمله كالعادة الساعة السابعة والنصف فى شارع الجمهورية وكان يومها ذكرى تنحى الرئيس والمفترض أن موعد عودته الساعة السادسة أو الثامنة على الأكثر ولكنه لم يعد للآن يقول جرجس: «أبى ليس له لا فى المظاهرات ولا فى أى حاجة ليس له أصحاب يذهب يومياً لعمله ويعود لبيته وطريقه واحد من إمبابة لرمسيس والعكس سألنا عنه فى المستشفى الهلال وصيدناوى والأزبكية فى منطقة عمله ولا أثر له دورنا فى كل مكان قد تكون له علاقة به ومافيش فايدة عملنا محضر فى محل إقامته قسم إمبابة وذهبنا قسم الأزبكية محل عمله ومشرحة زينهم نذهب يوم ويوملنسأل ودورنا فى مديرية أمن القاهرة.
 
أم أخرى مكلومة هى والدة محمد محمود سلامة الذى يبلغ الثانية والعشرين من عمره والذى خرج فى الجمعة التى دعا لها الإخوان المسلمون بسبب الفيلم المسىء للرسول بعد صلاة الجمعة ثم تراجعوا وقالوا لن نقف ولكن ابنى وغيره كانوا قد خرجوا من ميدان المطرية عندنا فى جامع نور المحمدى ثم طلعوا على جامع الفتح ثم السيدة زينب ثم ميدان التحرير، فى اليوم دا كنت متابعاه بالتليفون وقلت له ارجع وزير الداخلية جمال الدين قال «اللى هيتمسك مش هيعرف عن أهله حاجة» فرد على الميدان مقفول ياماما ومش لاقى مكان اطلع منه واتقطع الاتصال بعد ذلك من يوم الجمعة 14 / 9 / 2013 ولم يعد من يومها رحنا نيابة زينهم وعابدين مسكنا صورته ولفيت بيها على كل الناس واللى كان مقبوض عليهم وخرجوا فى التحرير فقال لى واحد كان مسجون فى طرة أن ابنى هناك سألت على نيابة وسط القاهرة وقدمت طلباً مع صورة بطاقتى ولم يجدوه لفيت على 43 سجناً هى سجون الجمهورية كلها وعلى كل المعسكرات ولم نجده، رحت مشرحة زينهم.
 
أنا قلبى اتحرق على ابنى وتعبت، وتكمل أم محمد سلامة: لقد قدمت للنائب العام بلاغا رقم 242 أتهم فيه رئيس الجمهورية شخصياً ووزير الداخلية بخطف ابنى حرام عليكوا قولولى فين ابنى حتى لو ميت.