الثلاثاء 18 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بين حر الصيف ونار الأسعار وجمود المرتبات

بين حر الصيف ونار الأسعار وجمود  المرتبات
بين حر الصيف ونار الأسعار وجمود المرتبات


الصيف هذا العام بدأ ساخنا للغاية و«مولع» على جميع المستويات ليس فقط على المستوى المناخى بما يحمله هذا الصيف لنا من ارتفاع غير مسبوق فى حرارة الجو وعواصف ترابية وانقطاع التيار الكهربى ولكن أيضا لأنه يشهد ساحة سياسية متأججة سواء على الصعيد المحلى أو الإقليمى أو العالمى.. فعلى المستوى المحلى يواجه الشعب  ارتفاعا فى الأسعار وجمودا فى المرتبات وضرائب على الدخل ومصاريف لا أول لها ولا آخر ومع قرب حلول شهر رمضان   وبدء الموسم الصيفى وما يتطلبه من تجهيزات نزلنا الشارع وسألنا المواطنين: «هاتصيف السنة دى؟!» وكانت تلك هى الإجابات.
 
 
 
سألت الأستاذ طه عبدالعال مدرس لغة عربية بإحدى المدارس الثانوية، وهو أيضا رب لأسرة تتكون من زوجة وثلاث فتيات فى المراحل التعليمية المختلفة من ابتدائى وإعدادى وثانوى سؤال فى غاية البساطة: «هاتصيف السنة دى؟!» فأجابنى بصوت تملأه المرارة: «منين؟!!»، إذا حضرتك أجبتنى على هذا السؤال أنا ها أرد على سؤالك!!. فوجدت نفسى أطلب منه أن يوضح لى ماذا يقصد.. فانطلق مسرعا وكأننى قد ضغطت على زر نافورة وانفتحت فى وجهى: «يعنى يا أستاذة لما أكون أنا موظف فى الحكومة وبعد عشرين سنة خدمة ومازلت اتقاضى راتبا لا يتجاوز الـ0051 جنيه وفى (رقبتى «4 ستات») ومطلوب منى أن أوفر لهم المأكل والمشرب وتعليم جيد بما يشمله من مجموعات تقوية «للبنتين بتوع الابتدائية والإعدادية» ودروس خصوصية لابنتى الأخرى التى فى الثانوية العامة.. وزى ما حضرتك عارفة إنه داخل علينا شهر رمضان «كل سنة وحضرتك طيبة».. هل تتوقعى أنى ممكن أفكر فى الصيف و المصيف والكلام ده؟!.. يا أستاذة الكلام ده بقى رفاهية اليومين دول!! عندما يتسنى لى أن أوفر قوت يومى ومصاريف تعليم بناتى وقتها سأفكر جيدا فى المصيف وتغيير الجو!
∎ ضرب من المحال
«هو أنا لاقى آكُل عشان أصيف»، هكذا نطق باسم توفيق (03 عاما) ويعمل مهندس كمبيوتر فى إحدى الشركات الخاصة واستطرد قائلا: «طبعا حضرتك هاتستغربى أنا بقول كده إزاى رغم أنى باشتغل فى شركة خاصة!!.. فهززت رأسى بالإيجاب وقلت له: اشرح لى أكثر.. فقال: «أنا فعلا يادوب بامشى حالى لأنى أنا مسئول عن والدتى وأختى الصغيرة بعد وفاة والدى.. فأصبحت أنا مسئولا عن توفير مصاريف علاج والدتى التى تعانى من القلب ومايتطلبه ذلك من متابعة دورية عند الطبيب من خلال الفحص وإجراء التحاليل والأشعات الضوئية إلخ وكما تعلمين أن ذلك يستنزف مصاريف طائلة، غير أن أختى الصغيرة فى كلية الطب وتحتاج دراستها إلى العديد من الكتب والمراجع التى تسحب جزءا لا يستهان به من المال.. فلذلك أصبح الذهاب إلى المصيف هو ضرب من المُحال نظرا للالتزامات الملقاة على عاتقى وواجبى تجاه أسرتى الصغيرة.. ولكن إذا وجدت فرصة سأحاول أن أخطف يومين مع أصدقائى آخر الأسبوع «لأن مصاريف السفر ستكون عليهم و لن أتكبد مبالغ كبيرة»!.
∎ قائمة الهموم:
«أنا مش فاهم المصريين مطلوب منهم إيه أكثر من كده.. عمالين يضغطوا علينا يضغطوا علينا لغاية لما هاننفجر تانى فى وشهم»، بكل هذا الغضب والضيق تحدث دكتور محمود عباس (53عاما) طبيب جلدية فى أحد المستشفيات الحكومية ومتزوج ولديه طفلة عمرها خمس سنوات.. وأضاف: ''لقد طفح الكيل بنا هناك لحظة فارقة وبعدها ستتحول الطاقة الكامنة داخل المصريين إلى نيران ستلتهم الأخضر واليابس.. الجو حر ومع ذلك الحكومة اتخذت قرارا بقطع التيار الكهربى يوميا ما لا يقل عن ساعتين، الأسعار فى ارتفاع مستمر والمطلوب من المصريين أن يكيفوا أوضاعهم مع هذا الأمر الواقع ولا نغفل دخول شهر رمضان الكريم وما يتطلبه من مصاريف إضافية، كم من صديق لى يشكو لى يوميا قلة حيلته فى تدبير شئون منزله المالية وكأن توفير المصاريف أصبح هو الحديث اليومى لكل زملائى فى المستشفى لعل أيا منا يجد الحل عند زميله.. اعترف أننى أقل واحد من بين أصدقائى يعانى لأن إلتزاماتى ليست بالكثيرة ولكن من كثرة مشاكل أصدقائى فى العمل أصبحت أشعر أننى أحمل هذا الهم اليومى معهم.. فكل واحد منهم له قائمة من الهموم: واحد لا يستطيع أن يوفر مصاريف المصيف لأولاده ومع ذلك هو مضطر أن يأخذهم ويسافر الساحل لأن السفر بالنسبة لأطفاله هو الحلم المنتظر من السنة للسنة وآخر يعجز عن تدبير مصاريف دروس ابنته بالثانوية العامة، خاصة أنها بالشعبة العلمية وآخر لا يستطيع توفير مصاريف علاج أبيه.. هموم وهموم نحملها بمفردنا ونحتاج من يحملها عنا، ترى من سيحملها عنا؟!. لك الله يا مصر.
∎ صيف ساخن جدا
أما السيدة جيهان مدحت (54 عاما) متزوجة ولديها ابنة فى كلية الإعلام وابن فى كلية الهندسة وتعمل بالتنمية البشرية فى إحدى الشركات الخاصة: «واضح أن الصيف ده مش عادى.. أو زى ما بيقولوا صيف ساخن جدا.. فسألتها: لماذا؟ فأجابتنى قائلة: «لأننا كما تعلمين وتشاهدين كم الضغط الذى نعيش تحت وطأته وتحديدا خلال الستة أشهر الماضية بسبب تخبط قرارات الحكومة وعدم قدرتها على علاج أى من الملفات التى تسبب مشاكل يومية وجوهرية للمواطنين أولها طبعا مشكلة انقطاع الكهرباء علينا كل يوم بالساعة والساعتين وكأن الحكومة تتناسى أن أولادنا يذاكرون لامتحانات آخر العام الأمر الذى يعكر صفو أبنائنا وكذلك نحن أيضا لأن بصراحة بعد كثرة هذه المصاريف فى التعليم والمدارس والدروس الخصوصية ليس من المنطقى أن يضيع ذلك هباء ولا يستطيع أبناؤنا التركيز فى المذاكرة بسبب انقطاع الكهرباء وذلك من الممكن أن يترتب عليه نتائج غير مرضية بالنسبة لنا كآباء بذلوا كل ما فى وسعهم لتوفير كل مليم حتى نحصل على نتيجة مرضية وكأن الحكومة تود أن تحرمنا من الفرحة الوحيدة التى قد تغمر قلوبنا وهى فرحة النجاح التى لا تضاهيها أى فرحة، ثانى مشكلة وهى ارتفاع الأسعار وكل ما يتردد فى وسائل الإعلام هو أن هذا الارتفاع هو إجراء ضرورى لإتمام قرض صندوق النقد الدولى والنتيجة أن المواطن «كفر» من كثرة الضغوط والالتزامات المادية عليه وكان من المفروض أن هذا الارتفاع الصاروخى للأسعار يقابله ارتفاع لدخل الفرد ولا يظل جامدا ساكنا لا يزيد قرشا واحدا.. ورغم كل ذلك أنا كمواطن مطلوب منى أن أوفر مصاريف بيتى بمساعدة زوجى وأن أنفق جيدا على تعليم أولادى وأن أوفر لهم الراحة النفسية والترفيهية بالذهاب للمصيف بعد شهور من ضغط المذاكرة ولكن أعرف جيدا أن شعورى بالمسئولية والخوف من بكره يجعلانى أعرف جيدا أننى لن أهنأ بإجازة سعيدة فالهم سيلاحقنى  ويلازمنى.
∎ انسف حمامك القديم
«صيف ايه اللى إنت جاى تقول عليه» بهذه العبارة التى مزجت بين السخرية والمرارة نطقت السيدة وفاء محمود «05 عاما» ومعلمة بإحدى المدارس التجريبية متزوجة ولديها ثلاثة أبناء بالجامعة.. قلت لها سيادتك الوحيدة من بين الذين تحدثت معهم هى التى أخذت الموضوع بمنتهى السخرية والضحك!!..» فأجابتنى: «لأنى تعودت على أن أسخر من مصيبتى''.. فقلت لها: «لا ده الموضوع كبير وشكلى كده هلاقى عند حضرتك كلام كتير.. ايه الموضوع بالضبط؟!!» فقالت لى: ''الموضوع وما فيه أن مفيش حاجة بقت «عدلة» فى البلد دى.. وأنا لو قعدت اتضايق على كل حاجة هانفجر.. فكان قرارى أنى أضحك وأسخر من كل شىء.. فسألتها وبالنسبة للصيف، هاتصيفوا السنة دى؟! فأجابتنى قائلة: »(كان بودى والله) بس الصيف السنة دى صعب مش هاينفع نسافر فى أى مكان حتى الإسكندرية  والسبب أن أنا عملت جمعية مع أصدقائى فى المدرسة وكان هدفى أن الفلوس اللى هاتيجى منها هادفع جزء منها فى دروس التقوية لبنتى اللى فى الجامعة وبقية الفلوس هانسف بها حمامنا القديم لأنه بينشع على الجيران ومسبب مشاكل كثيرة.. فأنا عندى أولويات لابد من تنفيذها.. فقد أؤجل الذهاب للمصيف للعام القادم ووقتها أكون قد حصلت على جمعية جديدة.