رحلة المواطن المصرى : من الزخـم السياسى .. للزهــق السياسـى
نهى العليمى ريشة خضر حسن
تعودت وأنا أصعد لشقتى مساءً على سماع صوت تنقل عم محمد البواب بين القنوات الإخبارية وبرامج التوك شو حاله حال العديد من الأسر المصرية التى أصبحت السياسة شغلها الشاغل منذ قيام ثورة 52 يناير، وما فاجأنى هو تعالى صوت أغنية لسكتش ثلاثى أضواء المسرح فى هذا اليوم.. ولم تكن هذه هى المرة الوحيدة فقد تكرر ذلك ولم يعد يخرج تليفزيون عم محمد سوى صوت الأغانى، فلم أستطع تجاهل الموقف وسألته عن هذا التحول المفاجئ فأجاب: «خلاص يا أستاذة دماغنا وجعتنا من السياسة.. مش طايقين نسمع سيرتها.. الحالة من سيئ لأسوأ ومفيش فايدة.. فنروق أعصابنا بفيلم كوميدى أو أغنية قديمة أحسن».
لم يكن هذا هو حال عم محمد فقط، فبعد هذا الموقف بعدة أيام ذهبت للميكانيكى لإصلاح عطل فى سيارتى فسمعت حديثا بينه وبين زبون آخر يشتم فى السياسة والكلام فى السياسة ويقول: «حلفت لا أتكلم ولا أتفرج على برنامج فيه رائحة السياسة فقد شبعت كلاما.. فكله كلام فى كلام ولا مكان للأفعال ولو استمررنا فى الكلام أو السماح لأحاديث السياسة إما سننتحر أو سنصاب بالجنون.. تكرر الحوار عندما ركبت التاكسى فى طريق عودتى من عند الميكانيكى عندما تركت له سيارتى ولم أكن ركبت تاكسى منذ فترة، وما أذكره بعد الثورة مباشرة أن كل سائقى التاكسى الذين ركبت معهم كانوا دائمًا ما يبهرونى بثقافتهم السياسية ونقدهم ومناقشتهم لكلام السياسيين والنخب فى برامج التوك شو، وما حدث فى هذا اليوم أننى وجدت السائق بعد استماعه لنشرة الأخبار على إحدى محطات الراديو ما أن علم أنه سيتم إذاعة برنامج سيتم فيه استضافة رئيس أحد الأحزاب الحديثة إلا وغير المحطة فورًا وقال لى معلقًا: «مش كده أحسن؟! إحنا خلاص زهقنا من «أم السياسة» واكتأبنا إحنا عايزين ناكل ونلبس ونعلم ولادنا ومش الكلام اللى بنسمعه ليل نهار هو اللى هيحقق دا إحنا تعبنا سنتين من «الرغى السياسى» لما اتخنقنا من وقت الثورة والمحصلة إيه؟! ولا حاجة».انتقلت من هذه الشريحة البسيطة إلى الشريحة المتوسطة لأ تفقد حالها مع السياسة ومع الكلام فى السياسة.