الثانوية العامة: مدرس السم بيدوقه
مني صلاح الدين وكاريكاتير خضر حسن
لحظات ومشاعر خاصة جدا قد لا يعيشها غيرهم.. عندما يقف المدرس فى خانة ولى الأمر، ليطلب من زميله أن يعطى درسا خصوصيا لابنه أو ابنته، خاصة عندما يكون الابن فى الثانوية العامة.. والأصعب هو تلك اللحظة التى يطلب فيها الابن درسا خاصا فى نفس مادة تخصص الأب، عند معلم آخر، لأنه صاحب سمعة وأكثر شهرة.
عن تلك اللحظات باح لنا مدرسون ومدرسات عن يومياتهم مع المدرسين الخصوصيين فى منازلهم، والمواقف المحرجة، ومواقف المجاملات والإحباطات والغيظ أحيانا.. التفاصيل خلال السطور التالية.
«وقتها حسيت إن كتير من أولياء الأمور عندهم حق لما بيقولوا على المدرسين إنهم مافيا، عندما اضطررت أدفع مبالغ كبيرة لمدرسين عشان يعطوا ابنى دروساً فى الثانوية العامة، رغم أنى كنت آخذ أقل من المبالغ دى بكتير لما بادى درس خصوصى».
قالها مدرس الرياضيات والإحصاء بمدرسة عابدينالثانوية للبنات، عندما تذكر المبالغ المالية التى تكبدها عندما كان ابنه أحمد فى الثانوية العامة.
ويؤكد فتحى أن المبالغ الكبيرة التى يطلبها بعض المعلمين، ليست مرتبطة بالكفاءة، لكنها مرتبطة بكثرة عدد الطلاب فى مدارسهم، لأن الطلب عليهم يكون أعلى من غيرهم ممن هم فى مدارس فيها كثافة طلابية قليلة مثل مدرسة عابدين، التى لايزيد عدد طالباتها على 12 طالبة فى الفصل.
ورغم أن ابنته «رحمة» هى التى طلبت منه أن يذاكر معها مادته، عندما كانت فى الثانوية العامة، فقد ضمها إلى إحدى المجموعات التى يعطيها درسا خاصا، حتى يلتزم معها بمواعيد الدرس، وينتظما معا فى المنهج.
يقول فتحى: عندما يعطى المدرس ابنه درساً بمفرده قد يتدلل الابن، وقد يؤجل الأب الدرس لأنه متعب مثلا، وقد يخسر الابن فى هذا الوضع، ولهذا اختار لابنه الثالث رياض، زميلا له فى نفس التخصص عندما كان فى الثانوية العامة، لكى يلتزممعه بالحضور وحل التدريبات، ورفض الزميل أن يحصل على مقابل هذا الدرس.
ولا تختلف تجربة وئام عبدالعزيز مدرس الرياضيات بنفس المدرسة عن تجربة الأستاذ فتحى، مع ابنته «نيرة» التى تستريح معه فى المذاكرة، أما ابنه محمد، فاضطر لأن يوكل مهمة تدريسه الرياضيات إلى مدرس زميل، خوفا من ألا يلتزم معه بمواعيد ثابتة فى الدرس.
وفى المقابل فإن ابنة أحد زملائه هى تلميذة عنده بالفصل، وأحيانا تؤكد للأستاذ وئام أنها تفهم الكثير من أجزاء الدروس فى الفصل بأفضل مما تستوعبه من والدها فى الدرس الخاص.
∎مواعيدنا مختلفة
«مواعيد دروسى كانت مختلفة عن مواعيد دروسه، وماكانش عندى وقت له، لأنى فضلت أذاكر لابنى الأصغر فى ثالثة ابتدائى حساب وإنجليزى، عشان مدرسته بعيدة، ومافيش مدرس عايز يدى له درس لوحده».
هكذا يبرر ناصر برقى مدرس التاريخ بمدرسة طبرى روكسى، لجوءه لمدرس تاريخ لابنه عبدالرحمن الطالبقى الثانوية العامة، رغم أنه يقوم بتدريس نفس المادة لطلاب الثانوية العامة.
ويكمل ناصر الحاصل على دكتوراه فى مناهج التاريخ: «الكثير من المعلمين يرفضون التدريس لأبنائهم ضمن مجموعات الدروس الخصوصية، أو حتى بمفردهم، لأن العلاقة بينهما تكون علاقة أب بابنه، وليست علاقة أستاذ بتلميذه، فلا تكون فى مصلحة الابن».
ولا يرى أن الأمر يتعلق بقدرات خاصة عند بعض المعلمين، تمكنهم من المادة بأفضل من غيرهم، ويدلل على ذلك بأن أشهر مدرس تاريخ فى مراكز الدروس الخصوصية بمدينة نصر ومصر الجديدة هو خريج زراعة فى الأساس، ولم يكن مدرسا للتاريخ فى أى مدرسة، أى أن الكثير من المدرسين المشهورين فى تلك المراكز هم «دخلاء على المهنة».
∎مدرس يعرف الامتحان
بمجرد أن انتهت الابنة من امتحانات الصف الأول الثانوى، انطلقت الأم معلمة اللغة الإنجليزية بمدرسة السادات التجريبة بمدينة نصر نشوى عبدالمحسن، لتحجز لابنتها فى «السنتر» نظير 400 جنيه عن المادة الواحدة شهريا، بالإضافة إلى 100 أخرى ثمن أوراق الدرس التى يكتبها المدرس «الملزمة»، وقدمت نسخة من الشهادة الإعدادية لابنتها، ليطمئن السنتر إلى استيفائها شروط الدراسة بالسنتر الشهير، وأنها حاصلة على مجموع أكثر من 95 ٪ ليضمن السنتر بقاء سمعته الطيبة.
بأسى وغضب تقول نشوى: اضطررت للاشتراك لابنتى عند مدرس لغة إنجليزية، مع أنى مدرسة لنفس المادة وأستطيع أن أذاكرها لابنتى فى المنزل، لكنى أريد أن أكون قد فعلت أقصى ما أستطيع من أجلها أمام الله وأمامها، حتى لا أحاسب نفسى إذا جاءت بدرجات قليلة فى الامتحان.
وتكمل نشوى: لو كان هناك تدريس داخل المدرسة بما يرضى الله، لحجزت لها فى أيام المراجعة فقط، لكن الرقابة قليلة على المدارس الثانوية، وبعض المدرسين يذهبون للمدرسة لبعض الوقت، بعدها يتوجهون لمراكز الدروس، التى تحولت إلى مدارس، فى كل فصل 80 طالبا، وينتشرون تحت اسم جمعية خيرية لخدمة المجتمع، ووزارة التعليم تغمض عينها عنهم.
تتمنى نشوى وبعض زملائها الاكتفاء بزيادة دخلهم من خلال المجموعات المدرسية، ليقضون وقتا أطول مع أسرهم، لكن رسوم المجموعات لا تكفى .
وتؤكد نشوى فى المقابل أن الغاضبين من تحويل الثانوية العامة إلى عام واحد هم المدرسون الكبار أو كما يسمون «الحيتان»، أصحاب السمعة والشهرة الكبيرة، الذين يسيطرون على مراكز الدروس الخصوصية «السناتر».
∎ثمن الشهرة والسمعة
تذكر عادل مصطفى مدرس الجيولوجيا بإحدى المدارس الثانوية بشبرا، شعوره بالإحباط وعدم الثقة لأول مرة منذ عمله كمدرس ثانوى، عندما طلبت منه ابنته طالبة الثانوية العامة، أن تأخذ درسا خصوصيا فى نفس المادة عند مدرس آخر، لأنه مشهور.
ودون أن يتحدث معها أو يناقشها وافق، وذهب لذلك المدرس، وهو أحد زملائه، والغريب أن المدرس الزميل لميستغرب الأمر أيضا، ولم يأخذ مقابلا من عادل عن درس ابنته، لأنه أيضا يطلب من عادل أحيانا أن يعطى درسا لأحد أقاربه.
يبرر عادل الموقف قائلا: «أنا عارف إن ماحدش هايقول أكتر من الموجود فى الكتاب، لكن دى أرزاق بتاعت ربنا، زى مذيع الفضائيات اللى سعره بيتحدد بالإعلانات، مش بالشطارة، فيه مدرسين بتكسب أكثر من 3000 جنيه فى اليوم، من شغلهم فى مراكز الدروس الخصوصية».
∎دروس مجاملة
«كنت أتمنى أن أدرس لابنى عندما كان فى الثانوية العامة، لكن مادة الحاسب الآلى كانت مادة نشاط فقط وقتها، وكل المدرسين الذين ساعدوه كانوا زملائى، وهم الذين عرضوا على مساعدته مجاملة لى»، قالها هانى الألفى مدير إدارة المرج التعليمية.
وأكمل: «لو أن كل أب طالب المدرسة بحق ابنه فى التعليم الجيد، وأصر على ذلك لحاسبنا المعلم المقصر، ولقلت كثيرا الدروس الخصوصية».
ويتابع: «بعض أشهر المدرسين الخصوصيين لا يقبلون إلا الطلبة المتفوقين، رغم أن التفوق هو بالأساس مجهود الطالب ولا يساهم المدرس إلا فى حدود 20٪ فقط».
∎الثانوية فى بيت المسئول
«طبعا عشت طوارئ الثانوية العامة مع أولادى مثلى مثل أى أب، لأنها مسابقة يشترك فيها 880 ألف طالب، ولا تأخذ منهم كليات الطب سوى 30 أو 40 ألف طالب فقط».
بهذا يعترف مسئول الثانوية العامة بوزارة التربية والتعليم الدكتور رضا مسعد.
ويشير إلى أن طوارئ الثانوية العامة، ودروسها الخاصة، ستنتهى بمجرد أن توفر الدولة المعدل العالمى للجامعات بالنسبة لعدد السكان، «جامعة لكل مليون نسمة»، أى أن يكون لدى مصر 80 جامعة، وليس 30 كما هى الآن.
ويؤكد أستاذ مناهج الرياضيات بكلية التربية والمسئول عن ملف الثانوية العامة الآن بالوزارة، أن أولاده لم يلجأوا للدروس الخصوصية فى الثانوية العامة، وأنهم اكتفوا بمساعدته ومساعدة والدتهم فقط، وتفوقوا من وجهة نظره.
كبرىأبناء رضا تخرجت فى كلية الصيدلة، والثانى فى الهندسة، والثالثة فى التربية، والأخيرة لاتزال بالمرحلة الإعدادية، و«تكتفى أيضا بمساعدته فى المذاكرة».
يقول مسعد إن «أولياء الأمور هم سبب مشكلة الدروس الخصوصية، لأنهم يسعون وراء المجموع الأكبر ولا يريدون تحمل مسئولية مساعدة أبنائهم».
وينظر كأستاذ فى التربية إلى أن تضخم بعض المجاميع، هو «تفوق زائف» وإنفاق المزيد من الأموال لجمع أكبر عدد من الدرجات، ولهذا يرسب نحو 25 ٪ ممن يلتحقون بكليات القمة خلال السنة الأولى لالتحاقهم بها.
ويتابع: وزارة التربية والتعليم ليست المسئولة عن المشكلة وحدها، فبعض الوزارات حولت الهدف النبيل فى مساعدة الطلاب ضعاف التحصيل، إلى بيزنس الدروس الخصوصية، وعليهم الآن مشاركتنا فى القضاء عليها، ومنها وزارة الأوقاف التى تعطى الحق للجمعيات الشرعية والمراكز الإسلامية فى فتح مراكز للدروس الخصوصية.
ويتهموكيل وزارة التعليم وزارة الشئون الاجتماعية بأنها السبب وراء هجرة تلاميذ الثانوية للمدرسة، لأنها تعطى الحق لبعض الجمعيات الأهلية فى فتح فصول للتقوية، لتصبح سناتر للدروس الخصوصية، حتى إن بعض الحضانات تحولت لمراكز للدروس الخصوصية، والأمر نفسه بالنسبة للمجلس الأعلى للشباب والرياضة، الذى يفتح فى نواديه مراكز للدروس الخصوصية، تحت مسمى مجموعات تقوية.
ويطالب رضا كل هذه الجهات بإغلاق هذه المراكز وسحب تراخيصها، «وزارة التعليم حولت نظام الثانوية للعام الواحد بدلا من العامين، وقللت من المواد الدراسية التى تحتسب فى المجموع، لتقلل الاحتياج للدروس الخصوصية بنسبة 75 ٪ وعلى ولى الأمر أن يتخذ القرار فى الاستغناء عن الباقى».