الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جريمة والفاعل معروف

 قبل أن نتحدث عن جريمة التحرش بفتاة المنصورة، علينا أن نقرأ صفحات ماجرى على أرض المحروسة طوال ثلاثين عامًا مضت، تبدلت فيها أم الدنيا بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد، جرائم استهدف فيها عقل مصر ووجدانها وثقافتها وكان من المنطقى أن تفرز جرائم التحرش الجماعى.



لنتذكر معًا، كيف فتحت الدولة المجال العام للأفاقين، من مطلقى اللحى ومرتدى الجلابيب القصيرة، يحتلون المساجد، ويقيمون الزوايا ومن خلف ميكرفوناتهم يطلقون حناجرهم بأحط الكلام عن النساء، من منا لا يتذكر خطب التحريض والتشويه ضد النساء واعتبارهن شياطين تسير على الأرض، نحن نتذكر كيف أصبح شيوخ تلك المرحلة هم المرجع، وكيف انتشرت شرائط مسجلة بكل هذا الغثاء، كنا نركب الميكروباصات التى تطلق «جعير» متنطع جاهل لا يوفر نقيصة أو ذنباً أو معصية إلا ويلصقها بالنساء، ولا يترك شكلا من أشكال العذاب فى الجحيم إلا ويتوعد به النساء.  كنت أجلس فى الميكروباص فى رحلة من بيتى إلى عملى مدتها ساعة وأحيانًا أكثر، وبالضرورة من بين الركاب نساء كادحات خرجن للعمل، ورجال يكدون من أجل العيش والحياة، يصب شيخ هذا «السخام» فى عقولهم باعتباره صحيح الدين، نستطيع أن ندرك كيف ترى المرأة نفسها، وكيف يراها الرجل وهى المدانة من شيخ يدعى كذبًا أنه حافظ كلام الله وأحاديث نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. وهل ننسى مسرح آخر من مسارح الجريمة، هو الأتوبيس العام المملوك للدولة أى لنا، نحن شعب هذه الدولة رجالا ونساء.  وفى أتوبيسات الدولة كانت تدار ذات نفس الشرائط ومعها ملصقات فاخرة، ورق مصقول، صور ملونة، وجمل يدعون كذبًا أنها أحاديث نبوية، توصم المرأة المتعطرة بالزنا وتزعم أن حطب جهنم هن النساء وأن سبب كل البلايا والمصائب هن النساء. وطبعًا لن ننسى ما كان يتم من تلويث لعقول الأطفال فى المدارس التى احتلها وخيم عليها بظلمته فكر الإخوان المسلمين، حيث احتلت خلاياها النائمة والمستيقظة جسد العملية التعليمية، وأصاب الجسد أيضًا سرطان الفكر السلفى. هذه بعض مسارح أنتجت وأفرزت هؤلاء المتحرشين، كل هذا تم بعلم وتواطؤ الدولة طوال أكثر من ثلاثين عامًا، دولة فتحت المجال العام للفكر الظلامى فى المدارس والجامعات وأجهزتها وإعلامها، وحتى منافذها الثقافية. التحرش بالنساء نتيجة وليس سببًا، نتيجة لخطاب عاش وترسخ يرى أن المرأة قطعة لحم وأن الرجال ذئاب أو حيوانات من حقها أن تنهش قطعة اللحم . جريمة خطط لها  من يطلق عليهم دعاة، قال أحدهم: «عندما أرى امرأة ترتدى القصير ولا استثار أشك فى رجولتى» لا أعرف أية رجولة تلك التى يتحدث عنها وهو لا يفرق عن أى حيوان تثيره أنثى فيهجم عليها ليفترسها. لن تكون جريمة المنصورة آخر الجرائم إن لم يتم التصدى لها على كافة المستويات. أولا: أن تثق الفتاة التى تعرضت للتحرش أنها ليست مذنبة، بل هى ضحية، معتدى عليها، وعلى حقها فى الأمان والحرية الشخصية والاحترام، وذلك يعنى أن تتمسك بحقها فى عقاب المعتدى، بموجب قانون العقوبات، وأن تثق وتؤمن أن جسدها ليس عورة، وأن احترامها لعقلها ليس الأساس الذى يحدد خطواتها فى الحياة.  وبعد ذلك يأتى ثانيًا وحتى عاشرًا، يأتى بالتعليم والثقافة والإعلام، يأتى بفتح طاقات النور والحرية.