إعلاء راية القانون

مخلص قطب
لعله يرقد فى مثواه مفتخرًا بما أنجزه فى بر مصر فتنتشر أفكاره فى كل نجوعها من خلال مساجدها ومدارسها، بل ينعم بالتنافس المحموم لشعبنا ومؤسساتنا لمساعدته فى دعاواه بمقولات استباق عمليات التطرف ووأدها بالإسلام الوسطى الذى يعصمنا من الجماعة الإرهابية. ونغفل فى ذات الوقت حقائق واضحة وخاصة منذ فترة الملك فاروق الأول وحتى بعد اغتيال النقراشى باشا، ومحاولات اغتيالات متعددة لرؤساء ووزراء؛ إلى محاولة اغتيال الزعيم عبدالناصر بأيدى الإخوان، حيث نلحظ تجذر فكر مسئولينا بضرورة تقديم تنازلات للجماعة ومسابقتهم فى عمليات تديين المجتمع حتى يمكن تحييدها أو اتقاء شرها، وهو ما استثمرته أفضل استثمار؛ فمزيد ضغطها لمزيد مكاسبها. ويستند مخطط الجماعة على تحليل واقع الشعب والفهم التام لتطلعاته، وما يمثله البعد الدينى منذ القدم باعتباره العابد لإله منذ آلاف السنوات كمكون طبيعى فى شخصيته، ويصبح شعار مع أو ضد الشريعة هو كلمة السر فى تحريك جموعه ومنبره راية الإسلام، وهو ما التقطه الإنجليز من أول يوم نشأت الفكرة، فكان استثمارهم فى شخص حسن البنا مضمونًا ومحققًا لمصالحهم على المدى القصير والبعيد. وعندما تصدت حكوماتنا للإخوان بالتضييق والمواجهة المباشرة تزامن ذلك مع مقولات صعوبة اجتثاثهم وضرورة الابتعاد فى ذات الوقت عن المواجهة المباشرة، ويتواكب مع ذلك اتخاذ حكوماتنا لقرارات التديين لنكون بذلك الأكثر إسلامًا منهم وقطعًا لطريقهم؟!! ، فتتكاثر قرارات وإجراءات التديين لإعلامنا ولتعليمنا فيكون مسئولونا بالوعى أو بعدم فهم لصحيح تحركات الإخوان، مع شعب طيب يستجيب بحكم مكونه الدينى منذ الأزل، واللافت تنافس مؤسساتنا على أعتاب الجماعة فنوسع مجالات التديين بعناوين جهالة استنباط إسلام وسطى لحصرها وننسى فى الوقت ذاته أن ما نقوم به من إجراءات هو المطلوب وبالضبط لتحقيق أهدافها؛ والشواهد كثيرة:. فإن أخذنا التليفزيون والإذاعة كدراسة حالة.. فسنتأكد من إصرار إعلام الدولة على عمليات تديين وأسلمة ممنهجة بالوعى أو بدونه، ولكنها فى النهاية تحقق المطلوب، واللجوء لتقارير المتابعة الرسمية لهذه الأجهزة نتعرف منها على كم ما يتم بثه يوميًا من برامج دينية إسلامية مباشرة، فضلًا عن تطعيم كل ما يقدم من برامج بالدين ومع اختلاق برامج لذلك. وإن كان هناك مطلب لتجديد الخطاب الدينى فيكون المظهر هو الهدف: فنشاهد شبابًا بالملابس الإفرنجية -بدلاً من مشايخ المساجد- وهم على شواطئ بحر أو فى حدائق غناء يوعظون ويفسرون القران الكريم.. فيظل الشكل هو رائدنا فنكون قد جددنا والحمد لله.. وحتى مع تحديات كل منطق وطنى نصر على أن دعوانا إعلاء لراية الإسلام ولا غضاضة فى ذلك، ولكن ليس على حساب علم الوطن. ويكفينا هنا أن نستذكر دعوة السيد الرئيس بأن يكون عنصر التوعية الدينية هدفه دعم الوطن والتأكيد على المواطنة والهوية المصرية..فغير ذلك ليس مطلوبًا.. وقد يقدر مناسبًا إعلامنا الواعى أهمية وضرورة المراجعة.. فمصر أولاً بشعبها الأبى مسلمًا ومسيحيًا ويجب أن يكون لمسئولين أصحاب الخبرة ولهم بعد الرؤى والفكر الصائب لإعلاء قيمة الوطن.. وليس إحياء لخطايا حكم الرئيس السادات ولمن خر ساجدًا شاكرًا لله سبحانه وتعالى لقتل إسرائيل لجنودنا الأبطال وتشريد الآلاف من الأسر وتهجير مدن بأكملها.. ومن الطبيعى ألا ننتظر دراسات، بل إجراءات فورية يتخذها مسئولونا فى قطاع الإعلام والتعليم بما يدعم مسيرة شعب عظيم وأن يتخطى الإصلاح الشكل فمثلاً تتوقف جميع قنواتنا الإذاعية والتليفزيونية لرفع الأذان حتى قناة ماسيرو «زمان» وكأن توقيت الصلاة اليوم هو نفسه فى ذاك الزمان..؟ وهنا نحاول أن نفهم هل المفروض على كل المصريين مسلمين ومسيحيين الوقوف خشوعًا لتأدية الصلوات فى هذا التوقيت بالذات مع وقف تام لتشغيل المصانع والمصالح والعمل فى الغيطان والمرافق لأداء الصلاة، وتعطل الدراسة فى كل مدرسة حتى يتسنى للجميع تأدية الفروض فى توقيتها وقد يكون لازمًا أيضًا توقيف وسائل المواصلات وإغلاق المتاجر وعدم تحليق الطائرات لحين إتمام الصلاة.. ونعمل كل ذلك بحجة سحب البساط من الإخوان! فنكون وبأيدينا نحن وبإعلامنا المنفذين الأمناء لاستراتيجية حسن البنا.. وعلى صعيد آخر يتوازى مع ذلك جهد وزارة التربية والتعليم والذى يصب فى هذا الاتجاه أيضًا بدءًا من مناهج يتم حشوها للحفظ بآيات الذكر الحكيم وبأحاديث نبوية، وهو الأمر الذى يتعدى المناهج الدينية إلى المناهج الدراسية الأخرى سواء علوم أو لغة عربية أو دراسات اجتماعية.. بتصور خاطئ للمسئولين -إن حسنت النية- بأن ذلك يُساهم فى رفع راية الإسلام المعتدل وينكرون فى الوقت ذاته أنهم يمهدون أرضًا لامتداد الجماعة الإرهابية. فيجب أن يكون مفهومًا لدينا أن تدريس الدين فى منهج كتب الدين للتلاميذ المسلمين.. والمناهج الأخرى هى لعموم التلاميذ مسلمين ومسيحيين.. وعلى أن يكون التطوير المطلوب فيها تركيز على الأسلوب العلمى ويعتمد على أدوات التفكير والتحليل وعلى تأهيل مدرسين وبهذا نعد صغارنا وشبابنا لمواجهة مستقبل ضاغط والذى لا يصح فيه أن نكون فى جهالة مع من يريد بنا ذلك. وطبيعى أن الأنشطة المدرسية الأخرى يجب أن تصب فى ذات المسار، فكيف يبدأ طابور الصباح وتحية العلم بترديد «الله أكبر» ثم تتوارى «تحيا مصر» والنشيد القومى أو حتى لا يذكر والأمثلة كثيرة وكبيرة والأسوأ فى مدارسنا المتواجدة فى النجوع، وأذكر أن وزيرًا واحدًا للتربية والتعليم حاول ونجح فى التصدى لعملية التديين هذه وما كان قد بدأ فرضه على التلميذات من سن السادسة لارتداء حجاب أو نقاب من مدرسات النقاب ومدرسى التديين، فكان صاحب قرار لصالح التلاميذ والعلم والوطن فلماذا لا نبنى على ذلك؟! وهل سننتظر طويلاً حتى يتسنى تحرك وزارة التربية والتعليم والوزارات المعنية بتربية النشء وإعلامنا القومى لتصويب الأمر، ولتصبح أرض مصر وطنًا لكل المصريين يكافحون ويجاهدون للنهوض به فى إطار مساواة وعدالة فى دولة إعلاء راية القانون وإنفاذه فهو الحل، فكانت الإجابة المستغربة ليس لسرعتها ولكن لتولية الأوقاف الأمر برمته وعلى أن تنسق الوزارات والجهات المعنية الأمر معها!.