متى يدخل «البروتوكول» القصر الرئاسى؟

هبة محمد وكاريكاتير ياسمين مأمون
إذا كانت كلمات الرجال تزن مثقالها ذهبا، فإن كلمات الرؤساء بل وإيماءاتهم تزن ثقلها ماسا، فكل تعبير يجب أن يكون مدروسا وأقرب للمنطق والموضوعية والدقة، ومن خلال خطاباته التى يلقيها على الشعب، أو تصريحاته التى يدلى بها خارج البلاد بات جليا للعيان أن الرئيس مرسى يفتقر إلى العديد من القواعد المهمة فى المراسم والبروتوكولات الدولية، والتى يجب أن تتوافر فى كبار المسئولين، وبعيدا عن السخرية التى يقوم بها بعض مقدمى البرامج التليفزيونية والنشطاء على صفحات التواصل الاجتماعى، فإن صدور مثل تلك الهفوات من فم الرئيس قد يقود إلى أزمة دبلوماسية فضلا عن أنها تجعل الرئيس يبدو فى صورة لا تليق بمقام الرئاسة.
∎التدريبات ضرورة ملحة
فى البداية يرى د. محمد عبدالغنى هلال مدرب الموارد البشرية وصاحب عدة مؤلفات فى مجال التفاوض والإدارة والبروتوكولات الدولية من أشهرها كتاب «المرجع فى إدارة البروتوكول والمراسم وفنون الإتيكيت»، أن حصول الرئيس مرسى على دورات تدريبة فى هذا المجال يعد ضرورة ملحة، على أن تكون تلك الدورات ذات أهداف عميقة تستهدف التأثير فى اتجاهاته وسلوكه، فهو رجل ريفى يتصرف بريفية مطلقة، ويستخدم بعض الألفاط الريفية التى قد لايفهمها أهل المدن فما بالنا بشعوب العالم المختلفة، وبالتالى لا تصل الرسالة جيداً، مثل قوله «وقعة فى ركبهم» والتى لم يفهمها القاهريون مثلا ولكنها وصلت بشكل أفضل لأهالى القرى والنجوع، وفى هذا غياب للقدرة على التفرقة بين ما يجب أن يقال وما لا يجب قوله، فلا يصح أبدا فى مثل هذا المنصب الحساس أن يتعامل الرئيس بفطرته، لأن هناك قواعد بروتوكولية تحكم المنصب، وتحدد صورة الدولة التى يرأسها، وبالطبع تحدد تأثيرها ونفوذها، فالرئيس لا يصح له أن يوجه اتهامات لأى شخص على الملأ، ولاأن يقول ما لايملك القدرة على فعله، أن إدارة المراسم داخل مؤسسة الجمهورية كان لها دور بارز مع زعماء مصر فى الفترات الرئاسية المتعاقبة، فالرئيس جمال عبدالناصر كان يتمرد أحيانا على تعليمات إدارة المراسم بأن يرتدى قميص نص كم، أو يتباسط فى بعض الأمور لأنه كان ينظر إليه أنه زعيم شعبى، وكان يعى تماما أن التزامه الحرفى بالبروتوكولات الرئاسية سوف يؤثر على هذه النظرة، أما الرئيس السادات فكان يترك للمراسم أن تحدد له لون البدلة التى يرتديها، أما الرئيس مبارك فكان يسلم نفسه تماما لإدارة المراسم ويسير على البروتوكولات التى تحددها، حتى عند خروجه عن النص فى بعض خطاباته، كان خروجا مدروسا ومحسوبا، فقط لإيصال رسالة أنه ابن بلد وقريب من الشعب ثم سرعان ما يعود مرة أخرى لما كتب له، أما الآن فيمكننا أن نقول أن القائمين على بند البروتوكولات فى الرئاسة فاشلون بدرجة امتياز، وفى نفسالوقت يرفض د.هلال فكرة إعطاء الرئيس دروساً فى الإتيكيت والبروتوكول على يد خبراء أجانب، لأنه كما يوجد قواعد عامة فى علم البروتوكول، هناك قواعد خاصة بكل دولة نابعة من تقاليد الدولة وأعرافها.
∎الارتجال والتعبيرات الغامضة
ويتفق مع ذلك د.صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة، والذى شارك فى التدريب على البروتوكولات الرئاسية فى عدة دول منها ديوان ولى عهد الكويت، كما تلقى التدريب على يديه عدد كبير من السفراء والوزراء والدبلوماسيين العرب، حيث يقول ليس عيبا أبدا أن يتلقى الرئيس وكل من حوله دروسا فى فنون الإتيكيت وأصول البروتوكول، ومصر مليئة بالكوادر المتخصصة فى هذا المجال، ويشدد د.صفوت على أن نقص الخبرات فى الحديث والتصرف والحركة يؤثر بشكل مباشر على نجاح العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وكان ومن الواضح جدا أن فشل مفاوضات الرئيس فى ألمانيا بينه وبين ميركل كان سببها عدم التزامه بقواعد البروتوكول والإتيكيت اللازمين فى مثل تلك المواقف، وعن ارتجال الرئيس فى خطاباته يقول كل كلمة تخرج من فم الرئيس تزن طنا، فخطابات الرؤساء توثق المرحلة التى تلقى بها، كما أن الدبلوماسيين فى الخارج يتابعون خطابات الرئيس ليعرفوا من خلالها سياسة الدولة الخارجية، لذا فما يتم فى كل أنحاء العالم هو أن يكون هناك نص مكتوب يراجعه الخبراء والساسة ويدققون به جيدا، ثم يتم إعطاؤه للرئيس ليتلوه، أما مايحدث فى مصر الآن من ارتجال على الهواء مباشرة يجعل أفكار الرئيس غير مكتملة وبالتالى لا يستوعبها المتلقى جيدا، فكلما يرتجل يقطع خط الاتصال الفكرى بينه وبين من يستمع إلى خطبه، فضلا عن أن كثيراً من تعبيراته غامضة وغير مفهومة بل وتحمل إيحاءات جنسية، فحديث الأصابع الذى كرره مرارا وتكرارا لو تم عرضه على خبير لطلب منه أن يستبدله بألفاظ أخرى كعناصر خارجية أو مدسوسين، مشيرا إلى أنه لايمكننا اعتبار ذلك نوعا من التباسط والتقرب من الجمهور، فهناك فرق ما بين أن أتقرب إلى الشعب وأن أقول كلاما يحتمل التأويل والغموض مما يفتح بابا واسعا للشائعات.
∎أصول الإتيكيت
ومن أصول البروتوكول إلى فنون الإتيكيت، والذى يعتبر جزءا أصيلا من المراسم الرئاسية، ترى ماجى الحكيم - خبيرة الإتيكيت - أن لغة الجسد لدى الرئيس تحتاج إلى كثير من التطوير، فالنظر فى الساعة وهندمة الملابس أمام الكاميرات أو تحريك اليدين كثيرا، كلها أمور تفتقر للإتيكيت، مشيرة إلى أنه فى الأحوال الطبيعية من يقم بمثل تلك التصرفات عند التقدم لشغل وظيفة ما أو لإلقاء كلمة أمام العامة ينسب إليه عدم الثقة بالنفس، مشيرة إلى أن الشخص فاقد الكاريزما قد لا يستطيع تغيير شخصيته لكنه يستطيع تقليل الأخطاء التى من الممكن أن يقع بها والتى تجعل الجميع يلتفت إليه ويلحظ فقدانه للكاريزما.