الفــن وسيلــــة لاستعــادة مصر مـن أيدى المتطرفين
زين إبراهيم
عودة صالون القاهرة للفنون التشكيلية مرة أخرى للنور يؤكد عدة معانى، منها استعادة دور مصر الفنى والريادى والتأكيد على استمرارية هذا الدور وسط مشاهد كئيبة تريد العودة بنا للوراء، وبعد توقف دام أكثر من 20 عاما افتتحت نخبة من فنانى ومثقفى مصر الدورة السادسة والخمسين للصالون والتى تحمل رؤى ووجهات نظر من خلال أعمال أكثر من 170 فنانا وفنانة من الرواد والأجيال التالية الذين يحرصون على مسيرة الفن التشكيلى بمصر بدءا بالفنانين الرواد الراحلين إلى الفنانين المعاصرين والأجيال الجديدة.
وقد قسمت دورة الصالون الحالية إلى ثلاثة أقسام تضم فنون الرسم والتصوير والنحت والخزف والحفر، القسم الأول تمت استعارته من متحف الفن المصرى الحديث، حيث يحتوى على أهم التحف الفنية التى عرضت وتم إنتاجها خلال العقود الخمسة الأولى فى تاريخالحركة التشكيلية المعاصرة لرواد الفن من أمثال محمود سعيد، مختار، أحمد صبرى، سيف وأدهم وانلى وغيرهم، وقد عبرت أعمالهم عن التغيرات الاجتماعية والسياسية التى شهدتها مصر آنذاك، والقسم الثانى ضم أعمال كبار الفنانين الأحياء الذين عاصروا فترة الأربعينيات وحتى الآن لتكريمهم وإعادة قراءة تطور أعمالهم من أمثال أحمد مرسى، زينب السجيني جاذبية سرى، عصمت داوستاشى، عمر النجدى، رباب نمر وغيرهم، أما القسم الثالث فضم أعمال مائة فنان وفنانة من الفنانين المعاصرين ليتكامل شكل العرض بين التراث والمعاصرة.. القديم والحديث، والرهان فى دورة صالون القاهرة الـ56 أن تكون الدرع الواقى أمام العاصفة الرجعية العابرة من خلال إبداعات الفنانين والفنانات.
وها هو صالون القاهرة للفنون التشكيلية يعود مرة أخرى فى دورة استعادية إحيائية متجددة ومتنوعة يلتقى فيها الراحلون والمقيمون، الرواد ومن لحق بهممن خلال دور فاعل لجمعية محبى الفنون الجميلة برئاسة د.أحمد نوار التى ألقت على عاتقها إقامة دورة الصالون، وهى دورة للذكرى والتكريم والأمل - كما يقول د. شاكر عبدالحميد وزير الثقافة السابق ورئيس اللجنة العليا لدورة الصالون الـ56 - وهى أيضا نظرة على المكان والفن والزمن فى لحظة تاريخية بكل ما يعتمل فيها من صراعات وما يضطرم بداخلها من أفراح وأحزان، مؤكدا أننا فى فترة حرجة من تاريخ أمتنا ونحتاج إلى قوة الفن والإبداع لتواجه القوة الخفية المرئية وغير المرئية وتقضى على القلق والتوجس وفقدان اليقين.
وأضاف د.شاكر: إن صالون القاهرة السادس والخمسين يمثل ذاكرة لتاريخ المكان والبشر.. هنا صراع ما بين الإحساس بالمكان وفقدانه.. بين الإحساس بالحميمية وفقدان الإحساس بالأماكن الحميمية.. الأماكن التى تعضد الإحساس بتكامل الأسرة والمجتمع والهوية القومية.. والفن إحدى وسائلنا المهمة فىاستعادة هذا الإحساس الخاص بالمكان الذى يحاول بعض أبنائه تغيير هويته لحساب آخرين من الخارج.. هنا الفن مكان إبداعى تتجسد فيه كل عناصر الماضى والحاضر والمستقبل.. الفن إرادة ومواجهة لكل عوامل الاستيلاب والفقد والغياب والنسيان.
أما الدكتور أحمد نوار رئيس جمعية محبى الفنون الجميلة فقد أكد أننا فى احتفالية كبرى لإحياء هذا الصالون الذى تأسس على إبداعات رواد الحركة الفنية المصرية، ويعد النشاط الفنى الأول الذى جمع فنانى مصر عبر 55 دورة بدأت عام 1919 وتوقفت عام 1989، وها نحن فى الجمعية مصرون على عودة الصالون مرة أخرى بما يليق بتاريخه العريق ونواصل مسيرته فى التعبير عن روح الحركة التشكيلية فى مصر.
ورغم غيابه عن حفل افتتاح الصالون فى دورته الجديدة لسفره للخارج فإن وزير الثقافة.. د.صابر عرب أرسل رسالة للمشاركين فى الصالون تؤكد أهمية عودة دورات صالون القاهرة كنافذة مهمة للاطلاع على قيم جمالية ترتكز على أسس راسخة من الماضى والحاضر لتنطلق نحو المستقبل، وبلا شك فإن عودة دورات الصالون تسير فى تجذير هوية مصر الثقافية والفنية لاستعادة رونقها ومكانتها بجهود الفنانين والمبدعين.
ويشير محمد طلعت القومسير العام لصالون القاهرة السادس والخمسين إلى أن إحياء صالون القاهرة للفنون التشكيلية يأتى فى إطار الرغبة فى استعادة لحظات القوة من تاريخنا الفنى المعاصر الذى يقترب من مائة عام ودرءا للخطر الفكرى الراديكالى الذى يهدد بلدنا الآن.. وقد جاءت هذه الرغبة مصاحبة لدراسات نقدية لمجموعة من الباحثين والنقاد لخلق جسر متين بين الجانبين النظرى والتطبيقى لصالح الراغبين فى معرفة تاريخ مصر الإبداعى الحقيقى.
وأكد د. رضا عبدالرحمن أمين عام اللجنة العليا لصالون القاهرة الـ56 على أن إعادة صالون القاهرة العريق للحياة هى هديتنا لمصر فى هذا الظرف الوطنى الحرج، حيث حرصنا على خلق المعادل لكل محاولات تشويه وجه الوطن المشرق وإكساب الحدث مذاقه المنهجى الرصين الذى تفرد به منذ انطلاق دورته الأولى وحتى آخر دوراته عام 1989.
وقال الناقد محمد كمال عضو اللجنة العليا لصالون القاهرة إننا حرصنا جاهدين على بعث هذا الحدث الفنى الكبير من خلال تجاور الأجيال المختلفة لإعادة تقاليد الصالون التى تأسس عليها والتى كانت تقوم على فتح مجال المشاركة للجميع دون تقيد بأسماء أو أساليب أو مدارس فنية ليصبح الصالون ومن يعرض فيه مرآة لعصره وشهادة للمواهب الفنية التى تشارك فيه لتعترف بها الحركة التشكيلية.
ويأمل د. صلاح المليجى -رئيس قطاع الفنون التشكيلية - أن يمثل صالون القاهرة زخما للحركة التشكيلية فى الرؤى والتجارب والمبادرات تبلور ملامح مرحلة جديدة وترسخ لأصالة الفن المصرى وأن يتكامل مع أقرانه من الفعاليات القومية على الساحة التشكيلية بحيث تمثل معافرصا لصياغات أكثر حداثة وفنية.
ويصاحب دورة صالون القاهرة الـ56 عدداً من الندوات واللقاءات الفنية والفكرية التى يليقها نخبة من النقاد والفنانين تدور جميعها حول دور صالون القاهرة فى تأصيل الفن التشكيلى فى مصر وإسهاماته فى تأكيد هوية مصر من خلال التصوير والرسم والنحت.
يذكر أن أول دورة لصالون القاهرة أقيمت عام 1919 وشملته برعايتها السيدة هدى شعراوى وكان النجاح الذى أحرزه المعرض حافزا للفنانين وهواة الفنون من المصريين على إقامة المعرض الثانى الذى أعقبه إنشاء الجمعية المصرية للفنون الجميلة التى نظمت ثلاثة معارض متتالية بدأت عام 1922 وأصبح الصالون يقام سنويا حتى توقف عام 1989 ويعاود نشاطه هذا العام ليعيد بعض ما كان ويطمح إلى إلقاء نظرة فنية على الحاضر والمستقبل معا.