الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إلحقونا.. أكياس الدم في السوق السوداء

إلحقونا.. أكياس الدم في السوق السوداء
إلحقونا.. أكياس الدم في السوق السوداء


 
سمعت عن المتاجرة بالبشر وقد تطرق إلى مسامعى جملة «المتاجرة بالدين» هذا الإتجار إن كان مرفوضا أو مقبولا فمازال هناك الأسوأ وليس الأغرب على مسامعنا.. وطالما سنتحدث عن التجارة فهناك من يلعب دور السمسار ولكن للأسف سمسار هذا التحقيق ليس سمسار شقق الإسكندرية «لزوم المصيف» وإنما السمسار هو سمسار الدم فقد أصبحنا فى زمن الدم فيه يباع ويشترى أو بمعنى أدق، المرضى تحت رحمة أكياس الدم وحياتهم واقعيا فى «إيد اللى خلقهم» أو دنيويا فى يد سمسار أو تاجر الدم.
 
 
ولأن التاجر تعلم أن الربح هو أساس البيع.. فالدم لا يملكه ولا يحيا به إلا من لديه فلوس ولا عزاء للفقراء والغلابة.. فحتى أكياس الدم الآن أصبحت فى مستوى الخدمة السبع نجوم مع «ولاد الذوات فقط» أو «الغاوى ينقط بطقيته» والغلابة انطبق عليهم مثل منذ الولادة حتى الممات «اللى ممعهوش ميلزموش» ولنأتعجب حتى إن علمت أن أكياس الدم أصبحت فى السوق السودا جنب الدولارات.
 
فى خلال الأيام الماضية نشر فى العديد من الجرائد اليومية اتهام موجه إلى دكتور سامح العشماوى مدير معهد ناصر فيما يتعلق بالإتجار بدماء الغلابة المتبرعين لصالح المستشفيات الاستثمارية.. السطور القادمة تروى القصة بالتفاصيل.
 

 
∎قرار وزارى ينظم البيع
 
تحدث معنا دكتور سامح العشماوى مدير معهد ناصر قائلا: أود الرد على هذه الاتهامات بأن هناك قرارا وزاريا ينظم عملية بيع الدم وخاصة الفائض منه فى بنوك الدم فهناك مدة صلاحية لكيس الدم وهى 35 يوما وهناك فصائل معينة بها فائض عن احتياجنا فنقوم ببيع أكياس الدم إلى المستشفيات الخاصة أو العيادات الخاصة بالأسعار التى حددتها اللائحة الخاصة بالمعهد لعام 7002 ونقوم ببيع الفائض قبل انتهاء صلاحيته بـ 10 أيام.. فمنذ عام 49 وهناك قرار رقم 420 والذى ينص على عملية بيع وتداولالدم بين الجهات الحكومية والخاصة وكل منه له سعر مختلف.. كما أن المادة الثانية لنفس القرار تنص على أن الدم يصرف مجانياً فى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة وأن الدم أو مكوناته يصرف بنصف القيمة للعلاج الاقتصادى وبسعر مختلف للعيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية وكان كيس الدم سعره فى عام 94 بـ 53 جنيها ونظرا لارتفاع الأسعار واستقلالية معهد ناصر عن وزارة الصحة كالهلال الأحمر فتنطبق عليها اللوائح والقوانين الخاصة بالمعهد وتم تغيير الأسعار المخصصة لبيع الدم فى المستشفيات الحكومية والخاصة فى عام 2007 على يد دكتور بهاء أبوزيد واعتمدت اللائحة الجديدة والتى تنص على أن كيس الدم بـ 180 جنيها.
 

 
أما ما قاله الدكتور أحمد حسين بأننى أقوم ببيع كيس الدم بـ 700 جنيه فردى له فى نقطتين الأولى البينة على من ادعى والثانية إذا كان لديه إيصالات بهذا فليعرضها ويترك القانون يأخذ مجراه.
 
وأكمل دكتور العشماوى: لا نقوم بإجراء عمليه لأحد إلا وفصيلة دمه موجودة فى المعهد وإن لم تكن موجودة يحضر اثنان من أهله أو أقاربه للتبرع له.. وعندما واجهته بأنه فى كثير من الأحيان يحدث تلاعب فى بنك الدم بأن يشترى المريض كيسا من فصيلته ويتبرع أحد من أهله بفصيله أخرى.. رد على هذا بأنه أحيانا قبل إجراء العمليه يذهب أهل المريض للتبرع بالدم فقد تكون فصيلتهم O +   والمريض بحاجة إلى فصيله دم A-   ويكون هناك عائلة أخرى بها مريض ستجرى له عملية جراحية وبحاجة أيضا إلى دماء وفصيلته تناسبت مع فصيلة دم أهل المتبرع السابق فيقومون بعمل تبديل أهل المريض كيس الدم الذى تم التبرع به ويقوم واحد من أهل المريض المتناسبة فصيلته مع المريض الثانى والتبرع له وبذلك يكون أهل المريض الأول وتبرعوا للمريض الثانى وأهل المريض الثانى تبرعوا للأول.
 

 
∎المتاجرة بدم الغلابة
 
القرار الذى ينظم بيع الدم عن طريق بنك الدم قرار غير مشكوك فيه ولكن دكتور أحمد حسين عضو الأمانة العامة لمجلس نقابة الأطباء كان له رأى خاص حيث قال: ما أتحدث عنه هو التصرف فى دماء المتبرعين الغلابة الذين يتبرعون لذويهم والمتبقى منهم يشترطون أن يكون لغلابة أمثالهم أو للحالات الطارئة والحوادث ولكن نكتشف أن هذه الدماء النقية يتم بيعها فى المستشفيات والأغلب المستشفيات الخاصة فكيس الدم سعره أعلى فى المستشفيات الخاصه وإن كان فى المستشفيات الحكومية كيس الدم بـ 147 جنيها ففى الخاصة بـ 081 جنى يقومون بشرائه من بنوك الدم فيقومون ببيعه للمريض من 500 جنيه إلى ألف جنيه حسب الفصيلة وحسب مكونات الدم المطلوبة.. ولكن للأسف دماء المتبرعين لا تذهب للغلابة ولا تصرف فى الطوارئ وكله بثمنه.. وإذا كان كما يقول مدير معهد ناصر أن الدم فائض وسيعدم إذا لم يتم بيعه فلماذا للمستشفيات الخاص دون الحكومية؟.
 
فمستشفىالدمرداش وعين شمس يحتاجان أسبوعيا 1800 كيس دم لماذا لا يتم البيع لصالح المستشفيات الحكومية أو التنسيق مع جهات الحوادث والطوارئ للاستفادة من دم المتبرعين بدون مقابل؟!
 

 
أنا كطبيب صرفت نظرى عن فكرة التبرع ليس خوفا من الفيروسات وإنما خوفا من المتاجرة بدمى.
 
∎بنبيع دمنا عشان نعيش
 
فى رمسيس بجوار محطة مصر عربات التبرع بالدماء التى تكاد أن تتسول المتبرعين وبكل سهولة ويسر ينجذب إليها من لا ملجأ لهم من أطفال الشوارع ليتبرعوا بدمائهم بمقابل مادى أو عينى وعندما رجعت إلى قرارات بنك الدم وجدت أن هناك ما ينظم وجود حافز للمتبرع كهدية عينية وهى بسكويت وعصير أو التبرع بمبلغ 10 جنيهات كحافز وهناك قابلت شريف أحمد رضا 16 سنة حاصل على الابتدائية وبشر مؤمن المهدى 17 سنة دبلوم ليرويا لى قصتهما التى تجعلهما يتاجران بدمائهما ليستمر بقاؤهما فقال شريف: أبيع دمى بفلوس أحسن ما أموت بكرةغدر ودمى يضيع هدر، قالها وهو مبتسم وأكمل قصته: أنا بلا عائلة بلا مأوى وبلا مكان بدأت قصتى فى إحدى دور رعاية الأيتام وكانت الدار حتى سن الابتدائى لأنه مختلط وكنت أدرس تبع تبرعات الدار وبعدها خرجت إلى الشارع لأعمل فى مهن مختلفة ومن مساعد ترزى لمكوجى وخضرى أكسب قوتى فأنا أعمل باليوم لأنه لا توجد أماكن شاغرة حتى أعمل شهريا ومكان مبيتى فى أى مكان إن كان داخل نفق مشاة أو تحت كوبرى أو مكان آخر المشكلة ليست فى المبيت وإنما فى الأكل، فاليوم الذى لا أعمل فيه أذهب للتبرع بدمى ولكن أساوم الدكتور بأننى سآخذ 5 جنيهات فى الكيس.. وعندما سألته بأن أخذ كمية كبيرة قد تضره قال: الغلابة بتموت من البرد او الجوع محدش بيموت عشان اتبرع بدمه.. وأكمل بتلقائية «والله يا أبلة لو كان معايا أكل كل يوم كنت اتبرعت من غير ولا مليم» بس الحوجة سبب بيعى لدمى.
 

 
أما بشر فهو صديق شريف فى نفس دارالأيتام ورفيق كفاحه فى ليالى المطر والحر ولكن بشر لديه علم بأن نوع فصيلته نادر O- فتعامل مع الموقف بحرفية البائعين وبدلا من التبرع به للعربات المختصة ببنك الدم أصبح مكانه مستشفيات المنيرة ومعهد الأورام وقصر العينى ومن لديه مريض يحتاج إلى فصيلته يأخذ ثمن دمه حسب حالته الاقتصادية وهيئته الاجتماعية فيحصل أحيانا على 400 جنيه فى المرة وأحيانا أكثر وعندما تلتقى به ترى الشحوب فى وجهه واختفاء النضرة وعندما سألته قال: يا أستاذة فى ناس بتضر نفسها بالسجاير أو الكولة وناس زيى بتبيع فى نفسها عشان تعيش أقله أنا مبضرش حد غير نفسى وبفيد غيرى والتمن باخده من صحتى.
 
وعلى صعيد آخر يحكى لى دكتور محمد الذى رفض ذكر اسمه ثلاثيا وهو يعمل فى حملات التبرع بالدماء.. أن أغلب المتبرعين شباب وأكثرهم يأخذون ثمن تبرعهم وأنه للأسف الدور هنا يتوقف على الطبيب فهناك شباب أمى أو على الأقل غيرمثقفين ويطلبون منى أن أسحب أكثر من كيس دم ليحصلوا على مبلغ أكبر وللأسف منهم شاب كان يروى لى قصته عندما عاقبه والده وحرمه من المصروف فكانت وسيلته للحصول على المصروف التبرع بدمه وطلب أى مبلغ أمام كيس الدم فالأطفال والشباب لا علم لهم بقرارات الوزارة وأن هناك إمكانية لتحفيز المتبرع بمبلغ 10 جنيهات ولكن للأسف لم يصبح القرار محفزا وإن كان محفزا فى عام 94 فأصبح اليوم محفزا لأن تبيع الناس دماءها فى كل عربات التبرعات