الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قمة مجلس التعاون الخليجى، والتعنت القطرى

القمة الخليجية الـ 40، كان مقررًا أن تستضيفها دولة الإمارات، لكن حسابات داخلية أدت إلى الاعتذار.. عقد القمة فى أبو ظبى يفرض ترؤس الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة لها، لكن مرضه طرح إشكالية تتعلق بقواعد البروتوكول؛ فمن المفترض عند غياب الشيخ خليفة أن يخلفه محمد بن راشد بصفته نائبًا لرئيس الدولة ورئيسًا للوزراء، لكن ذلك قد يسبب حرجًا للملوك، وربما لمحمد بن زايد حال مشاركته كعضو فى الوفد، لأنه ولى عهد أبوظبى، الذى يحل بروتوكوليًا محل الشيخ خليفة فى كل فعاليات الإمارة، التى يعقد فيها المؤتمر، ما فرض اللجوء إلى السعودية لاستضافتها بالرياض، وذلك للعام الثالث على التوالى، بعد أن استضافتها 2017 بصفة دورية، و2018 بدلًا من سلطنة عُمان، التى اعتذرت بسبب مرض السلطان قابوس.



البيان المشترك حصيلة المؤتمرات يتم قياسها عادة بتحليل مضامين البيانات المشتركة.. وطبيعى فى وقت الأزمات أن تكون الحصيلة متواضعة، لكن أهمية بيان القمة أنه دعا إلى الوحدة، فى مواجهة عدوانية إيران، وأعاد التأكيد على أهداف الاتحاد «أى اعتداء على دولة بالمجلس هو اعتداء على المجلس كله».. المجلس الذى افتقد فكرة الدفاع الجماعى منذ أن نشبت أزمة الخليج منتصف 2017، أكد على ضرورة تفعيل آليات الشراكة الاستراتيجية، والتعاون بين دوله، وتحقيق التكامل العسكرى والأمنى وفقًا لاتفاقية الدفاع المشترك، وضرورة العمل مع الدول الصديقة والشريكة لمواجهة التهديدات الأمنية والعسكرية.. النصوص قد تعكس مرونة قطرية، بالنظر إلى أنها تستهدف إيران، حليف قطر، لكنها عمليًا لا تمثل تغييرًا فى مواقف الدوحة ولا تحالفاتها، وتظل مجرد نصوص سياسية، وإن أكدت أن تعميق التعاون العسكرى مع الولايات المتحدة هو عنوان المرحلة المقبلة.. البيان شدد أيضًا على أهمية الوصول إلى الوحدة الاقتصادية الكاملة والمواطنة الخليجية بحلول 2025، وضرورة تطوير آليات الحوكمة المالية والشفافية والمساءلة، وتوظيف التقنية لتقديم خدمات أفضل للمواطن الخليجى، وتحقيق الأمن الغذائى لدول المجلس، ولعل ذلك يكسب تعيين الأمين العام الجديد للمجلس ذى الخلفية الاقتصادية أهمية خاصة، تفوق اعتبارات التوازن السياسى التى اختير فى ضوئها. اختيار أمين عام جديد عبد اللطيف الزيانى الأمين العام الحالى للمجلس، البحرينى الجنسية تنتهى فترة مهامه نهاية مارس 2020، المفروض أن تحل محله شخصية عُمانية، نظرًا للتعاقب على المنصب من جانب شخصيات كويتية «عبدالله بشارة 1981/1993»، وإماراتية «فاهم القاسمى 1993/1995»، وسعودية «جميل الحجيلان 1995/2002»، وقطرية «عبدالرحمن عطية 2002/2011»، وبحرينية «الزيانى 2011/2020».. السلطنة فضلت أن تنأى بنفسها عن منصب، قد يدخلها طرفًا فى الإشكاليات الراهنة بين أعضاء المجلس، ما يتناقض وسياسة الحياد التى تنتهجها.. دفع مرشح إماراتى بديل يعمق الاستقطاب ضد قطر، وقد يؤدى لإجهاض محاولات المصالحة، وربما دفع الدوحة للانسحاب، وتهديد تماسك المجلس، مما يفسر تقدم الكويت بمرشحها.. الأمين العام الجديد الدكتور نايف الحجرف حاصل على دكتوراه فى المحاسبة من جامعة هال البريطانية، تولى عدة مناصب حكومية، ابتداء بوزارتى التربية والنفط مرورًا على رئاسة هيئة أسواق المال الكويتية وانتهاء بوزارة المالية. جهود الوساطة الكويت بذلت جهدًا كبيرًا لحل الأزمة الخليجية، إضافة لمساعى سلطنة عُمان، والمحاولات الأمريكية لتشكيل جبهة خليجية موحدة لمواجهة إيران، بدأت بمحاولة تسوية الخلاف.. مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى دعا دول المجلس إلى الوحدة لمواجهة إيران.. ديفيد جولدفين رئيس أركان القوات الجوية، زار الإمارات وأكد على ضرورة حل الأزمة، لاستعادة نظام الدفاع الجماعى فى مواجهة الخطر الإيرانى الذى يهدد المنطقة.. والرئيس ترامب كلف السفير الأمريكى بالرياض، الجنرال المتقاعد جون أبى زيد، ومسئولين آخرين من الخارجية، والبيت الأبيض، بتحقيق المصالحة الخليجية من ناحية، والتوافق على التهدئة كبداية لوقف الحرب فى اليمن من ناحية أخرى، حتى يتسنى الانتقال إلى مرحلة التفاوض للتوصل إلى تسوية سلمية، خاصة بعد أن تطورت المواجهة إلى استهداف مباشر للمواقع الاستراتيجية والبنية الاقتصادية السعودية. مظاهر خادعة هناك بعض المؤشرات لتحسن المناخ بين قطر ودول المقاطعة: أولها: تطور المشاركة القطرية فى التجمعات الخليجية؛ رئيس الوفد القطرى فى القمة 39 وزير الدولة للشئون الخارجية سلطان المريخى، حل محله فى القمم الثلاث «الخليجية والعربية والإسلامية» التى عقدت بمكة المكرمة 30 مايو الماضى الشيخ عبد الله بن ناصر رئيس الوزراء، فى أول تمثيل قطرى رفيع المستوى منذ فرض المقاطعة.. محمد بن عبد الرحمن وزير خارجية قطر، زار السعودية فى نوفمبر، للتفاوض بشأن إنهاء الحصار، والملك سلمان استقبل رئيس الوزراء القطرى والوفد المرافق خلال القمة الخليجية الـ40 بحفاوة ملحوظة. ثانيها: مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين فى بطولة كأس الخليج الـ24 عقب قرار سابق بمقاطعتها، وتسيير رحلات مباشرة وحضور المشجعين إلى الدوحة. وذلك إلى جانب تصريحات إيجابية صدرت عن مسئولين خليجيين فى سياق حل الأزمة.. فضلًا عن تحسن لهجة الإعلام الخليجى تجاه قطر ومسئوليها.. أما دعوة الملك سلمان لتميم للمشاركة فى القمة فلاينبغى التعويل عليها كمؤشر، فهى مسألة بروتوكولية صرفة، ومستوى مشاركة قطر فى القمم مهما سما لا قيمة له طالما أنها لم ترتق لمشاركة تميم، لأن ممثليه لا يتفاعلون مع القرارات عند صناعتها، ولن يلتزموا بها بعد صدورها، بدليل القرار الخاص بإيران، الذى لن يؤثر على موقف قطر من طهران بأى شكل. التعنت القطرى والحقيقة أنه بقدر تحمسى لفكرة المصالحة، لأن المنطقة خسرت كثيرًا من وراء جلب القواعد العسكرية التركية إلى الخليج، بقدر تمسكى بأن تقترن المصالحة بإجراءات عملية، تزيل ما ترتب على الأزمة من آثار، وعلى رأسها تفكيك تلك القواعد، وهذه مسألة فى تقديرى بالغة الصعوبة، لأن وجود القوات التركية مثَّل صمام أمن للنظام إبان الأزمة، مما يصعب معه التفكير فى التخلص منها لسنوات، وحتى فى حالة رغبة قطر فى ذلك فإن تركيا لن تنصاع لرغبتها، ولن تفرط فيها بسهولة، وفى كل الأحوال فإن ذلك يضعف من فرص المصالحة الحقيقية.. كذلك فإن نجاح قطر فى تجاوز صعوبات الحصار، وقدرتها على إيجاد بدائل للسوق الخليجية التى كانت ترتبط بها، شجعها على التعنت، وأدى إلى تباعد فى المواقف، وزير الخارجية القطرى أكد أن «الحديث لم يعد يدور حول المطالب الـ13 التعجيزية لدول الحصار، وشئون قطر الداخلية ليست محل تفاوض»؛ ووزير الدولة السعودى للشئون الخارجية رد بأنه «تم توجيه الدعوة لأمير قطر لقمة مجلس التعاون بالرياض، بيد أن تغيُّر الموقف معها مرهون بخطوات منها».. هذا التباين يعكس قدرًا كبيرًا من التباعد، ويحد من فرص انتهاء المفاوضات بالنجاح. والواقع أن التعنت القطرى أكدته العديد من المظاهر؛ أبرزها إعلانها المفاجئ أنها ستنسحب من منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» بعد عضوية دامت 57 عامًا، متعللة بالتركيز على إنتاج الغاز، وأن تأثيرها على قرارات الإنتاج النفطى بالمنظمة محدود.. قبلها تغيب تميم عن قمة مجلس التعاون بالرياض، دون أى اكثراث بالجهود التى تبذلها الكويت وعمان لتحقيق المصالحة، ولا بالمرونة التى تبديها دول المقاطعة العربية لإتمامها. وفى نفس الوقت استقبل تميم فى الدوحة مهاتير محمد ليبحث موضوعين؛ الأول: تفاصيل القمة الإسلامية الخماسية فى كوالالمبور، التى يتم طرحها كبديل منافس لمنظمة المؤتمر الإسلامى، التى تقودها السعودية، ويحظى داخلها الأزهر الشريف بمكانة متميزة.. هذه القمة بعد انسحاب إندونيسيا وباكستان منها أصبحت تقتصر على دول معسكر الأعداء؛ وهم إيران التى تسعى لحصار المملكة، وتركيا التى تهدف لاستعادة الاحتلال العثمانى لدول المنطقة، بالإضافة إلى قطر، ربيبتهما فى المنطقة. تميم بحث مع مهاتير الترتيبات المتعلقة بنقل بعض قيادات الإخوان إلى ماليزيا، للإيحاء بتخلى الدوحة عن التنظيم الإرهابى، رغم أنه سواء كانت قيادات الإخوان تقيم فى الدوحة، أو تركيا، أو ماليزيا، فإن تمويل إقامتهم تتحمله قطر، لكنها تستهدف الإيحاء برفع رعايتها عن التنظيم لنزع فتيل الأزمة، أملًا فى التوصل إلى اتفاق للمصالحة الظاهرية، وهو ما أكده رعاية الدوحة للقاءات فايز السراج «كرزاى ليبيا» ووزير خارجية ودفاع ورئيس الأركان التركى للتنسيق فى مواجهة الجيش الوطنى، بهدف وضع الترتيبات الخاصة بالتدخل فى ليبيا، لمنع تحرير طرابلس، واستمرار خضوعها للميليشيات. قطر لاتزال تلعب دورها التخريبى فى المنطقة، فماذا ننتظر منها تجاه مجلس التعاون الخليجى؟!َ.