الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مـدرستــى أكـلتهــا الحــرائـق

مـدرستــى أكـلتهــا الحــرائـق
مـدرستــى أكـلتهــا الحــرائـق


وكأنك أمام بقايا مدارس فى غزة أو سوريا فى أوقات الحرب.
الأدخنة لاتزال تتطاير من بقايا السلم الخشبى الأثرى ومن بقايا التخت الخشبية وأرضيات الباركيه.. ومن بقايا أدوات موسيقية قلما توجد فى مدارسنا اليوم.

لم يتبق من المقاعد والطاولات الكبيرة وتجهيزات المعامل وغرف الأنشطة إلا الهياكل الحديدية.
حوائط الفصول وغرف المدرسين يملؤها سواد الحرائق وفناء المدرسة مملوء ببقايا الأوراق والأشجار المحروقة. إثر الأحداث التى اندلعت فى شارع محمد محمود الأسبوع الماضى، حيث تقع المدرسة فى مرمى النيران.

هذا هو المشهد الذى رآه مدرسو ومديرة مدرسة الحوياتى الثانوية، المجاورة لوزارة الداخلية بوسط القاهرة.

الذى لم يختلف فى بعض تفاصيله عما حدث فى مدرسة القربية الإعدادية بنين التى تجاور الحوياتى، وفى أحد مبانى مدرسة ليسيه الحرية بباب اللوق، التى يطل بابها العتيق على شارع يوسف الجندى على بعد أمتار من وزارة الداخلية.

«صباح الخير» كانت هناك وسط المدارس المنكوبة.. وشاركت أهلها أيامهم الصعبة.
كانت طالبات مدرسة الحوياتى قد قضين يومهن الأخير فى امتحانات نصف العام الدراسى، قبل يوم واحد فقط من اندلاع أحداث الذكرى الثانية لثورة يناير.

المدرسة كانت فى أبهى مشهد بعد أن تم ترميمها وإصلاحها بعد أن تعرضت لبعض الحرائق والسرقات خلال أحداث محمد محمود الأولى فى نوفمبر ,2011 وتكلفت إعادة الإصلاح مايقرب من المليون ونصف المليون جنيه، غير الأجهزة والتجهيزات التى أهديت للمدرسة العريقة.

وما لبثت أن تعرضت لمرمى النيران مع الاحتفال بالذكرى الثانية، لأحداث محمد محمود فى نوفمبر الماضى قبل شهرين، وقضت الطالبات نحو الشهر فى مدرسة أخرى، لحين إعادة الأمور إلى ما كانت عليه فى المدرسة.

وفى هذه المرة لم يتبق من المدرسة سوى أطلال مبانيها وموقع على الإنترنت، وكان مبناها المميز، قصرا لباشا تركى يدعى الحوياتى باشا، وتحول القصر إلى مدرسة عام ,1944 وبعدها بثلاث سنوات صدر قرار نزع ملكيتها، وأصبحت ملكا للحكومة، وكانت مدرسة نسوية ثانوية «اقتصاد منزلى»، ثم تحولت إلى مدرسة ثانوى عام .1966

سقف المبنى الأساسى كان مزخرفا بالزخارف اليدوية المطلية باللون الذهبى، وسلالم خشبية ودرابزين من الحديد المطعم بالنحاس، على هيئة جذوع الأشجار.

ويتوسط المبنى نافذة كبيرة من الفسيفساء الملون، الذى يسمح لضوء الشمس بإضاءة ذاتية للمبنى، وبالمبنى الأساسى برج على الطراز الإسلامى يعد تحفة معمارية.

فى مساء يوم 25 يناير تابع المعلمون ومديرة المدرسة ومدير الإدارة التعليمية، مشاهد الاعتداء على المدرسة عبر التليفزيون، وانتظروا طلوع الفجر ليتوجهوا للمدرسة، وهناك هالهم ما رأوا .

«انتظرت حتى أشرقت الشمس وكنت أول من جاء المدرسة، كانت الأخشاب داخل المدرسة لاتزال مشتعلة، فقمت بإبلاغ المطافئ، لكنها لم تأت.. وتوالى مدرسو المدرسة فى الحضور وحضرت مديرة المديرية شاهيناز الدسوقى، أيضا، فبدأت مع المدرسين محاولات الإطفاء بأيدينا».

قالها محمد عطية مدير إدارة عابدين التعليمية.. وأكمل: كنت قد سلمت المدرسة قبل أسابيع 300 مقعد جديد، بتكلفة 90 ألف جنيه، حرقت جميعها مع حريق المدرسة، وكذلك تعرضت مدرسة الليسيه ومدرستا القربية والفلكى للسرقة والحرق لبعض مبانيها، لكنها فى النهاية ستكون جميعها صالحة للاستخدام مرة أخرى فى الفصل الدراسى الثانى.

 أما مدرسة الحوياتى فلن ينتهى العمل بها الآن، بعد أن احترقت بالكامل، وستضطر طالباتها إلى الانتقال إلى مدرسة عابدين الثانوية للدراسة خلال الفترة المسائية، وستنتهى فى الرابعة عصرا.

ويؤكد عطية على أن المسئولين كان بمقدورهم منع هذا الدمار الذى لحق بالمدرسة، لو تم نقل الحاجز الخرسانى من تقاطع محمد محمود مع يوسف الجندى، إلى تقاطع محمد محمود مع الشيخ ريحان، أبعد مما هو عليه الآن، لكن المسئولين كانوا دائما يقولون لنا «علوا سور المدرسة»!!
 

 جيتار على عربة كارو

 ويشاركه الحلم مختار حسن الحائز على لقب المدرس المثالى على مستوى الجمهورية عام 2008 ووكيل مدرسة الحوياتى، الذى بادر بالذهاب إلى المدرسة فور سماعه بالحريق وهو غير مصدق لما يحدث.

يصف مختار المشهد الذى رآه حين وصل للمدرسة أول يوم قائلا: «شاهدت اللصوص وهم يحملون بعض محتويات المدرسة فوق عربات الكارو، ولم أستطع أنا أو أى من المعلمين الذين حضروا وقتها أن نتصدى لهؤلاء أو نمنعهم من السرقة».

ويبين مختار حجم الدمار الذى ألحقه اللصوص قائلا: حرقوا 80 دولابا وأجهزة الكمبيوتر واثنين من آلتى البيانو الكبير الحجم، حرقوها لأن اللصوص لم يستطيعوا حملها وسرقتها، وحملوا معهم  جيتارات وسجاجيد وطقم أنتريه و3 ثلاجات و3 بوتاجازات وكل محتويات غرف الأنشطة.
ويشير مختار إلى أن سبب اختيار مدرسة عابدين الثانوية بنات ليقضى فيها طالبات الحوياتى الصف الثانى للعام الدراسى، هو أن المدرسة سبق أن استضافت طالبات الحوياتى، عندما تعرضت للتخريب فى 19 نوفمبر الماضى فى أحداث محمد محمود الثانية للسرقة وحريق جزئى، كما أنها مدرسة ثانوية بها معامل مجهزة وغرف للأنشطة وأجهزة كمبيوتر تناسب طالبات هذه المرحلة.

ويكمل: ولكن لضيق مساحة مدرسة عابدين وقلة عدد فصولها  مقارنة بالحوياتى، سيتم انتظام طالبات الصف  الأول والثانى الثانوى، أما طالبات الصف الثالث فسيتم التدريس لهن فى مدرج المدرسة بنظام المحاضرات وستقلل عدد الحصص الدراسية لقلة عدد ساعات الدراسة المسائية.
وتقول عفاف السيد مديرة المدرسة: «لن نستطيع العودة للمدرسة مرة أخرى هذا العام، فالأمر مختلف عما حدث للمدرسة قبل شهرين، هذه المرة المدرسة حرقت بالكامل، وسقطت أسقف فصولها، وسلمها الخشبى أتت عليه النار، عندما أنظر إلى غرفتى أعرف أنى لن أستطيع أن أعوض ما فيها من شهادات التقدير التى تثبت أن المدرسة هى الثانية على  مدارس الجمهورية فى نتيجة الثانوية العامة، وكل شهادات التقدير التى حصلت عليها طالبات المدرسة فى المسابقات التى  تعقد على مستوى القاهرة والجمهورية فى جميع الأنشطة.

وتكمل: قلبى يؤلمنى على كل ركن فى المدرسة، وكأن بيتى هو الذى حرق، حتى شهادات وأوراق الطالبات التى  كانت محفوظة فى شئون الطلبة كلها حرقت، وكذلك أوراق المعلمين التى كانت محفوظة فى غرفة شئون العاملين، وسيكون على كل طالبة وكل مدرس استخراج مستخرجات رسمية من كل مستنداتهم، كشهادات الميلاد، وشهادة الإعدادية وغيرها.

 من حرق مدرستى؟

رقية  علاء، الطالبة بالصف الثانى بمدرسة الحوياتى، تقول بصوت حزين: «أنا مش مصدقة إن مدرستى الحوياتى اتحرقت، ليه ومين اللى عمل كده، ومصلحته إيه، أنا مش هأقدر أروح مدرسة غير مدرستى».

وتقول زميلتها ندى مسعد: «أنا زعلانة قوى ومش قادرة أروح أشوف المدرسة وهى محروقة، ومش عاوزة أروح مدرسة عابدين، لأنها ضيقة والديسكات غير مريحة، وكمان هايكون عندى دروس بعد الظهر فى نفس وقت الدراسة بالمدرسة، ووالدى مش هايوافق إنى أروح مدرسة فترة مسائية.
ويعلق علاء ناجى الأستاذ بتجارة عين شمس وأحد أولياء الأمور على حريق المدرسة قائلا: «مش حرام يحصل كده فى مدرسة بنات، لو كنا نعرف اللى هايحصل للمدرسة.. كنا رحنا وقفنا وحميناها، أنا وأولياء الأمور مستعدين نبنيها من تانى».

 الليسيه كل ذكرياتى

وفى مدرسة الليسيه التى حرق مبناها الإدارى ومكان الحضانة وبابها الأثرى المميز، والذى كان قد نجا فى الأحداث التى وقعت بالمدرسة أيضا قبل شهرين خلال أحداث محمد محمود الثانية.
كانت ذكريات مدام ليلى الإدارية بالمدرسة قبل أن تصل للمعاش من عامين، «دى مش مجرد مدرستى اللى دخلتها فى الحضانة سنة ,1955 وخرجت منها من سنتين بس، دى كأنها بيتى اللى اتحرق».

وداخل المدرسة تقف المديرة نجوى الشرنوبى لتشرف على بناء بالطوب يسد مكان النوافذ المخلوعة للطابق الأرضى، حتى لا يدخلها أحد، بعد أن خلعت شبابيكها الخشبية والحديدية، عند إقتحامها خلال اندلاع الأحداث.

«الحرائق كلها محصورة فى المبنى الإدارى، الذى يتوسط مبانى المدرسة، المكتبة والحسابات ومخزن الحسابات، وأوراق المدرسة المهمة من 10 سنين، الحضانة، الخشب الموسكى والأرضيات والدواليب كلها حرقت، الباب الأثرى الضخم اتحرق عشان هو اللى بيفتح على شارع يوسف الجندى وشالوا الباب الحديد اللى وراه كمان» كما تقول نجوى.

ويقول حمدى محمود رئيس مجلس إدارة المعاهد القومية التى تتبعها المدرسة إن جملة الخسائر بالمدرسة تقدر بنحو 500 ألف جنيه، ونبدأ فى أعمال الإصلاح خلال الأيام المقبلة، من ميزانية المعاهد، وسنسد مكان كل الأبواب بالحجارة، حتى لا تحرق مرة أخرى، ليعود الطلاب إلى المدرسة فى 10 فبراير، ليجدوها جاهزة.