السبت 29 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بنحلـم بموتـة نضيفــة مش عيشة آدمية

بنحلـم بموتـة نضيفــة مش عيشة آدمية
بنحلـم بموتـة نضيفــة مش عيشة آدمية


 إذا أطلقنا عليها وصف منطقة عشوائية  فهذه رفاهية.. فحال العشوائيات التى قمت بزيارتها أفضل بكثير رغم كل شىء.. وكما يقولون «الجواب يبان من عنوانه».. ومن مدخل ترعة التوفيقية تستطيع أن تعرف حال أهلها أو سكانها.. فبدايتها حيث استقبلتنى  تلال هائلة من الزبالة بها خرفان غير واضحة المعالم والألوان بسبب  اتساخها.. فالخروف الأبيض لونه رمادى والبنى لونه أسود.. هذا بغض النظر عن الرائحة الكريهة التى كادت أن تخنقنى.. وضعت منديلاً على أنفى وبدأت أتفقد المكان قبل الدخول فيه.. فوجدته مجموعة من العشش تحت كوبرى عزبة النخل يحيطها من الجانبين أبراج سكنية عالية فخمة!

 
وبمجرد دخولى لهذه المنطقة علمت من أهلها أنها تسمى «ترعة التوفيقية».. وهى بالفعل منطقة تشبه الترع والمستنقعات.. فالعشش رائحتها أشبه برائحة المجارى.. وأهلها يعيشون عيشة بدائية وكلهم يعملون على باب الله.. فأثناء سيرى داخل المنطقة وجدت مجموعة من الأسر يشعلون النار ويلتفون حولها، وعلمت بعد ذلك أنهم يقومون بجمع الخوص والخشب ويشعلون فيه النار كنوع من أنواع التدفئة فى الشتاء.. رغم أنها تسبب لهم أمراضا صدرية خطيرة.. ولكن لايستطيعون الاستغناء عنها بسبب البرد القارس.. فالعشش هناك مبنية من الطوب اللبن وسقفها من الخوص المدود .
والعشة مكونة من غرفة واحدة ليس بها باب يكتفى أهلها بوضع ملاية على فتحة الباب.
والقليل منهم يضع بابًا من الخشب الضعيف «الملصم» لكنه لا يختلف كثيرًا عن الملاية.. أما بالنسبة للحمام فهو حمام بلدى وخارج العشة، ويشترك فيه10  أسر!.
وبابه لايستر من بداخله سواء رجل أو امرأة  أو حتى طفل.. وعلى الرغم من أن كل عشة تضاء على لمبة نيون فإن فاتورة الكهرباء مرتفعة تتجاوز المائة جنيه!! وهم لا يعرفون السبب.. ففى كل عشة لبمة واحدة فقط .
كل ما يريده أهالى ترعة التوفيقة هو أن يعيشوا عيشة كريمة مثل باقى الناس.. ويرون أن من واجب الدولة أن تحتضنهم وتتكفل بهم  وتحقق كل مطالبهم.. وتعاملهم كبشر!!
 نفسى حد يسمعنا ويوصل صوتنا
وأثناء سيرى داخل هذه المنطقة وجدت فتاتين تجلسان على باب عشتهما وتشعلان النار بجانبهما.. تقول أمل محمد- بائعة قصب:
الحياة هنا صعبة.. ومحدش سائل فينا..  وببيع القصب الواحد بجنيه وكذلك كوز الذرة.. وطبعا الحال واقف وكتير مببعش حاجة.. وطبعا الشغل ده مش بيأكل عيش.. لكن بحاول أعمل أى حاجة عشان أعرف أعيش!!.. ويوم ما أقول إنى اشتغلت بيدخللى 3 جنيه لـ5 جنيه فى اليوم .. وطبعا دول ميجبوش حتى عيش حاف!! احنا اللى زينا ملوش غير ربه هواللى بيتولانا برحمته .. تدخلت أختها معنا فى الحوار قائلة: أنا متجوزة وعندى أربع عيال وطبعنا عشان مش عارفين نعيش  جوزى طلقنى ورمانى أنا والعيال .. وبعدها أختفى ولا نعرف عنه أى شىء اذا كان عايش أو ميت.. وانهارت أسرة بالكامل ثم أشارت بيدها إلى الأطفال وقالت: زى مانتى شايفة مرميين فى الشارع  فى عز البرد لا بطانية تدفيهم ولا هدمة تقيلة تحمى جسمهم من البرد!! ثم أضافت قائلة: تزوجت مرة ثانية وأنجبت طفلاً واحد وزوجى كان أرزقى بسبب ضيق الحال بدأ يشرب مخدرات ودخل فى هذه السكة.. وكل مايشوفنى أنا أو أى حد من العيال يضربنا علقة سخنة.. طب العيال ذنبهم إيه!!.. إيه اللى فيها يعنى لو الحكومة وفرت لنا أكشاك نعرف نعيش منها..
 

القمامة والفوضى تسيطران على المنطقة
 نفسى أقعد فى شقة نظيفة شهر واحد وبعد كده أموت
وبعد ما أنهيت حديثى معهما وجدت سيدة عجوزة جدا تأخذنى من يدى وتسحبنى إلى عشتها وتتوسل لى أن أصور.. وعلمت بعدها أن هذه السيدة هى «أم جمال» فتحت لى باب عشتها كأنها فتحت لى باب جهنم رائحة العشة من الداخل تشبه رائحة المجارى بل وأكثر سوءًا..  ليس بها سرير فهى تنام على الأرض المبللة من تنشيع مياه المطر تحتها بطنية أطفال وعلمت بعدها أنها حصلت عليها من أحدى صناديق الزبالة الكبرى وفوقها ملاية خفيفة وعليها بطانية بها رقع كثيرة هذا ما تتغطى به فى الشتاء.. وأثناء سقوط المطر تضع طشت من النحاس فوقهم حتى تجمع فيه المياه التى تتساقط من سقف العشة.. وفى العشة لمبة نيون صغيرة.. وكراكيب أخرى وأثناء حديثها معى داخل عشتها وجدت فأرًا كبيرًا ينزل من السقف الخوص ويدخل فى هذه الكراكيب تحكمت فى أعصابى ومسكت صرختى  خوفا منه وأيضا من السيدة العجوز.. أخذتها فى الحال وخرجنا من العشة وعندما سألتنى عن الخروج فقلت لها: تخيلت أننى رأيت فأرا بداخلها .. فوجدتها تقول لى: أنا ممكن أوريكى كمان ثعابين وعرس.. ولو دققتى النظر كمان فى السقف ستجدى الدود يتساقط منه  بسبب العفونة وستجدى هذه الحشرات فى كل عشة.. وبدأت تروى لى قصتها قائلة: أنا عايشة هنا من 35 سنة وزوجى متوفى من 9 سنوات وعندى ابن واحد متزوج.. وأنا عايشة لوحدى فى العشة.. وكنت بشتغل فراشة فى مدرسة عشان أعرف أصرف على ابنى .. لكن بعد ما نظرى ضعف بقى لى سنتين قاعدة من غير الشغل.. وكل ما الحى ييجى يقول بكرة هنسلمكم الشقق الجديدة ولما ييجى بكرة يقولوا بعده ورقموا العشش وعلقوا فيها عدادات.. ومن ساعتها ووصل النور بيجى عالى 128جنيه و137 جنيه!! والنور عندى بشغله ساعة واحدة بس طول النهار بكون قاعدة على باب العشة وبطفئ النور بعد صلاة العشاء  عشان بنام.. يعنى مش مكفيهم إننا عايشين فى الشارع، لأ وكمان النور عالى ولما أشتكى لهم من غلوا النور يقولوا منعرفش!!.. طب المبلغ ده أنا أدفعه دلوقتى منين!!.. ثم تضيف قائلة: أنا نفسى أقعد فى حتة نظيفة حتى لو كانت فى جهنم الحمراء!!.. وبقلنا 41 سنة على هذا الحال.. وأنا دلوقتى على باب الله اللى بيعطهولى ربى أنا باخذه.. أنا كل اللى نفسى فيه أنى أقعد فى شقة نظيفة شهر واحد وبعد كده أموت عشان أموت موتة نظيفة.. عشان الناس اللى هتيجى تغسلنى تغسلنى فى حتة نظيفة وفى مكان واسع.. يعنى عشة بالشكل ده الكلب يقرف ينام فيها ما بالك بنى آدمين عايشين هنا.
 
 

 ما باليد حيلة
تركت هذه السيدة لأجد رمضان محمد فى انتظارى- 40 سنة- يعمل فى فرن عيش- فيقول: كل مسئول فى الحى  عايز  ينفينا أو يجيب شوية جاز ويولع فينا عشان يخلص من وجع دماغنا.. أنا عامل فران.. ورحت عشان اطلع لى شهادة من محو الأمية تقول إنى بعرف أقرأ وأكتب عشان أشتغل فى مكان تانى وأحسن دخلى.. لففونى حولين نفسى وفى الآخر مخدتش حاجة.. البلد دى مابتساعدش لا كبير ولا صغير اللى بيساعد هو ربنا!! ثم أكمل قائلا: البد دى عمرها ما هتخلص من الوسايط  وعشان اللى زينا ماعندهمش واسطة عمره ما هيطلع على سطح الأرض.
 حياتى الثمن
فرج عادل-30 سنة- يقول لى: أنا مريض وبتعالج على نفقة الدولة لكن لو وجدت مهنة مش هسبها، أنا فى عرض الجنيه عشان أعرف أعيش ولادى.. واللى بيجلنا من الحى عارفين اللى عندنا وعارفين معانتنا وعارفين العشش عاملة إزاى من الداخل وفيها إيه.. وساكتين طب هما منتظرين ايه يعنى.. نفسى بس حد يجاوبنى عن سبب سكوتهم وعدم اتخاذ أى إجراء فى صالحنا.. بقالى 25 سنة حياتى محطمة.. أنا بس كل اللى بتمناه إن عيالى ميشفوش اللى أنا شفته.. ويعيشوا حياة أحسن من اللى أنا عشتها دى مش عايزهم يتذلوا ويمدوا إيدهم لحد.. وأنا هفضل أنحت فى الصخر حتى لواللى هعملوا هيكون ثمنه حياتى.