الأحد 4 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ملايين للإنتاج والبث..وصفر للمشاهدة

ملايين للإنتاج والبث..وصفر للمشاهدة
ملايين للإنتاج والبث..وصفر للمشاهدة


 
 فاجأت وزارة التربية والتعليم موظفى قنوات النيل التعليمية الفضائية الأربع، بقرار إغلاق هذه القنوات ووقف العمل بها هذا الأسبوع، دون أى إخطار سابق، معلنة أنها ستفتح قناتين أخريين مع النصف الثانى من العام الدراسى.. ولم يجد الموظفون أمامهم سوى الاعتصام أمام مكتب وزير الإعلام، اعتراضا على قرار الإغلاق الذى اعتبروه ضربة فى مقتل لمصدر قوتهم ورزقهم،مؤكدين أن أسبابا أخرى غير معلنة وراء غلق هذه القنوات، تهدف إلى أخونة التعليم وقنواته التعليمية معا. أما الطلاب والمدرسون وخبراء التربية فكانت لهم آراء أخرى فيما حدث لهذه القنوات، وفيما يمكن فعله لإعادة إحياء ما مات منها إكلينيكيا منذ سنوات طويلة.
 
من ناحيتها أصدرت الوزارة بيانا أوضحت فيه أن قرار الإغلاق جاء تقليلا للنفقات من جهة، وكنتيجة لانخفاض نسبة المشاهدة من جهة أخرى، بحسب دراسة أجرتها الوزارة، وأنها ستقوم بفتح قناتين تعليميتين مع بداية الفصل الدراسى الثانى، بتكلفة تبلغ 01 ملايين جنيه، عبر التليفزيون المصرى.
 
وقال محمد السروجى المتحدث باسم الوزارة إن قرار الإغلاق جاء لتقليل مبلغ الـ22 مليون جنيه التى كانت تتحملها الوزارة نظير عمل هذه القنوات الأربع، وأن القناتين الجديدتين ستتضمن برامجهما ما كان يقدم فى القنوات الأربع بشكل جذاب، ومبهر للأسرة المصرية عامة.
 
 

د.ابراهيم غنيم
وسيشمل التطوير المادة العلمية التى تقدمها والمادة الإعلانية أيضا، لتدر عائدا ماديا للوزارة، وسيتم عرض برامج وأفلام وثائقية لجذب المعلمين والطلاب لمشاهدتها، وسيتم تغيير اسم هذه القنوات، لأن اسم القنوات التعليمية كان أحد أسباب انصراف الكثيرين عن مشاهدتها.
 
ويرى السروجى أن هذه القنوات كانت مهملة وضعيفة، وتطويرها جزء من خطة الوزارة للقضاء على الدروس الخصوصية.
وأكد مستشار وزارة التربية والتعليم عدلى القزاز أن تقليص عدد القنوات يأتى فى إطار الارتقاء بالمستوى التعليمى، وخلق قاعدة عريضة للتعليم لخدمة ملايين التلاميذ.
 
وأضاف: إن مركز التطوير التكنولوجى بالوزارة قد قام بإعداد مناهج تفاعلية جديدة، ستعرض على هذه القنوات، للارتقاء بمستوى برامجها، وستنتج برامج توك شو لمناقشة مشكلات التعليم ووضع حلول لها، بمشاركة المشاهدين من خلال الهاتف والرسائل الهاتفية.
 
 أخونة التعليم
 
بينما قال الموظفون إن الوزارة تتكلف فقط ثمن البث، الذى يصل إلى 4 ونصف مليون جنيه، بينما تتحمل وزارة الإعلام التكلفة الأكبر، وشككوا فى مصداقية الدراسة التى اعتمدت عليها وزارة التعليم فى مدى جدوى هذه القنوات.
 
واعترض سامح الشوادى المنسق العام للقنوات التعليمية على مبررات الوزارة، التى دعتها لغلق القنوات، مؤكدا أن حديث الوزارة عن أنها تتكلف 22 مليون جنيه غير حقيقى، لأنها تتكلف فقطقيمة التردد، الذى يصل إلى 5,4 مليون جنيه فقط، بينما تتحمل وزارة الإعلام والتليفزيون المصرى، تكلفة مرتبات العاملين والفنيين، والذين يبلغ عددهم 001 موظف بهذه القنوات.
 
ويتشكك سامح حول المدة الزمنية التى استغرقتها وزارة التربية والتعليم حول نسبة المشاهدة، والتى قالت أنها استغرقت 3 أشهر، مؤكدا أنها مدة غير كافية للحكم على جدوى القنوات التعليمية فى مصر.
 
ولا يقتنع سامح بمبررات الوزارة، ويرى أنها محاولة منها للاستحواذ على هذه القنوات لنشر فكر الإخوان.
ويستنكر حاتم عبدالخالق، المخرج بالقنوات التعليمية منذ 15 سنة، حديث الوزارة حول منطق التوفير، الذى تتخذه سببا للإغلاق قائلا: توفير إيه فى الوقت الذى تتحدث فيه الوزارة عن أن القناتين الجديدتين ستبثان أفلاما وثائقية وجرافيك ومسلسلات، ولن تستطيع وزارة التعليم تحمل إنتاجها وحقوق بثها إلا بدعم وزارة الإعلام.
 
أما المستفيدون من هذه القنوات فلهم آراء أخرى.
 
 

د.كمال مغيث
تقول فاطمة أحمد الطالبة بالصف الثانى الصناعى، بمدرسة النسيجية الصناعية بشبرا: أنا لا أهتم بمتابعة القنوات التعليمية، وزملائى أيضا، منذ سنوات طويلة، فلا نجد أنها تقدم لنا أى فائدة، وليس فيها مدرسون مشهورون، لأن المشاهير يتجهون إلى الدروس الخصوصية.
 
ويتفق معها كريم محمود الطالب بالصف الأول الثانوى بمدرسة التوفيقية، مؤكدا أن أحدا فى المدرسة لا يتابع هذه القنوات، ولا يطلب منا المدرسون متابعتها، أو الاستفادة منها، بالإضافة إلى أنه لا وقت لمشاهدتها بعد أن نعود من المدرسة، ونتابع الدروس الخصوصية أو المجموعات، لكى نصل إلى الأسئلة التى نضمن أن تأتى فى الامتحانات.
 
 جدوى التعليم عن بعد
يرجع تاريخ التعليم عن بعد إلى ستينيات القرن الماضى، عندما قدمتها الإذاعة المصرية لتعليم اللغات الأجنبية ومحو الأمية، لتنتقل هذه البرامج فى السبعينيات إلى التليفزيون، كالتى قدمها الخبير التربوى الشهير عبدالبديع القمحاوى فى برنامجه التعليمى لمحو الأمية.
هذا ما توضحه الدراسة التى أعدها د.نادر فرجانى خبير التنمية البشرية، عن دور التعليم عن بعد فى مصر، وأشار إلى تطور التعليم عن بعد فى العالم، الذى بدأ مع تطور شبكات البريد الذى أدى إلى إنتاج التعليم بالمراسلة عبر المواد المطبوعة والمكتوبة، ثم استخدام البث الإذاعى والراديو فى التعليم، لأول مرة فى العشرينيات بأمريكا فى أول ترخيص للراديو التعليمى.
ثم كان أول بث للتعليم فى التليفزيون عام 1950بأمريكا، وأكد فرجانى أن التعليم التفاعلى عن بعد، وما يعبر عنه فى شكل برامج تعليمية، تقدمها قنوات تعليمية فضائية، أمامه تحد حقيقى فيما يتطلبه من تكلفة مادية مرتفعة، كتأجير القنوات الفضائية، إنتاج البرامج ومدى جدوى هذا الإنفاق، مقارنة بمضمون البث وأوقاته، بالنسبة للمستهدفين.
 
 إهدار المال العام
يقول عبدالناصر إسماعيل ممثل اتحاد المعلمين المصريين، أنه لا جدوى من تطوير القنوات التعليمية، وأن أى تطوير لن يجذب المستهدفين، لأن التطوير الحقيقى هو تطوير المناهج الدراسية أولا، ثم تدريب المعلمين على المناهج المطورة، وتطوير وسائل وطرق التدريس والمدارس، فهذا هو التطوير الحقيقى الذى يهم الطالب والمدرس، ويقلل من الدروس الخصوصية، وليس تطوير القنوات التعليمية من حيث الشكل والإعلانات.
ويرى محمد زهران نقيب معلمى المطرية أن إهدار المال العام ليس فقط فى قنوات تعليمية نسبة مشاهدتها صفر، وإنما فى الإصرار على استمرار هذه القنوات، حتى مع تقليصها إلى قناتين، لأن هذا برأيه يجعل الوزارة تنفق ملايين الجنيهات، بهدف تلميع مدرسين يقدمون البرامج التعليمية، وصفهم زهران بأباطرة الدروس الخصوصية، الذين يستغلون هذه القنوات لزيادة شهرتهم وشهرة مراكز الدروس الخصوصية التى يعملون بها، ولا يستفيد من برامجهم تلك أحد، التى يستخدمون فيها طريقة التلقين النمطى فى شرح المادة العلمية، ولا تعلن الوزارة عن معايير اختيارهم، ولا عن العلاقة بينهم وبين مؤلفى الكتب الخارجية.
 
ويطالب زهران المسئولين بالوزارة بضرورة توجيه الأموال التى ستنفق على تطوير هذه القنوات، إلى تطوير المناهج الدراسية وتدريب المعلمين وزيادة المبانى.
 
ويرى العميد الأسبق لتربية عين شمس محمد المفتى أن تجربة استخدام القنوات التعليمية منذ السبعينيات، لم تكن ناجحة فى تحقيق الهدف الذى أنشئت من أجله، لأن هذه القنوات تعتمد على نفس طريقة التعليم التلقينى فى المدرسة.
 
ويرى المفتى أن تطوير هذه القنوات يجب أن يعتمد على طريقة القنوات التعليمية للتعليم عن بعد فى الجامعة المفتوحة ببريطانيا، لأنها تتبع أساليب تفاعلية، بين المعلم والطالب ويشارك فيها الطالب على الهواء فى وضع الأسئلة وحلها بطرق مختلفة كالاتصال بالتليفون، أو إرسال رسائل هاتفية، حيث لا تعطى المعلومة للطالب فى شكلها النهائى، وإنما يسأل ويجيب بنفسه.
 
ويلفت المفتى إلى أن مقدم البرامج التعليمية لابد أن يكون على جانب كبير من الجاذبية واللباقة مثل مقدمى التوك شو.
 
 الأفلام التعليمية
ويؤكد د.كمال مغيث ـــ الأستاذ بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية أن التعليم عن بعد أصبح الآن واحدا من أكثر الاتجاهات الإعلامية للتعليم فى العالم، فهناك الجامعة الافتراضية، والمدرسة الافتراضية على شبكات التواصل، وعلى الشبكة العنكبوتية، والتعليم المفتوح والتعليم عبر القنوات التعليمية، كما هو الحال فى مصر.
 
ويؤيد مغيث فكرة تطوير هذه القنوات التى تجعلها مشوقة ومتجددة وبها قدر من الحرية، وتعتمد على فكرة الأفلام التعليمية لإزالة الملل.
 
 
كاريكاتير:خضر حسن