الترامادول أصبح فى متناول يد الأطفال

هبة محمد
صيحة تحذير يطلقها دكتور سعد نجيب مدير مركز علاج السموم بجامعة عين شمس من خطورة غياب رقابة وزارة الصحة وجهاز سلامة الغذاء على الأغذية المتوافرة فى الأسواق المصرية، وحمل ذلك الإهمال مسئولية واقعة التسمم الأخيرة التى تعرض لها عمال مصنع العبور، كما دق ناقوس الخطر بسبب زيادة نسبة مدمنى الترامادول وانخفاض سن التعاطى إلى سن صغيرة، وأوضح زيادة نسبة المنتحرين من الشباب وإلى نص الحوار..
أثارت قضية تسمم عمال أحد المصانع بعد تناولهم وجبة أسماك ذعر العديد من المواطنين، فهل تم التوصل للسبب الحقيقى الذى أدى لتسمم العمال؟
- المسئولية ليست مسئولية المصنع الذى قدم لعماله وجبات السمك، لكنها مسئولية جهاز سلامة الغذاء ووزارتى الصحة والتموين، فيجب عليهم أخذ عينات دورية من كل ماهو معروض فى الأسواق من أطعمة والقيام بتحليله، حيث ثبت من تحليل بقايا طعام هؤلاء العمال أن سبب التسمم لا يرجع إلى سوء تخزين أو الحفظ أوحتى التلوث أثناء الإعداد والتقديم، لكن السمك نفسه كان مسمما لأنه تغذى على طحالب وأعشاب بحرية فيها هذه المادة السامة، التى تتراكم بدورها داخل لحم السمك ومن ثم تصيب من يأكلها بالتسمم.
وما أسباب حدوث هذه الظاهرة الغريبة؟
- لم تحدث هذه الظاهرة من قبل لأننا كنا نأكل أسماكا تم صيدها من أماكن آمنة، فالبورى والبلطى والقراميط يتم اصطياده من النيل أو من البحار قرابة الحدود المصرية، حيث لا يمكن أن تتواجد الطحالب المسممة، لكن نتيجة الصيد فى أعالى البحار حيث تتغذى الأسماك على الطحالب المسممة، واستيراد بعض أنواع من السمك من الخارج دون رقابة كل هذا أدى إلى انتشار هذه النوعية الخطيرة من الأسماك.
حذرتم قبل ذلك فى دراسة صادرة عن المركز من أدوية التخسيس رغم حصول بعضها على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية.. ما أسباب هذا التحذير؟
- هذه الأدوية تعتمد على مركبئيسمى «انفيتامين» وهذا المركب هو منشط يفقد شهية تناول الطعام ويسبب الإدمان مع طول فترة تناوله، وفى البداية كان يستخدم هذا المركب فى سباقات الخيول لتنشيط الخيول وجعلها لا تشعر بالتعب، وعندما وجدوا أنها تفقد الخيول رغبتها فى الطعام قرروا استخدامها بشرياً لكنها تتسبب فى مضاعفات أشد خطورة من السمنة ذاتها، كما أن الجرعة الزائدة منه تؤدى إلى التسمم، لدرجة أن بعض السيدات يأتين إلى المركز وقد حاولن الانتحار باستخدامئعقاقير التخسيس تلك.
وما أكثر الفئات العمرية التى تقبل على الإنتحار وما أسبابهم فى ذلك؟
- معظمهم من الشباب فى مرحلة عمرية مابين 81 و03 عاما وتتلخص الأسبابئ فى ضغوط العائلة على هؤلاء الشباب فى الدراسة مثلا، وأيضا الضغوط الإقتصادية حيث زيادة التطلعات فى مقابل تدهور الأحوال الإقتصادية لمعظم الأسر المصرية.
وما أنواع السموم التى يستخدمها المنتحرون الوافدون إلى المركز؟
- الجرعات الزائدة من الأدوية تقع فى مقدمة القائمة يليها تناول المبيدات الحشرية أو منظفات أو مواد حارقة.
من المعروف أن الأطفال أيضا هم ضحايا تسمم عن طريق تناول هذه الأشياء؟
- هذه حقيقة، لكن هناك فرقا بينهما، فمثلا تسمم الكبار بالأدوية يكون بغرض الانتحار لكن تسمم الأطفال بالأدوية يكون تسمما عرضيائنتيجة الإهمال، لأننا كشعب لا نقوم بإلقاء زجاجات الأدوية بعد الانتهاء من استخدامها بل نقوم بتخزينها فى أماكن فى متناول الأطفال رغم أنها غير موضوعة فى عبوات أمان حيث يسهل على الأطفال فتحها، كما أن وجود مستحضرات التجميل فى متناول يد الطفل وابتلاعها يؤدى أيضا إلى التسمم.
يعلن فى الفضائيات عن لاصقة امتصاص السموم من الجسم التى توضع فى باطن القدم قبل النوم لتمتص سموم الجسم أثناء النوم.. ما حقيقة ذلك علميا؟
- لقد جبت العالم كله تقريبا، ولم اسمع بهذا الاختراع سوى على شاشات الفضائيات المصرية، فلا يوجد شىء يمكن أن يمتص سموم الجسد والعملية لا تعدو سوى كونها نصب فى نصب.
يتعامل المدمنون مع الترامادول على وجه الخصوص باعتباره أحد المنشطات الجنسية ظنا منهم أنه لا يشكل خطورة، وأن تعاطيه لا يندرج تحت الإدمان- مامدى خطورة ذلك؟
- الترامادول عبارة عن مادة مخلقة شبيه بالأفيون أو المورفين، ويسمى قاتل الألم، أما الحديث عن أنه منشط جنسى أو ما شابه فهذا هراء، فالفكرة أنه يعمل حالة من الانشراح والسعادة ويفقد الإحساس بالوقت والمكان لذلك كل ما يعتقده المدمن قائم على الخيالات ليس إلا، والخطورة فى تعاطى الترامادول هى أن المريض يحتاج إلى زيادة الجرعة بشكل مستمر للحصول على التأثير المطلوب، فالجرعة التى تريح صاحبها اليوم لا يمكن أن تكفيه غدا، وبالتالى يدخل الإنسان فى جرعة زائدة مما يؤدى إلى الوفاة نتيجة حدوث التسمم أو هبوط فى مراكز التنفس داخل المخ، ومن يعتقد أنه لن يدمن الترامادول لأنه يتناول كميات قليلة منه فأقول له عاجلا أو أجلا سوف تسقط فى مستنقع إدمانه، وما ينطبق على الترامادول ينطبق على الحشيش لكن الفرق أن تأثيره الإدمانى أقل بكثير فالترامادول أشد خطورة منه.
هل لك أن تطلعنا على آخر إحصائيات المركز والتى لم يتم نشرها بعد بخصوص نسب الوافدين إلى المركز بسبب تسممهم بجرعات زائدة من الترامادول؟
- أُسعف فى المركز خلال العام الماضى حوالى 1600حالة كانت تعانى من أثار تعاطى جرعات زائدة من الترامادول يمثل السيدات فيهم من 5٪ إلى 10 ٪ وهى نسبة كبيرة بالطبع بالمقارنة بسنوات سابقة، علما بأن هذا العدد قد تضاعف خمس مرات على الأقل عن ثلاث سنين مضت، حيث كان عدد المسعفين داخل المركز من جرعات الترامادول الزائدة حوالى300 حالة، يذكر أننا نقوم فى المركز بإسعاف الحالات التى تكون على شفا الموت أما من يرغب فى استكمال علاجه فيحول إلى المركز المختص بعلاج الإدمان والتأهيل النفسى.
وكيف يأتى أصحاب هذه الجرعات الزائدة إلى المركز؟
- فى الغالب فإن السيناريو المتكرر هو أن يقوم مجموعة شباب بالتعاطى فى الشارع، فيسقط أحدهم فى غيبوبة نتيجة الجرعة الزائدة، فينفضوا من حولة ويتركونه مغشيا عليه، ومن ثم يأتى به الإسعاف إلى المركز.
وماذا عن إدمان الأطفال؟
يؤسفنى أن أدق ناقوس خطر وأعلن أن الترامادول أصبح فى متناول الأطفال الصغار، وآخر حالة كانت موجودة فى المركز كانت لطفل يبلغ من العمر 31 عاما جاء إلى المركز وأسعفناه من جرعة ترامادول زائدة كان للأسف يحصل عليها من داخل المدرسة، أى أن سن التعاطى قد انخفض ليصل إلى 31 عاما وهذا أمر خطير.
وماذا عن المشاكل التى يعانى منها المركز؟
- من المعروف أن المركز به جزء نتقاضى من خلاله مقابلا ماديا والجزء الأكبر بالمجان، تواجهنا مشكلة أساسية وهى أن حالات التسمم والانتحار تكون عادة فى طبقة إقتصادية فقيرة وقدرتها على الدفع منعدمة، وحتى مدمنى الترامادول يكونون عاطلين على العمل ومن طبقة اقتصادية لا تقوى على دفع التكاليف، والتأمين الصحى لا ينفق على علاجهم وبالتالى فإن قدرات المركز وإمكانياته تستهلك فى هذه النوعية من المرضى، مما يمثل ضغوطا هائلة على ميزانية المركز خصوصا أن علاج التسمم عالى التكلفة جدا، بالإضافة إلى أن مريض التسمم يحتاج إلى تحاليل عديدة وخاصة من يأتون فى حالة غيبوبة تامة فلابد من عمل فحص شامل لمعرفة نوع المادة المسممة لإعطائه الدواء على أساسها، كل هذا والمريض لا يدفع شيئا، وحالات التسمم تكون حالات طارئة لا يمكن رفضها، فنحن أكبر مركز يفتح ذراعيه للمرضى ويتحمل عنهم نفقات علاجهم.
وهناك مشكلة أساسية تواجهنا وهى فقدان التعاطف فبينما تنهال التبرعات على مستشفيات الأطفال يقف المتبرع عندنا ظنا منه أننا ننفق أمواله على مدمنى المخدرات، مع أننا فى الحقيقة نعالج أطفالا مصابين بالتسمم وحالتهم تكون فى منتهى الخطورة.