الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

السينما وطه حسين عندما يشارك الأديب فى صياغة أفلامه

السينما وطه حسين عندما يشارك الأديب فى صياغة أفلامه
السينما وطه حسين عندما يشارك الأديب فى صياغة أفلامه


ما أجمل أن تقرأ رواية تنال إعجابك، وما أروع أن تكتشف أن هذه الرواية تحولت إلى فيلم كتبه سيناريست ماهر، وأن المخرج هو هنرى بركات الذى كان دومًا فى أحسن حالاته وهو يتعامل مع الأدب؛ سواء المصرى أو العالمى، وقد كان جيلنا هو الـسعيد حين تهافتت السينما فى الخمسينيات وما بعدها على الأعمال الأدبية الكبرى لتقديمها، وقد كان الدكتور طه حسين (1889-1973) من أوائل من انتبهت إليهم السينما فى بداية الخمسينيات.
وكانت التجربة الأولى مع كتاب «الوعد الحق» الذى تحول عام 1951 إلى فيلم من سيناريو وإخراج إبراهيم عز الدين، المخرج القادم من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو لم يقدم للسينما المصرية سوى فيلمه «ظهور الإسلام»، كانت التجربة غريبة كأنما جاء الرجل لهذا الفيلم فقط، وليقدم أول محاولة تقريبًا فى الفيلم الدينى، بعد تجربة غير معروفة باسم «ابن عنتر» للمخرج أحمد سالم قبل ذلك بسنوات ثلاث.
غرابة التجربة أن إبراهيم عز الدين كأنما جاء فقط من أجل تقديم طه حسين إلى السينما، وكى يفتح آفاقًا واسعة للفيلم الدينى، الغريب أيضًا أنه لم يستند إلى نص إبداعى للدكتور طه حسين، بل رجع إلى دراسة حول دخول البسطاء فى الدين الإسلامى، خصوصًا العبيد، وعلى رأسهم أسرة عمار بن ياسر، التى عان الكثير من أسيادها سادة قريش الذين لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد، وكانوا يخشون على مصالحهم من العقيدة الجديدة. فتم تعذيب أفراد الأسرة بشدة كى يرجعوا عن إيمانهم لكن هيهات، ومن المهم الإشارة أن الدكتور طه حسين كان يكتب بعض دراساته الإسلامية بطريقة سلسة للغاية، أقرب إلى النصوص الإبداعية، وبدا ذلك واضحًا فى كتبه ومنها «مرآة الإسلام»، و«الشعر الجاهلى»، و«الوعد الحق»، وقد ذكر طه حسين فى بداية كتابه أن هذا الطراز من البشر بإيمانهم بالإسلام دخلوا التاريخ بقوة، وأن الدين بذلك أتاح الفرصة للعبيد أن يصيروا شخصيات طليعية. وقد كتب إبراهيم عز الدين الفيلم من أجل التوقُّف عند المعاناة التى عانتها أسرة عمار بن ياسر منذ أن جاء الأب ياسر إلى مكة المكرمة من اليمن مع إخوته وتمت ضيافتهم فى بيت واحد من سادة قريش هو حذيفة، وقد وقع فى هوى الوصيفة السمراء، وقرر أن يتزوجها، وأنجب منها ابنه عمار الذى جسده عماد حمدى، وقد عانت الأسرة من العداء والتعذيب على أيدى رجال أبى جهل بعد أن كانوا من أوائل من آمنوا بالرسول فصار الأب أول شهيد فى الإسلام، وزوجته الشهيدة الأولى، وقد تحمَّل الابن الكثير من أجل التمسك بعقيدته، ومن الو اضح أن كاتب السيناريو وضع فى ذهنه بعض الأفلام الأمريكية مثل «علامة الصليب» و«كوفاديس» الذى عُرضَ فى السنة نفسها، حول تعذيب المؤمنين على أيدى أسيادهم، كما وضع المخرج نصب عينيه جميع الممنوعات فى الفيلم الدينى المصرى، ومنها عدم ظهور شخصية الرسول أمام الكاميرا، وأيضًا الصحابة المبشرين بالجنة. وأُسندت البطولة إلى كل من كوكا، وعماد حمدى، وعباس فارس، وسراج منير، كما أتاح الفرصة للعديد من الممثلين الجدد للعمل بالسينما للمرة الأولى، ومنهم أحمد مظهر، توفيق الدقن، وكمال يس، وعبدالمنعم إبراهيم.
طه حسين لم يترك لغيره أن يكتب السيناريو، والحوار، فشارك فى الكتابة، وأكسب الفيلم اللغة العربية كما كان يتكلمها أهل قريش، وعليه فهو من الأدباء الذين حرصوا على العمل بالسينما، وتكرر ذلك إلى حد ما فى فيلمه التالي «دعاء الكروان» عام 1959، على يد الأديب يوسف جوهر والمخرج هنرى بركات. عن الرواية التى نشرها المؤلف عام 1934، والفيلم تدورأحداثه فى الريف المتاخم للصحراء حيث العادات القبليّة الصماء، وهذه هى الخادمة آمنة تطل على سماء الليل من نافذتها الصغيرة تناجى الكروان الذى تستمع إلى صوته العذب دون أن تراه وهو ينطلق خلف الغيوم، وتروى له قصتها مع مخدومها المهندس الشاب الذى تعمل لديه منذ فترة، ونعرف أنها جاءت للعمل بهذا المكان عن قصد، السيد هنا هو زئر نساء سبق أن غرر ببنات عديدات منهن أختها هنادى التى أوقعها فى الخطيئة، ولما صارت حاملًا قامت الأم بإبلاغ الخال، الذى قتل الفتاة الخاطئة، ثم واراها التراب غسلًا للعار، وقررت آمنة الانتقام لما حل بأختها، وأن يكون الانتقام من نفس نوع الجريمة، أى أن توقعه فى الحب، دون أن تسلمه سلاحها، فسعت للعمل لدى المهندس، الذى نسى تماما ضحاياه السابقات، وتقيم فى منزله تعمل على خدمته، فهامت به من دون أدنى درجة من المقاومة إلا لبضعة أيام، أثارت فيه الجنون ثم ذابت بين ذراعيه.
 فى الفيلم الذى قامت ببطولته فاتن حمامة، وأحمد مظهر، وزهرة العلا، وأمينة رزق،  ورجاء الحداوى، فإن الخال ظل يبحث عن ابنة أخته الثانية التى وقعت أيضًا فى الخطيئة، يقوم بإطلاق الرصاص على ابنة الأخت وهى فى بيت المهندس، إلا أن العاشق يتلقى الرصاصة بدلًا من حبيبته، أما رواية طه حسين فان آمنة وافقت على الهرب مع حبيبها، وعاشت معه فى المدينة ترتشف منه الخطيئة.
 الفيلم الثالث هو «الحب الضائع»، الذى تحول فى البداية إلى مسلسل إذاعى رمضانى فى إذاعة الشرق الأوسط من إخراج محمد علوان ومن تمثيل عمر الشريف وصباح، وسعاد حسنى، والجدير بالذكر أنه ليست هناك أى علاقة بين النص السينمائى الذى كتبه يوسف جوهر وبين قصة الفيلم الذى تدور أحداثه بين القاهرة وتونس، لكن التشابه واضح تمامًا بين الفيلم والمسلسل الإذاعى، فالنص الأدبى هو أقصوصة تقع فى 39 صفحة من القطع الصغير تدور فى الريف الفرنسى، المتسم بالتحفظ الشديد، حول فتاة تأخرت فى الزواج، والغريب أن الشخص الذى قام بهذا التحوير للمسلسل الإذاعى، لم يذكر اسمه، وكان الاهتمام فى المقام الأول أن المسلسل بطولة عمر الشريف الذى كان فى قمة تألقه فى السينما العالمية، وباسم كل من مؤلف الرواية، وكل من صباح وسعاد حسنى إضافة إلى المخرج محمدعلوان، وقد تصورت لفترة طويلة أن الكاتب هو أحمد صالح، الذى أنكر لى تمامًا هذا الأمر الذى ظل مجهولًا حتى الآن، وعلى كل فالموضوع متقارب تمامًا بين الفيلم الذى كتبه يوسف حوهر، وأخرجه بركات، وهو يدور حول وقوع رجل ميسور سعيد فى حياته الزوجية فى غرام صديقة زوجته الحميمة؛ حيث إن الزوجة تدفع زوجها إلى مواساة صديقتها بعد أن مات عنها زوجها، المريض بالقلب، فلم يستطع الاثنان كبت مشاعرهما، إلى أن قررت الحبيبة الخروج من حياة صديقتها إلى الأبد.
 إنها قصة حب بسيطة، أستطيع أن أقول أنها سبقت وتوافقت مع قصص الحب الرومانسية السينمائية التى تتضمن عددًا محددًا من الأشخاص مثلما سوف يحدث فى فيلم «قصة حب» إخراج أرثر هيلر، وفى الفيلم خرج بركات من القاهرة إلى تونس، حيث أقامت الصديقة مع زوجها الشاب التونسى المريض؛ حيث جسد الممثل على بن عياد دورالزوج وقد مات صغير السن مثل الشخصية التى جسدها، والحقيقة أن المسلسل الإذاعى كان أشد لمعانًا من الفيلم السينمائي،  وكانت صباح قد جسدت دور الزوجة فى المسلسل، وكان صوتها يجلجل وهى تغنى «ياخسارة، ع الأيام» وقد عادت زبيدة ثروت إلى التمثيل بعد أن ابتعدت عن التمثيل لسنوات بسبب الزواج والإنجاب، لكنها لم تكن فى ألق سعاد حسنى التى جسدت دور الصديقة فى المسلسل.
التجربة التالية لم تكن مأخوذة مباشرة عن نص أدبى للدكتور طه حسين، ولكن عن كتاب لكمال الملاخ باسم «قاهر الظلام» تحول هوالآخر إلى مسلسل إذاعى قبل أن يصير فيلمًا، والقسم الأول من الفيلم مأخوذ من كتاب «الأيام » للمؤلف خاصة الجزأين الأول والثانى، وحكى الفيلم الذى أخرجه عاطف سالم عام 1978 عن الطفل الذى ولد مبصرًا، لكن الإهمال الطبى أفقده نور عينيه، ويصف الفيلم مراحل الطفولة والشباب والرجولة لعميد الأدب العربى الذى سافر إلى باريس، وكانت الفتاة الفرنسية سوزان بمثابة النور الذى يرى به، وقد جاء عرض الفيلم بعد المسلسل التليفزيونى المأخوذ مباشرة عن الرواية باسم «الأيام» من إخراج يحيى العلمى، وتمثيل أحمد زكى وصفية العمرى، ولم تكن المقارنة فى صالح الفيلم رغم أن عاطف سالم هو المخرج، فى تلك الفترة كان الاهتمام الدرامى على أشده بالإنتاج الأدبى للعميد، قدم يحيى العلمى أيضًا مسلسلًا باسم «أديب» ولعب دور البطولة فيه نور الشريف.