ديـن + سياسـة = تطرف وإلحـاد

يارا سامي
[if gte mso 9]>
ونحن ندرس الفلسفة الوجودية لسارتر أيام الجامعة باعتبارها تعلى من قيمة الإنسان وتؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه وكان هذا هو قمة الإلحاد، كانت فى النهاية اقتراب من فكر إنسانى صاحب فلسفة انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية وما عرضت له الإنسان والإنسانية، وهذا ما استدعيته وأنا أتصفح بعض صفحات الفيس بوك والجروبات حيث كانت المفاجأة فى صفحات يتزايد عدد الأعضاء فيها يوما بعد يوم.. تعلن بصراحة صادمة ليس فقط إلحاد أصحابها، وإنما أيضا الفجاجة فى التجرؤ على الذات الإلهية وعلى الرسل والديانات السماوية.
صفحات جديدة على مواقع الفيس بوك تحمل اسم «الملحدون» كما تحمل أفكارهم وتوجهاتهم ودعواتهم للإلحاد وتنطوى على انتقادات تصل إلى حد السباب والتهكم من الأديان السماوية والرسل.
وكانت من أبرز تلك الصفحات على الفيس بوك هى صفحة تحمل اسم «ملحدون ضد الأديان التى تم إنشاؤها فى الأول من أغسطس عام 2011، أى بعد قيام ثورة 52 يناير بسبعة أشهر وينضم إلى هذه الصفحة حوالى أكثر من 4250 عضوا.. وشرح أدمن الصفحة أو المسئول عنها الهدف من الصفحة والتعريف بها ، وقام أدمن الصفحة بتصميم شكل لشعارهم وجعله صورة بروفايل للصفحة.
يتم من خلال هذه الصفحة إجراء العديد من المناقشات فى القضايا الدينية المتعددة فيطرح الأدمن الملحد قضية يتهكم فيها من رأى الدين ويدخل الملاحدة يؤيدون وجهة نظره الأمر الذى يستفز المسلمون مثلا فيحاولون دحض هذه الأفكار عن طريق تقديم الحجج والبراهين على صحة كلامهم
فيقول مثلا الأدمن:
رداً للكثيرين الذين يتهموننا بأننا هواة مسخرة وتاركى العلم، ولذلك سنمرح قليلاً ولمدة اسبوع مع من يقبلون الحجر الأسود ويبكون على جسد المصلوب ويهزون على حائط مائل سنرى من يجيد الشتائم أكثر وسنرى من سيكون صاحب أطول نفس ومن يليق به حفظ ماء الوجه فيغتاظ أحد المسلمين اسمه الحركى على الفيس بوك «صاحب الظل الطويل» فيقول: «أنا لا أراكم ملحدين، الملحد يتحدث بعقلانية يقدم أدلة وبراهين لكنى أراكم كومة من حثالة المجتمع تود الدخول من باب خالف تعرف، منكبين على السخرية من الأديان، الملحد يميل إلى الفلسفة وأنتم تميلون إلى الجهالة والرذالة، مع الأسف ما حصلتموه من فكرة الإلحاد هو سب الأديان، الملحد الحقيقى يفكر، يتبنى العلم والمنطق، محترم وانتم غير منطقيين لحد التفــــــــــــــــاهة.. لذلك أنا لا أرى أنه سيحصل لكم شرف إطلاقنا عليكم صفة «ملحدين».
نموذج آخر لما يكتبه الملحدون على الصفحة هو بعض الأقاويل المأثورة للكتاب ومشاهير الفكر مثلا يكتب الأدمن مقولة الكاتب الكبير إبراهام لنكولن والتى تعبر أيضا عن أفكار ملاحدة الصفحة:
«إن قناعتى السابقه بهزال عقيدة الخلاص المسيحية والأساس البشرى للأديان أصبحت وعلى مر الأيام أكثر قوة ووضوحا ولا أعتقد بأنى سأغير من نظرتى هذه».
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل يكتبون النكات التى تسخر من المسلمين ومن طقوسهم فى ممارسة عقائدهم غير أنهم ينشرون إعلانات «wanted» أى مطلبون لكل شيوخ الدين الذين يظهرون فى الفضائيات مثل الشيخ أبو إسحق الحوينى والشيخ حازم شومان والشيخ محمد حسين يعقوب.
صفحة أخرى للملاحدة وتحمل اسم «ملحدون بلا حدود وملحدون ولو كره المؤمنون»، وينضم إليها أكثر من 7931 عضو وتم إنشاؤها فى عام 2102 وشعارها «الفكر الحر هو أساس الإنسانية»، وهذه الصفحة تقوم على السخرية من تعاليم الدين الإسلامى، وما جاء فى الفقه والسنة ومغالطة السيرة النبوية والتعبير عن ذلك من خلال الرسوم الكاريكاتورية.
فعلى سبيل المثال قام أدمن الصفحة بنشر رسم كاريكاتورى يتهكم فيه من الحديث الذى تحدث عن فوائد شرب أبوال الإبل.
كذلك وجد رسما آخر يسخر من الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام مصورا أن هذه الأديان لا تدعو إلى السلام من خلال رسم حمامة السلام وقد دب فيها أسهم اليهودية والمسيحية والإسلام فى أجنحة بها عيون تبكى.
تقول دكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية: إن المجاهرة بالإلحاد هو بالتأكيد إعلان ظاهرى وليس حقيقيا وليس كفرا حقيقيا وهو نتيجة ورد فعل لالتصاق الدين بالسياسة والإعلان «أننا خارج الدين» لأنه الآن يتم تقييم من هم داخل الدين.. فالموضوع يأخذ شكلا سياسيا أكثر منه عقائديا، فهو نوع من الانتفاضة والرفض والتمرد وإعلان أنهم ليسوا تحت سطوة أصحاب الدين من يلعبون السياسة بالدين والإعلان أنهم خارج هذه المساحة ولا يجوز الاقتراب منهم فالمسألة تأخذ بعدا سياسيا وليس دينيا وهذا شكل ظاهرى وإعلان للرفض والتمرد على أصحاب اللحى وأصحاب الكلمة العليا ويلصقون بالرئيس.. فهم يريدون أن يكونوا تكتلا مضادا لاستبعاد فكرة ربط الدين بالسياسة.. فهى لعبة سياسية.. وتستطرد قائلة: «فالأمر به تمرد وتحدٍ ويتجاوز فكرة «خالف تعرف» بكثير والغرض منه إيصال رسالة لمن يستقوون بالسلطة، فلا يجوز لهم الاقتراب منهم فهم ملحدون خارج الدين.. خارج لعبة الدين التى يستخدمها التيار الإسلامى طوال الوقت».
وتضيف: الملحد يحتاج إلى حوار معتدل وليس متعصبا دينيا وفى نفس الوقت يرجح ان يكون للأزهر دورا فى هذه القصة.. فالشباب الملحدون مرتبكون يحتاجون إلى من يوجههم لأنهم خرجوا عن شعورهم وعن عقيدتهم الحقيقية لمجرد الرفض بعنف، وأنا أثق أن لديهم القاعدة العقائدية سليمة ولكنها لعبة سياسية ولابد من توجيههم للتعبير عن رفضهم ولكن بطريقة أخرى غير الإعلان عن التبرؤ من العقيدة.
أما دكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية: أنا حزينة لما يحدث فى مصر فأصبح الآن هناك دعاية علانية ضد الإخوان المسلمين وضد التيار الإسلامى وضد كل من يتمسك بالدين وهذه الدعاية الإعلامية ظهرت ببشاعة فى الفضائيات وفى صحف المعارضة مما أدى إلى حدوث بلبلة فكرية لدى المصريين فأصبحوا يشكون فى الدين وهذه كارثة.. فأصبحوا يشكوا فى أن الدين يساعد على التحضر والمدنية بل ربطوا الدين بالرجعية وأصبحت الدعاوى المفسدة والمغرضة تلعب بأفكار الشباب لأن الشباب أنفسهم يكونون مترددين من الناحية الأخلاقية والدينية ولديهم الإحساس بالتمرد فعندما يجدون الدعوات والنزعات التى تحد من الاستمرارية الدينية أو تتهم المتدينين بأنهم لا أخلاق لهم فهذا يعطى فرصة للشباب لاتخاذ الاتجاه الآخر وهو الإلحاد، ومن هنا سنجد الآن فى مصر نزعات معارضة للمعارضة.. فالأمر ليس له علاقة بالدين فعندما يختل نظام الحكم تختل معه الأخلاق ويختل الدين، وهذا هو ما يحدث فى مصر وأنا لا أدرى ماذا تريد المعارضة فى هذا المجال إلا إفساد المجتمع المصرى.. ومن هنا أقول إن أى مجتمع لا يوجد به استقرار سياسى أو اقتصادى لابد أن تحدث فيه هزة أخلاقية.∎