السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الواقع المعزز..ومستقبل اللوحة التشكيلية

الواقع المعزز..ومستقبل اللوحة التشكيلية
الواقع المعزز..ومستقبل اللوحة التشكيلية


كتبت: د.نادية وهدان
تخيل أنك تمتلك القدرة على إنشاء عوالم افتراضية تفاعلية تنبض بالحياة ومليئة بالمعلومات والتفاصيل الدقيقة حول مكوناتها…الأمر سيكون ممتعًا حقًا لو تحقق على أرض الواقع. لكن هل تعلم أن هذا الأمر قد انتقل حقًا من عالم الخيال إلى العالم الحقيقى بفضل تقنية الواقع المعززAugmented reality، فهذه التقنية تسمح لك بفعل ذلك عبر إسقاط طبقات افتراضية من المعلومات الرقمية على العالم المادى، التى يمكن عرضها من خلال الأجهزة الذكية التى أصبحت فى متناول عامة الناس.

     يعود تاريخ ظهور تقنية الواقع المعزز إلى بدايات الستينيات، ففى عام 1962 قام المصور السينمائى (مورتون هيليج) Morton Heilig بتصميم جهاز محاكاة لدراجة نارية بالصوت والصورة، كما شهد عام 1975 ابتكار (مايرون كروجر) Myron Kruegr جهاز يتيح للمستخدمين التفاعل مع العناصر الافتراضية، أما صياغة المصطلح فعليّا فيعتبر حديث نسبيّا؛ ففى عام 1990 قام (توماس كوديل) Thomas Caudell الباحث فى شركة بوينج الأمريكية بإطلاق مصطلح (الواقع المعزز) على شاشة عرض رقمية كانت ترشد العمال أثناء عملهم على تجميع الأسلاك الكهربائية فى الطائرات.
  والواقع المعزز هو نوع من الواقع الافتراضى، الذى يهدف إلى إنشاء عرض مركب يمزج بين الواقع الحقيقى الذى ينظر إليه المستخدم، والواقع الافتراضى الذى تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر، الذى يعزز الواقع الحقيقى بمعلومات إضافية، ويهدف إلى تحسين الإدراك الحسى للعالم الحقيقى الذى يراه أو يتفاعل معه المستخدم، كما يهدف إلى إنشاء نظام  لا يمكن فيه إدراك الفرق بين العالم الحقيقى، وما أضيف عليه باستخدام تقنية الواقع المعزز، فعند قيام شخص ما باستخدام هذه التقنية للنظر فى البيئة المحيطة به من خلال الأجهزة المحمولة أو النظارات الخاصة فإن الأجسام فى هذه البيئة تكون مزودة بمعلومات تسبح حوله وتتكامل مع الصورة التى ينظر إليها الشخص..وتعتمد تقنية الواقع المعزز على نظام يربط معالم من الواقع الحقيقى بالعنصر الافتراضى المناسب لها والمخزّن مسبقًا فى ذاكرته عن طريق البرمجة، كصور المكان أو فيديو تعريفى أو أى أصوات وتأثيرات أخرى تعزز الواقع الحقيقى، خلال عمل ارتباطات تشعيبية للمعلومات شديدة التعقيد ومدخلات دقيقة ومحددة، وهناك طريقتان لعمل الواقع المعزز؛ الطريقة الأولى باستخدام علامات Markers تستطيع الكاميرا التقاطها وتمييزها لعرض المعلومات المرتبطة بها، والطريقة الثانية من خلال برامج تمييز الصورة Image Recognition لعرض المعلومات، وتستخدم كاميرا الهاتف المحمول أو الكمبيوتر اللوحى لرؤية الواقع الحقيقى، ثم تحليله تبعًا لما هو مطلوب من البرنامج والعمل على دمج العناصر الافتراضية به.. إن الفنان المعاصر يبحث عن المزيد من البرمجيات المستحدثة التى تسمح لأفكاره أن تصبح واقعًا افتراضيّا ممثلاً فى لوحة فنية. مما أوجب عليه أن يلجأ إلى استخدام تقنيات جديدة تجعل المتلقى أكثر تفاعلا مع العمل الفنى، ومن ثمّ فإن التطورات التكنولوجية غيرت فـى طبيعة استخدام بعض الفنانين للأدوات التقليدية داخل اسـتديو الفـن، وسمحت لهم بالدمج بين الأساليب التقنية القديمة وتطلعاتهم الفكرية الخيالية، وكانت هذه نقطة انطلاقى خلال البحث الدؤوب عن كل جديد فى مجال التكنولوجيا الرقمية؛ فقد حصلت على الدكتوراه فى الفن المعاصر، وتناولت فيها الأبعاد الفكرية والفنية لفن السريالية الجماهيرية Massurrealism، الذى اعتمد على خيال فن السريالية وجماهيرية فن البوب واستخدام التقنيات الرقمية، وأثبتت أن الفنان أصبح يستخدم الكمبيوتر بجانب الأدوات التقليدية فـى الإنتاج الفنى، وكذلك يستخدمه كوسـيط لإنتاج أشـكال فنية رقمية نادرة، فمـن عمليـة التصوير الرقمى والرسم بالحاسب الآلـى لأشـكال ثنائية وثلاثية الأبعاد إلـى الأشكال المتحركة الجذابة التى يتفاعل معها الجمهور.. ومنذ ما يقارب الثلاثة أعوام زاد شغفى بمعرفة ودراسة تقنية الواقع المعزز حتى أستطيع تحريك مفردات لوحاتى الفنية، وإكسابها طبقات افتراضية تفاعلية تنبض بالحياة. وقد تحقق حلمى فى فبراير الماضى، خلال معرضى الشخصى (ألوان الروح) الذى يعد أول معرض فنى بتقنية الواقع المعزز فى مصر والشرق الأوسط، والذى عرض بقاعة كلية التربية الفنية بالزمالك، التى أعمل بها أستاذًا مساعدًا بقسم الرسم والتصوير، وكان الهدف من المعرض استعراض جوانب العلاقة المتبادلة بين الفنون والثقافة والتكنولوجيا من خلال أعمال فنية تجسد أفكارًا عن الواقع والعصر، والتغيير فى طريقة تناول الشكل الذى يتطلب فكرًا جديدًا ومستوى غير مألوف فى الرؤية، وجاء اختيار قاعة الكلية لعمل المعرض عن قصد، فقد أردت إتاحة الفرصة لشباب الطلاب للتعرف على تقنية الواقع المعزز، والكشف عن العالم المنفتح على الآخر، ومتابعة الجديد فى الفن التشكيلى والاستمتاع بالتفاعل مع الأعمال الفنية، وكذلك طرح التساؤلات والاستفادة الفنية والعلمية. ولعلها نقطة انطلاق لشباب الفنانين المتطلعين إلى المستقبل والذين ننتظر منهم النهوض بالفن التشكيلى المصرى والارتقاء بالذوق والفكر والوجدان للمجتمع.