الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«التأديب الشرعى» يشجع العنف ضد الأطفال

«التأديب الشرعى» يشجع العنف ضد الأطفال
«التأديب الشرعى» يشجع العنف ضد الأطفال


جروحٌ وكَىٌّ بالنيران، وجلطاتٌ وكسورٌ بالأطراف، وغيرُها من أشكال التعذيب والضرب المُبرح  التى تفضى أحيانًا إلى الموت، والتى تمارَُس من قِبَل الأهل أحيانًا كما حدث مع الطفلة «جنة» ذات السنوات الخمس الأسبوع الماضى.
كلها تمارَُس تحت غطاء قانونى أو تفاسير دينية، تحت مسمى «الـتأديب الشرعى»، وهى العبارة الموجودة فى قانون الطفل، ويطالب الكثير من المهتمين بحقوق الطفل بحذفها؛ حرصًا على سلامة الطفل وأمنه.
للعقاب وجُوه كثيرة
تشرح المحامية أميرة عبدالحكيم، مديرة المؤسسة القانونية لمساعدة الأسرة وحقوق الإنسان وعضو اللجنة العامة لحماية الطفل بمحافظة القاهرة، ما يعنيه «حق التأديب الشرعى» فى القانون وإلى أى حد يمكن الاحتماء به: «التأديب الشرعى هو تربية واتخاذ إجراءات من العقاب حال فعل الشخص لخطأ، ويكون كما نَصَّ  الشرعُ بضرب غير مبرح، أى دون إيذاء جسدى أو نفسى عن طريق الإهانة أو تعريض الطفل لخطر».
وتطرح «أميرة» أشكالًا من وسائل تأديب الطفل بعيدًا عن الضرب، «تأديب الطفل يمكن أن يتم بطريقة تربوية وليست عقابية، مثل حرمان الطفل من مكافأة ما، كان قد وُعِدَ بها حال اجتيازه لعام دراسى بتفوق، فتكون بمثابة عقاب وتأديب، طرد المدرس لأحد التلاميذ المشاغبين من حصة ما يفضلها وإلزامه بالذهاب لمكتبة المدرسة لترتيب الكتب بها هو تأديب تربوى أيضًا، فالضرب ليس الوسيلة الوحيدة للتربية والتأديب، وقد منعه الشرع والقانون فى حال تسببه فى تعريض حياة الطفل للخطر، والتعذيب والضرب المفضى إلى إزهاق روح».
حق الدفاع الشرعى
توضح «أميرة» أن «التأديب الشرعى» بالمعنى الذى شرحته يؤكد أن للعقاب والتأديب حدودًا، ومن حق المجنى عليه استخدام حق «الدفاع الشرعى» حال شعوره بالخطر. مضيفة: إن للإعلام دورًا مُهمّا فى هذه الأمور، ليس بتسليط الضوء على الجريمة فقط، وإنما من خلال نشر الوعى بين أفراد المجتمع والأسرة والمسئولين عن حضانة الأطفال بكيفية مواكبة عقول الأطفال ومتطلباتهم، وأساليب الجزاء الآمنة غير المهينة، كما أكدت على ضرورة النظر فى الطلبات المقدمة للبرلمان المصرى من قِبَل المنظمات الحقوقية، والمطالبة بتجريم العنف الأسرى ضد الأطفال لكبح مثل هذه الجرائم والحفاظ على حياة الأطفال.
احذفوه من قانون الطفل
وقال محمود البدوى، المحامى بالنقض وخبير حقوق وتشريعات الطفل ورئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، إن عبارة «حق التأديب الشرعى» الوارد بالمادة 7 مكرر (أ) من قانون الطفل 12/1996م المعدل بالقانون 126/2008م، هى عبارة مطاطة ذات معنى فضفاض دون ضوابط، تحمل الكثير من المعانى ومن الممكن أن يختبئ وراءها ويحتمى بها الكثير من عُدَمَاء القلوب والضمير؛ لأنها باب خلفى لممارسة العنف بحق الأطفال.. وطالب باسم جمعيته بحذف هذه العبارة حتى تتحقق مصلحة الطفل بأفضل صورة.
وأشار إلى خطورة أن تظل هذه العبارة كما هى فى قانون الطفل، بما تمثله من إباحة تعريض حياة الطفل للخطر وإهدار حقه إذا بطشت به أسرته تحت زعم تأديبه، بما ينتقص من حقوقه ويعرّض أمنه البدنى والنفسى لمخاطر لا يمكن تداركها.
يستوجب الأمر- كما يقول «البدوى»- إعادة النظر فى تعديل تلك المادة التى تتعارض مع مفهوم تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، الذى تبنته المادة 80 من الدستور المصرى، التى عبّرت كفالة الدولة المصرية لحقوق الطفل كاستحقاق دستورى مهم من الدولة بحق أطفالها الذين يقدرون بنحو 40.1 % من جملة تركيبتها السكانية.
إعادة النظر فى ترتيب الحاضنات
«آن الأوان لإعادة النظر فى قانون الأحوال الشخصية؛ خصوصًا ما يتعلق بترتيب الحاضنات من النساء طبقًا لما وُرِدَ بالمذهب الحنفى حتى إن كُنَّ غيرَ مؤهلات لتربية أطفال».. هكذا سَلّطَ رئيس الجمعية الضوء على المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929م المستبدلة بالقانون 100 لسنة 1985م، التى نظمت حق الحضانة للأم كأولى الحاضنات فى الترتيب، يليها أم الأم ثم أم الأب ثم أخت الأم ثم أخت الأب، وهو ما يكون فى كثير من الأحيان فى غير مصلحة الطفل كما حدث فى فاجعة الطفلة «جنة»، التى حصلت جدتها على حضانتها بموجب حُكم قضائى طبقًا لهذا الترتيب رُغم  عدم كفاءتها لهذا الحق.
واتفق معه هانى هلال، أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، الذى أكد على أن قانون الأحوال الشخصية واحدٌ من القوانين التى يثار حولها الجدل والخلاف بين منظمات المجتمع المدنى المعنية بحقوق المرأة، وتأخر تنفيذ التعديلات بهذا القانون نتيجة لهذه الخلافات.. وأضاف إنه من غير المنطقى أن يكون وضع الأب ضمن المسئولين عن حضانة الطفل بالمرتبة السابعة، فوجود الطفل بكنف أسرته هو الوضع الأفضل له، ولا بُدَّ من إعادة ترتيب الحضانة لضمان قدرة الحاضن على رعاية الطفل وتربيته وحمايته، «وجود الطفل مع جدته لأمّه أو أبيه قليلا ما يكون فى مصلحة الطفل من نواحٍ كثيرة .. كبار السّن غير قادرين على رعاية أنفسهم، إزّاى هيرعوا أطفال!!».
وأشار «هلال» إلى ضرورة أن تتم دراسة كل ملف على حدة على حسب ظروف الأسرة، وحسب قدرة الطرف الحاضن بما لا يتخالف مع مصالح الطفل الفضلى، فكل حالة لا تشبه أخرى، ويجب ألّا يكون هناك ترتيب مسبق. وأضاف: لا بُدَّ من إعادة النظر فى مؤسسات الرعاية الاجتماعية البديلة، فالدولة بإمكانها القيام بدور بديل للأسرة فى بعض الأحيان، فيتم نزع حضانة الطفل عن والديه فى بعض الأحيان لتتولاه الدولة ومؤسساتها المسئولة، مع تكوين لجان للإشراف على دور الرعاية الاجتماعية للكشف المبكر عن أى انتهاكات تتم بداخلها، حتى إن تم وضع الطفل فيها بشكل مؤقت لحين البت فى قضيته، كما هو الحال مع الطفلة «أمانى» شقيقة «جنة».
وفيما يتعلق بالمادة 7 مكررًا (أ) من قانون الطفل؛ لفت هانى هلال، أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، وواحد ممن شاركوا فى وضع هذا القانون، إلى أن هذه المادة تم وضعها لوقف أشكال العقاب البدنى داخل نطاق الأسرة ضد الأطفال، ولكن تم تشويها عام 2008م من خلال إضافة فقرة «مع مراعاة حق التأديب المباح شرعًا، يحظر تعريض الطفل لأى شكل من أشكال الإيذاء البدنى».. وأكد على أن إزالة هذه العبارة أصبح أمرًا مُلحّا فى ظل تفشى الانتهاكات داخل نطاق الأسرة ضد الأطفال، وضرورة إعادتها كما وضعت فى مقترح مشروع القانون: «يحظر تعريض الطفل لأى شكل من أشكال الإيذاء البدنى داخل نطاق الأسرة، ويعاقب مَن يقوم بمخالفة هذه المادة بالنصوص القانونية المتاحة فى قانون الطفل».