السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من جهات حكومية إلى جهات «ناضورجية»!

من جهات حكومية إلى جهات  «ناضورجية»!
من جهات حكومية إلى جهات «ناضورجية»!


 التقتْ صديقتى صاحبة الحكاية بالسيدة التى أخبرها المدير أنها رُشِحت من قِبَل أحد أعضاء مجلس الإدارة للعمل كمتطوعة.. وهكذا تنتهى مشكلة غياب فريق العمل بقطاع التواصل بالجمعية، ويتم تحجيم إصرار الخواجة على تعيين مدير للقطاع.. ورغم اكتشاف صديقتى أن خبرة المرأة تنحصر فى مجال الدعاية والإعلان.. الذى تركته منذ حوالى 11 سنة، لكنها وافقت على التعاون معها، خاصة بعدما اعتذرت الشابة التى استعانت بها عن الاستمرار فى العمل، فى نهاية اليوم؛ فوجِئتْ بسؤال الخواجة عن أوراق السيدة، فاستنكرتْ  صديقتى سؤاله وعارضته.. ولكنه بكل هدوء أخبرها أنها الشخص الذى اختاره المجلس لتولى دور مدير القطاع، مبتسمًا بانتصار وافتخار، قائلا: واضح إنكِ تعرضت للكذب والمؤامرة!.


 المفاجأة
أزعجتها الأحداث وحَيّرتها، فاتصلتْ بعضو مجلس الإدارة، وسألته إذا ما كانت السيدة طرفه.. متطوعة أو موظفة؟ وبكل وضوح أخبرها: موظفة طبعًا! فقد قرأتْ إعلان الوظيفة وتقدمت بناء عليه! انقبض قلبها للمفاجأة، فانفجرتْ فى الرجل متسائلة: لماذا يتلاعب بها أعضاء المجلس، والإدارة؟ وكيف يأتون بشخص خبراته لا تناسب الوظيفة المطلوبة ويتجاهلون وجودها وخبراتها؟ فأخبرها أنه لا يريد استكمال المحادثة لأنه يهتم فقط بصالح الجمعية.
مفاجأة؟ سألتُها متعجبة: إذا كنتُ أنا لم أفاجأ من سلوك أعضاء مجلس إدارتك! بدتْ لثوانِ كمن أزعجها تعليقى،  ولكنها غضبتْ بحق حينما قلتُ لها: واضح أنكِ طيبة بجد! وقد نجحتُ فى إقناعها بأن الطِيبة ليست شرًا، فقالتْ: أعرف، وأدرك أنه ليس ذنبى أن يطمئن البعض لطيبتى،  فلا يهتمون بالتعرف على أبعادى،  ثم يلوموننى لأننى لم أحقق لهم توقعاتهم باستغفالي!.
 بعد محادثتى مع عضو المجلس - تستطرد- : أرسلتُ للمدير رسالة واتس آب أخبرته فيها بأمر محادثتى التليفونية، موضحة له إننى كنتُ أُفضل أن يخبرنى بنفسه بأمر السيدة القادمة لتولى وظيفتى أثناء عملى،  دون داع لهذه التمثيلية! فحاول إقناعى بأنه لم يكذب عليّ، بل شاركنى بالمعلومات التى يعرفها، وربما هو نفسه تعرض لخداع المجلس! سألتُها إذا كانت صدقته! فترددتْ قليلا، وبدتْ كما لو كانتْ تُعيد تفكيرها، وقالتْ: أريد تصديقه؛ رغم اعتقادى أنه وافق على تعيين السيدة للخلاص من إزعاج المجلس وصداع برنامج الإصلاح له شخصيًا، وفى نفس الوقت أعتقد أنه لا يريدها.. لئلا تكون شاهد عيان على المدى الذى صارت إليه الجمعية العريقة فى ظل إدارته، لأنها من دائرة معارفه، وهو يريد أن يحتفظ بصورته المثالية أمامها! وفى الصباح، قدمتُ له استقالتى المكتوبة، مثلما أوضحتُ الأمر لزملائى عبر مجموعة الواتساپ الخاصة بالعمل!.
مشيتِ؟ قدمتِ استقالتك فعلا؟ سألتُها بانزعاج واضح، فأجابتْ بثقة: نعم، وكنتُ فى قمة السعادة وأنا أترك هذا المجال الملوث بالطمع والمؤامرات التى تحاك حولى من أجل السلطة.. تتوقف للحظات وتلقى نظرها نحو السماء، قائلة بسخرية: تخيلى إن كل ما أعانيه فى هذا المكان بسبب الطمع فى السلطة والمال!.
فرق تسد
لم يناقشها المدير فيما قررتْ ولكنه أيضًا لم يقبل استقالتها! أما الخواجة، فلم يُعَلِق بكلمة واحدة رغم سعادة الانتصار البادية فى عينيه، مفتخرًا بنجاح الخطة التى رسمها مع زملائه فى أوروبا.. بدءًا باحتضان وكسب أعضاء المجلس فى صفهم، لقيامهم بتطبيق سياسة «فرق تسد» التى ينتهجها المدير ليضمن ولاء الجميع له وحده! وهكذا كانت الهيئة الأجنبية تعلن رضاها عن شخص على حساب الآخر، فيعظمون قيمة المطيعين والمنبهرين بهم على حساب غيرهم.. مثلما يفتحون الوظائف التى تناسب وجودهم وأهدافهم.. ثم يضغطون على الجميع باسم التمويل! كنت أسمعها بغيظ، وأخيرًا أخبرتها: الحقيقة أنهم بعجرفة، تسببوا فى المزيد من الضرر لجمعيتكم التى قضت على الكوادر الحقيقية التى اشتهرت بها!.
أى كوادر؟ سألتنى مستطردة: فقد تم تفريغ الجمعية من الموظفين المؤهلين ولم يعد هناك عمل حقيقى إلا بقطاعات المحاسبة والمراجعة (!) والقطاعات المستقلة عن فكى الإدارة لأنها تستطيع جلب التمويل وتمنح الإدارة نصيبها لتتصرف فيه بمعرفتها! بعلم ومعرفة الجهات الحكومية التى صارت بعضها تقوم بدور الناضورجى والمحامى عن فساد هذه الجمعية، مقابل حصول المفتشين على «المعلوم» فى ظرف وخلاص!.
الشخص المناسب فى المكان «غير» المناسب
على أى حال، تركتُ هذا الإزعاج خلفى،  ثم أغلقتُ حساب الفيسبوك وباقى تطبيقات التواصل الاجتماعى التى أنشأتها ومضيتُ! فهاج الخواجة وماج مثلما غضب عضو مجلس الإدارة إياه، وطالب بإجراء تحقيق معى،  فقلتُ لها: بالتأكيد، فقد أغلقتِ عليهم منافذ التواصل، ولكن لماذا أغلقتِ الفيسبوك؟ سألتُها، فأجابت: لأننى التى أنشأته عبر حسابى الشخصى،  مثلما أنشأتُ كل تطبيقات التواصل المجتمعى الخاص بالجمعية.. وببعض التحفز، أضافتْ: ثم لعلكِ نسيتِ إننى الوحيدة التى أعمل فى هذا القطاع!.
وقد وجدتُها فرصة لأسألها عن سبب عدم قيامها بتعليم وتأهيل أحد زملائها للعمل معها؟ ولماذا غادرتْ الشابة التى أتت بمعرفتها؟ وبنظرة عميقة فى عينيّ، أجابت: أولا.. الشابة قررتْ الانسحاب لأنها أدركت أنه مافيش فايدة، وأن مماطلات المدير بشأن ما تفعله ولا تفعله.. مجرد مقدمة لعدم تعيينها لأنها من طرفى، مثلما فاض بها الكيل من تجاهل مجلس الإدارة لوجودها! ثم يا سيادة الصحفية، استطردت قائلة: أنا لم أدرب أحدا من الزملاء لأن العمل فى قطاع التواصل بشقيه الإعلام والعلاقات العامة ليس مجرد وظيفة، وإنما يتطلب موهبة وشغفًا ورؤية واضحة، تعجبتُ قائلة: ولكن لا تقنعينى أن كل مسئولى التواصل فى مؤسسات الدولة والجمعيات الأهلية هم إعلاميون أو لديهم شغف! وقد صدمها قولى،  فرفعتْ حاجبيها وأجابتنى: لا يا سيدتى،  أنا لم أقل ذلك، ولكنى أقول إن أية مؤسسة ناجحة هى التى يتوفر بها هذه المعايير.. وهذا هو سر محدودية نجاح معظم المؤسسات على اختلافها، بسبب غياب الشخص المناسب فى المكان المناسب!.
سألتُها عن رد فعل مديرها، فقالتْ: بدا كأن الأمر لا يهمه، والحقيقة أن مشاكله مع المجلس والخواجات والممولين تكفيه، رغم نصحه لى بفتح الفيس بوك، وتأكيده بأن لا أحد سيتقدم للوظيف! وماذا عن الخواجة؟ ابتسمتْ، وهى تنظر للا شيء ثم قالتْ: منذ أيام قليلة، كنا نتشارك فى بعض القضايا الإنسانية، ففوجئتُ به يسألنى ضاحكًا: ما هو شعورك وأنتِ تفقدين وظيفتك؟ فأجبته: تقصد وظيفتى التى تسرقها أنت وزملاؤك؟ فضحك عاليا!