السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«البحر يجمعنا»..

«البحر يجمعنا»..
«البحر يجمعنا»..


يجتمع السينمائيون والنقاد والصحفيون والمصورون من «مصر وإيطاليا والمغرب والجزائر ولبنان وفرنسا» وغيرها من دول البحر المتوسط كل عام فى أحضان عروس البحر المتوسط، فى تجمع فنى ثقافى، والعامل المشترك بينهم فى الحكايات السينمائية هو شكل الأسرة، وقصص الحب والمشاكل الاجتماعية، فهل هناك رابط ما بحُكم المكان الجغرافى الذى يؤثر بالتأكيد فى التكوين الإنسانى؟


فما هى أهم ملامح سينما دول البحر المتوسط؟ وهل هناك ما يميزها؟ وهل توجد صفات وقصص اجتماعية مشتركة بين بلدان البحر المتوسط كما تتشابه الروح والرائحة فى تلك البلدان؟
وجّهنا هذه الأسئلة لمجموعة من كبار النقاد لمعرفة ملاحظاتهم حول سمات سينما البحر المتوسط.. لنقرأ ماذا قالوا:
الناقد الكبير «نادر عدلى» أكد على وجود هذه العلاقة الوثيقة بين ملامح ومواضيع سينما دول البحر المتوسط، قائلًا: «بالتأكيد يوجد مَلمح أساسى بين سينما دول البحر المتوسط، والارتياط بينهم هو البحر، بمعنى لو أن هناك على سبيل المثال مهرجانًا لسينما الصحراء فإن سمات الأشخاص وسلوكياتهم وطرُق تفكيرهم ستكون مختلفة تمامًا عن السينما التى يرتبط صناعها بالبحر،  والأمر نفسه مع الأشخاص الذين يرتبطون بالأنهار، فالطبيعة الجغرافية عليها عامل هام جدّا وكبير.
أضاف: وإذا نظرنا إلى أدب نجيب محفوظ سنجد أنه عندما أراد أن يتكلم عن مصر تكلم عن الحارة، و«حنا مينا» عندما كتب الأدب الخاص به تأثر بنشأته على البحر.. التواجد المكانى يعطى للبشر نوعيات من السلوك والتصرف مختلف عن بشر آخرين يعيشون فى أماكن منغلقة أو بعيدة عن البحار أو أى نطاق جغرافى مختلف، هذه هى السمة الأولى، أمّا السمة الثانية فتكمن فى أن الأشخاص الذين يعيشون أمام البحر عالمهم أوسع وخيالهم أرحب؛ لأن أمامهم سطحًا ممتدًا إلى ما لا نهاية، من جانب آخر فهم أكثر تفكيرًا فى الهجرة من غيرهم ولديهم تصور بأن مجرد ركوبهم لمركب أو فلوكة أو أى وسيلة أخرى ممكن أن ينتقلوا إلى حياة مختلفة، لذلك هم أكثر قدرة على التفكير فى السفر وعبور المكان والعودة..
أما النقطة الثالثة فتكمن فى علاقات الحب والزواج لا تكون منغلقة، فهى تكون فى عالم من الخيال نتيجة ارتباطه بالجو والاتساع، وبالتالى فنحن بالتأكيد أمام نتيجة هى أن سلوكيات الإنسان الذى يعيش أمام البحر بالتأكيد شبه مشتركة وبالتالى تنعكس على السينما ومواضيعها، وإذا ضربنا مثلا بالجزائر وتونس والمغرب كان الاحتلال الأقرب من أوروبا على الجانب الآخر من البحر، وهم أكثر الشعوب هجرة إلى الشمال، بعكس مصر كان ارتباط الإنسان فيها بالنهر، بينما أهل إسكندرية والمدن الساحلية أكثر تطورًا؛ لأنهم مرتبطون بالبحر؛ لأن المرتبطين بالنهر يخشون من ترك المكان والأرض، لكنْ «السكندريون» دائمًا لديهم الرغبة فى السفر والتنقل والهجرة، واليونانيون والقبارصة والإيطاليون هاجروا إلى الجنوب فجاءوا إلى مصر، رُغم أن حركة التاريخ دائمًا تقول بأن الاتجاه دائمًا للشمال ولكن خصوصية مصر جعلت الهجرة من أوروبا إلى الجنوب، وهذا أمر ملفت ويحتاج إلى دراسة خاصة.
• سمات ومواضيع سينما البحر المتوسط
وقال نادر: «قصص الحب والزواج تكاد تكون متشابهة وشكل العائلة وأساليب الرؤية للدنيا وارتباطهم بالبحر والأماكن المفتوحة بالتأكيد تؤثر بشكل كبير، كل هذا يترك تأثيرًا ما، ولو راجعنا الأفلام التى قُدمت سنجد هذه السمات وهذا التشابه، ولو لم تكن مصر تطل على البحر المتوسط وأتيح لأهم الأدباء والعلماء فيها السفر بالسفن والاطلاع على ثقافات العوالم الأخرى لكانت لم تشهد هذا التطور، ومن ناحية السلوكيات والتصرف وقصص الحب والارتباط فمصر أقرب فى مواضيع الأفلام إلى اليونان، أما من ناحية الحِرف والتطور الفكرى فنحن أقرب إلى الإيطاليين أكثر من الفرنسيين».
الناقد والكاتب د. وليد سيف، قال: «من الصعب علينا أن نقول إن سينما البحر المتوسط لها طابع خاص؛ لأنها سينما تجمع بين شمال أفريقيا وجنوب أوروبا..  ومن ضمن بلادها مثلًا فرنسا أعرق الدول السينمائية فى العالم.. لكننا نستطيع القول إنها سينما تتميز بالتنوع ويتأثر إنتاج معظم الدول؛ خصوصًا فى الشمال الأفريقى بالاتجاهات السينمائية الفرنسية والمصرية بشكل خاص، وهناك عدد من أهم الدول فى إنتاج السينما، ومنها إلى جانب فرنسا إيطاليا إسبانيا واليونان وتركيا.. وفى الجنوب إلى جانب مصر بتاريخها السينمائى العريق هناك المغرب التى تعيش نهضة سينمائية بفضل الانفتاح ودعم الدولة، وأيضًا تونس والجزائر، هذا فضلًا عن سوريا وفلسطين ولبنان.. أما على مستوى الموضوعات فأكثر الموضوعات المشتركة هى الهجرة غير المشروعة؛ لأنها تشغل الشمال والجنوب المتوسطى.. ومن الموضوعات المشتركة الربيع العربى ومشاكل المرأة..  والحقيقة أن هناك تداخلًا فى الرأى نبع من امتزاج الأجناس بين الدول بسبب الهجرة.. وبالتأكيد هناك موضوعات مشتركة إنما أساليب التناول هى التى تكون مختلفة.
 وليس هناك ضرورة لأن تكون هناك سمات أسلوبية فى أفلام المهرجانات الإقليمية.. صعب مثلًا أنك تتكلم عن سمات مشاركة بين السينما الآسيوية أو الأوروبية..  إنما المهرجانات تقام  لتبادل الخبرات والثقافات والحوار والتواصل بين الفنانين، فى دول متجاورة التى من الممكن أن ينتج عنها إنتاج مشترك أو ورش صناعة أفلام مشتركة أو منصات للدعم».
الكاتب والناقد الأمير أباظة- رئيس مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط- أكد أن هناك علاقة وثيقة بين سينما دول البحر المتوسط مع فروق طفيفة، قائلًا: «إن حضارة البحر المتوسط هى حضارة واحدة، فأنا كنت فى بيروت منذ فترة وأثناء وقوفى على البحر أخبرت صديقًا أنى أشعر أننى فى الإسكندرية، وفى إسبانيا تشعرين أنك فى الإسكندرية، وكذلك إيطاليا، وبالتالى هناك سمات واحدة، هذه السمات هى حضارة البحر المتوسط.. فى أوروبا وبعض الدول العربية هناك مهرجانات لدول البحر المتوسط نتيجة لهذه السمات المشتركة، الأخلاقيات المشتركة التى تجمعنا معهم، الحياة كلها متشابهة وحتى الطراز المعمارى تقريبًا واحد، إذا كنتِ تسيرين فى شوارع بلد من دول البحر المتوسط تجدى الناس تتصرف نفس التصرف والسلوك مع الفوارق الاجتماعية، وبالتالى ينعكس على السينما وموضوعاتها المنبثقة من هذا الشكل وهذا المجتمع».
 الكاتبة والناقدة ماجدة موريس، ترى ملامح هذا التشابه متجلية فى العديد من القضايا المطروحة والمهن البحرية وغيرها، وتقول: «نستطيع أن نقول إن هناك ثمة تشابه فى بعض القضايا التى تطرحها السينما اليونانية والإيطالية، والسورية، وسينما البحر المتوسط بشكل عام، فهناك تشابه فى بعض الموضوعات وهناك تشابه أيضًا فى الحياة الأسرية بطريقة ما وفى موضوعاتها، وظهر هذا من خلال متابعتى المستمرة للمسابقة الدولية فى مهرجان الإسكندرية، فلمست هذا النوع من التشابه الذى من خلاله تشعرين بسمات دول تقع فى منطقة جغرافية واحدة وتجدين أن هناك تأثرًا وتأثيرًا، ومصر كان بها عدد كبير من اليونانيين والإيطاليين والقبارصة إلى جانب العرب، ومن خلال السينما والأفلام نجد أن هؤلاء البشر حياتهم الإنسانية والعائلية فيها قدر من التشابه مع المجتمع المصرى، رُغم أنه كان مختلفًا أيام وجودهم فى مصر فإن هناك بعض ملامح التشابه المستمرة حتى الآن.
فعلى سبيل المثال الشكل الأسرى والقضايا العائلية وتأثير الأب والأم ودورهما الكبير فى حياة الأسرة كاليونان مثلًا، فالأب والأم دورهما هام جدا كالمجتمع المصرى، وهذا مَلمح من ملامح دول البحر المتوسط بشكل خاص، كذلك العلاقات بين الشباب والبنات والعلاقات العاطفية ليست مفتوحة وبها بعض القيود وليست كما هى فى السينما الأمريكية مثلًا أو المجتمعات الأخرى المنفتحة.
كذلك الفروق بين الأسر الريفية والأسر التى تعيش فى العواصم مثلًا والفروق الاجتماعية والفروق فى التقاليد والتحرر ما بين أهل العواصم وأهل المناطق الريفية.
وكذلك تشابه العلاقة بالبحر من حيث التعلق به والتأثر به، وسعة الأفق وكذلك المهن البحرية، وأثناء مشاهدتى هذه الأفلام كان لدى شعورأن أحداثها شديدة الشبه بمصر ومن الممكن أن تحدث فيها، أو هى قصص إنسانية قريبة جدا من القصص المصرية، ولكن لماذا لم تحصد سينما البحر المتوسط شعبية هوليوود أو بوليوود؛ لأن هوليوود هى الأكثر إنتاجًا وجمهورًا وتطورًا فنيّا وقدرةً على الوصول إلى ملايين البشر، وكذلك السينما الهندية التى تنتج أفلامًا يفوق إنتاج السينما الأمريكية، والعالم أصبح منقسمًا بين السينما الأمريكية الأكثر قوة وشهرة وبين السينما الهندية التى تلائم مجموعات إنسانية أكثر بساطة ومحبة للبهجة والاستعراض والرقصات.•