الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«كمال الملاخ»..

«كمال الملاخ»..
«كمال الملاخ»..


هناك أشخاص يمرون بالأماكن فتأخذ من روحهم وطاقتهم وصفاتهم، وهذه حقيقة وليست أسطورة أو جنونًا،  اختلفت أماكن إقامة مهرجان الإسكندرية على مَرّ السنوات، ولكن الحدث نفسه أخذ من صفات وروح وطاقة كمال الملاخ. مهيب وجذاب وتحيطه هالة ساحرة... طاقة حُب وألفة بين الجميع.
حلم وفكرة كانا يطاردان بعضهما ويتنافسان على الأولوية.. حلم إقامة مهرجان وفكرة تأسيس جمعية سينمائية، بدأت الفكرة والحلم والجهد والتحول إلى واقع فى مخيلة رجل يجمع بين دراسة العمارة والآثار والعمل الصحفى،  هو كمال الملاخ.

 كما سجل الناقد سمير شحاتة فى كتابه «الفرعون الأخير» الصادر عن الجمعية المصرية لكُتّاب ونقاد السينما ضمن سلسلة (كُتّاب السينما).
فى أبريل عام 1973،عرض «الملاخ» على وزير الثقافة آنذاك يوسف السباعى مشروع إقامة مهرجان  سينمائى، «تحمس السباعى ووعد بمناقشته مع باقى الوزراء والمسئولين لتوفير المخصصات اللازمة للمهرجان ليكون مشرفًا على المستوى الدولى  ويليق باسم مصر.
أدرك «السباعى» أهمية  إقامة مهرجان سينمائى دولى، والدور المهم الذى يمكن أن تلعبه مصر ثقافيّا وسينمائيّا من خلال هذا المهرجان؛ خصوصًا أن الأفلام المصرية كان لها تأثير كبير بالعالم العربى، وعملت على نشر الثقافة المصرية ولهجتها بكل البلدان العربية.. ومن حُسن الحظ أن يكون وزير الثقافة هو يوسف السباعى أحد أهم الملهمين للسينما.. بتحويل رواياته إلى أفلام، تمثل جانبًا مُهمّا فى تاريخ السينما المصرية،  أُختير أغلبها ضمن الأفضل فى المائة عام الأولى للسينما، وحققت نجاحًا جماهيريّا واسعًا مثل «أرض النفاق»، «نحن لا نزرع الشوك»، «رُد قلبى»، «حبيبى دائمًا»، «اذكرينى»، «السقا مات»، «إنى راحلة»، «الناصر صلاح الدين».
ذهب يوسف السباعى إلى وزير المالية لإقناعه بأهمية المهرجان كعمل ثقافى وقومى.. لكن بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة رفض وزير المالية دعم المهرجان، فقد كانت مصر على أعتاب خوض معركة تحرير الأرض، ما يتطلب تكريس كل الإمكانات لهذا الغرض.. قال وزير المالية: «إن تدبير الموارد المالية لقصور الثقافة  أمرٌ شاق، فكيف يكون الأمرُ بالنسبة لمهرجان دولى يستلزم  إحضار أفلام وبَدَلات سفر وإقامة واستقبال نجوم كبار ووفود ومراسلين أجانب؟» فبدا الطريق مسدودًا.
•  الجمعية
 اقتنع السباعى والملاخ أن الحل يكمن فى تأسيس جمعية سينمائية يمكن لها الحصول  على دعم من الشئون الاجتماعية وفقًا لقانون الجمعيات، ويمكن أيضًا أن تتلقى  دعمًا من غيرها من المؤسسات الحكومية وأيضًا غير الحكومية، وكانت الإسكندرية  أول مدينة فكر فيها كمال الملاخ ليقيم فيها المهرجانً، ولكن تأجلت الأولويات، بعد أن وجد اهتمامًا ومساندة من الدولة لمهرجان يقام فى العاصمة  «القاهرة».. وقبل مرور عامين من انطلاق «مهرجان القاهرة السينمائى الدولى بدأ الإعداد لإقامة مهرجان سينما البحر المتوسط فى الإسكندرية الذى انطلقت دورته الأولى عام 1979.
• الملاخ  وأبناء الإسكندرية
اهتم كمال الملاخ بضرورة وجود  مشاركة فعلية لأبناء الإسكندرية فى مهرجان يقام فى مدينتهم، فكلف أحمد الحضرى وفوزى سليمان لمقابلة  شباب الأتيلييه.. لكونهم نوافذ لنوادى السينما  بالإسكندرية.. والتقوا فى أحد المقاهى.. وتحمس الشباب لإقامة المهرجان.. وأقاموا حفل شاى بهذه المناسبة بفندق «سيسيل»،  فقد كان لديهم شغف كبير لمثل هذا المهرجان  لارتباطهم بنوادى سينما الفنون الجميلة  ونادى سينما الجزويت وتعرّفوا على مخرجين وفنانين كبار من خلال أنشطتهم.
وتم تحديد أهداف المهرجان فى نشر الثقافة السينمائية ومدى  التقدم الذى أحرزه الفن السينمائى فى شتى المجالات وتوثيق العلاقة بين سينمائيى دول البحر المتوسط  وسينمائيى دول العالم، وهذا ما حققه مهرجان الإسكندرية السينمائى منذ نشأته بسبب خَلق حالة حميمية وألفة  بين الفنانين والنقاد والصحفيين والجمهور بسبب الاحتكاك المباشر بينهم طوال أيام انعقاده لإقامتهم فى مكان واحد يشاهدون الأفلام والندوات ويتناقشون ويسهرون معًا فى جو من الحب والمودة حتى إن اختلفوا.. ويتخلل هذا أمسيات وسهرات مبهجة لضيوفه.
كان المخرجون والمنتجون يتسابقون للاشتراك فى المهرجان، وإذا فاز فيلم بجائزة  فهى تعلو أفيش الفيلم عند الدعاية له ومن خلالها يتم الترويج للفيلم عند بيع حقوق العرض الخاصة به، ويكفى القول إن هذا الفيلم عُرض فى مهرجان الإسكندرية، كان النجوم يتهافتون على جائزة تحمل اسم ذلك المهرجان.. وندواته ثرية بالمناقشات واختلاف الآراء تستخلص منها نقدًا راقيًا بين الجمهور والنقاد وصناع الفيلم.
• شعار الدورة الأولى
صمم شعار مهرجان الإسكندرية السينمائى فى دورته الأولى الفنان يوسف فرنسيس، قام فرنسيس بتصميم عروس البحر شعار المهرجان وقام بتجسيدها تمثالًا الفنان صلاح عبدالكريم وصبها بالذهب والفضة.
كانت الندوات فى البداية تُعقد  بحضور النقاد والصحفيين فقط مع المخرج ونجوم الفيلم، إلى أن  أدركت إدارة المهرجان أهمية مشاركة الجمهور بالندوات وأن هذا يثرى الندوات والمناقشات بين الجمهور والنقاد وصناع الأفلام، وهذه هى رسالة المهرجان.
• هيئة المهرجان الأول
تكونت إدارة الدورة الأولى لمهرجان  الإسكندرية الدولى لسينما البحر المتوسط، من كمال الملاخ رئيسًا، ومحمد الدسوقى نائبًا، وأحمد الحضرى مديرًا للمهرجان، وفوزى سليمان سكرتيرًا عامًّا، وحسن عبدا لرسول مديرًا للإعلام.
وبعد أربعين عامًا وببلوغنا الدورة الخامسة والثلاثين أعتقد أن حلم الأب الروحى «كمال الملاخ» قد تحقق،  فهذا الأثرى العبقرى المكتشف  رجل عاش فقط ليكتشف الكنوز،  ليقدم الروائع وينفض التراب عن كل ما هو ثمين، لن أتحدث عن اكتشافاته الأثرية الثمينة التى خلدها التاريخ باسمه لكنى سأتحدث عن مهرجان له سحر وهالة ليس لهما مثيل،  مهرجان أخذ من منطقته الجغرافية سحرها وعَبق رائحة بحرها وهيبة شخص الملاخ ذلك العبقرى الذى لن يتكرر فى شخصه ولا موهبته.. وكذلك هو مهرجان الإسكندرية السينمائى.•