الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ملحمة انتصار سام 3 على الفانتوم

ملحمة انتصار سام 3  على الفانتوم
ملحمة انتصار سام 3 على الفانتوم


كتب: حمدى حسين
 
بعد حصولى على دبلوم التلمذة الصناعية من الإسكندرية، وبعد وفاة عبدالناصر 1970، ذهبت لأداء واجب الخدمة العسكرية وروحى المعنوية مرتفعة، وكلى أمل أن ألحق بقواتنا المسلحة التى تستعد للأخذ بالثأر واسترداد الأرض والكرامة. شريط طويل يمر أمامى لمشاهد علاقتى بالكتيبة 599 فنية صواريخ سام 3، التى استمرت من نهاية عام 70 إلى أول يناير 1975 كنت فيها حكمدارًا لسرية الإشارة، تابعت فيها كل مراحل تدريب الجنود والضباط على كيفية تخزين الصواريخ وإخراجها وتجهيزها بكل المراحل، وصولاً إلى نقلها إلى كتائب النيران وعربات ومنصات إطلاق الصواريخ.

وقصة صواريخ سام 3 ووصولها إلى مصر من خلال اتفاقية بين الزعيم عبدالناصر والزعيم بريجنيف – تحتاج لسردها وقتًا طويلاً وصفحات كثيرة، ولكنى هنا سوف أسرد موجزًا لقصة قائد سرية إعداد الصواريخ واختبارها المهندس بنيامين قسطندى شنودة.. الصعيدى ابن أسيوط الذى تخرج فى هندسة أسيوط قسم كهرباء واتصالات فى شهر النكسة (يونية 1967)، وبعد تخرجه وتجنيده كضابط فى القوات المسلحة وقبل سفره إلى الاتحاد السوفيتى مع أول دفعة للتدريب على صواريخ سام 3، اختار شريكة حياته واحتفل بنصف الإكليل، وأجّل الزفاف لحين الانتهاء من أخذ الثأر من العدو الإسرائيلى.
بعد وصول القوات المصرية من روسيا ومعهم قوات روسية، بدأ التدريب المشترك على الأراضى المصرية بجدية وحماس على تجهيز الصواريخ وإعدادها للانطلاق وسرعة الدفع بها لكتائب النيران، وحقق المصريون بقيادة النقيب بنيامين نتائج مبهرة فى سرعة الإعداد تفوقوًا بها على الجانب الروسى نفسه، وأعيد الاختبار أكثر من مرة فيتفوق أيضًا الجانب المصرى، مما أدى بالقائد الروسى إلى تكدير كل أفراد الجانب الروسى بحلق رءوسهم.
كان دورى تحقيق التواصل بين السرايا الفنية بعضها ببعض وأيضًا تحقيق التواصل بين كتيبتنا الفنية وكتائب النيران، كنا قد انتقلنا لمواقعنا الجديدة المحصنة والتى أقيمت تحت وابل من القذائف الإسرائيلية، لاستقبال الكتيبة الفنية التى تمركزت فى الغردقة بقيادة المقدم فوزى شرف رئيس العمليات، وكنت أنا بعد ترقيتى لرتبة عريف وجزء من سرية الإشارة مع المقدم فوزى والنقيب بنيامين.
 أما باقى زملائنا فتحركوا إلى سفاجا، ونجحت كتائب النيران فى قطع الطريق على طائرات العدو من تهديد السد العالى أو قناطر نجع حمادى أو مصانع الألمونيوم.. إلخ،  ولأن النقيب بنيامين كان قريبًا منى ويعتبرنى شقيقًا أصغر له، كنت أعرف أنه كان يمضى معظم إجازاته بعيدًا عن أسيوط، فقد كان يصطحب معه للقاهرة أو الإسكندرية قائد الاختبار الروسى مستغلاً مهارته فى اللغة الروسية ليتعلم منه المزيد من خصائص سام 3، إلى جانب أنه كان دائم الاطلاع على كل الكتيبات والمراجع الخاصة بكل صاروخ.
بتاوى وقراقيش وصواريخ
كنا كجنود ننزل إجازاتنا فى موعدها ونأتى معنا بالزاد والزواد من أهالينا، فرغم هزيمة 67 وبعدها خوض جنودنا معارك الاستنزاف وسعى عبدالناصر لتعويض ما خسرناه من طائرات وأسلحة وإنشائه لحائط الصواريخ الذى تكلف كثيراً، كانت بيوت أهالينا فيها من الخير ما يسمح أن نحضر معنا بعد الإجازة زادًا وزوادًا.
كان أهالى زملائنا بالريف يصنعون الفطير والبتاوى والقراقيش والعيش الناشف، وكذا المرحرح إلى جانب إمدادنا بالبيض والمش والجبنة الفلاحى والقديمة.. أما النقيب- آنذاك- بنيامين فيقول لنا: المهم انتوا تنزلوا وروحكم المعنوية تبقى مرتفعة، وتجيبوا لنا ما لذّ وطاب.
ولا أنسى هنا أن أذكر أن القطاع العام كان يمد القوات المسلحة بالبطاطين والملابس العسكرية، وأيضًا بالمواد الغذائية من إدفينا وقها (مربات وفول مدمس وخضراوات ولحوم كلها معلبة)، هذا غير ما يصل إلينا من مواد غذائية طازجة، وعندما انتصرنا واسترددنا الكرامة، بدأ خروج دفعات تلو الدفعات من المجندين وإنهاء خدمتهم.. وخرجت أنا فى أول يناير 1975.
وقبل إصدار قرار إنهاء الخدمات أصدر الرئيس محمد أنور السادات قراراً بعدم إنهاء خدمة النقيب بنيامين قسطندى شنودة، وتكليفه بإعداد وتدريب دفعتين جديدتين من ضباط الدفاع الجوى، تخصص اختبار وإعداد الصاروخ سام 3، وبالتالى وللمرة الثانية تأجل زفافه لنهاية عام 1976.