السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العمر لحظة..

العمر لحظة..
العمر لحظة..


الرابعة عصرا أقود سيارتى على كوبرى أكتوبر ببطء نظرا للازدحام المعتاد.. أستمع إلى بعض الأغانى الفرنسية القديمة، مسافرة معها بروحى إلى ذلك الزمن الهادئ البسيط.. يفصلنى عن ذلك الزمن عدد سنين يبدو كبيرا لكنه مر بسرعة البرق أخذ معه بعضا من الأحباء والأهل والخلان الذين كنا نتدفأ بحبهم ونشعر بالبهجة والطمأنينة فى وجودهم..

رحلوا وتركوا لنا زمنا صاخبا باردا..زمن التواصل الاجتماعى.. زمن العزلة القاتلة وغربة الروح الموجعة.
 سابحة مع أفكارى ومستغرقة فى أحلامى، إذ بى ألمح  فى المرآة الخلفية للسيارة باقة زهور مبهجة تتراقص يمينا ويسارا.. ظننت فى بادئ الأمر أن هذه الزهور آتية من عالم الخيال الذى أنا غارقة فيه.. ولكن بعد تدقيق النظر اكتشفت أن باقة الزهور هذه بألوانها المبهجة تتوسط كابوت سيارة تقف خلفى مباشرة يقودها رجل خمسينى يرتدى بدلة سوداء وقميصا ناصع البياض تتوسطه بابيون وبجواره امرأة فى وسط الأربيعينيات ترتدى فستان زفاف أبيض..عدت سريعا من مدن أشواقى وبدأت أراقبهما فى المرآة والفضول يملأنى.. بحثت بعينى عن صحبتهما فلم أجد.. انتابتنى الدهشة.. لا رفيق ولا صديق.. هما فقط والفرحة تملأ وجهيهما.. فرحة غير اعتيادية.. فرحة ثمينة غالية تكسو ملامحهما.
يتمايلان على ما يبدو على أغنية، وقررت أنا أن تكون أغنية «زغرودة حلوة».. وجدتنى دون أن أشعر أبتسم ملء ثغرى والدموع تلمع فى عينى.. ما أجملهما.. ما قصتهما؟؟ هل وقعا فى الحب من أول نظرة وقررا ألا يضيِّعا ما تبقى من عمرهما؟؟ أم كانا حبيبين فيما مضى وفرقهما الزمان ثم تقابلا من جديد وتحديا كل من وقفوا فى طريقهما وما أعاق حبهما فاختطفا لحظات فرح رغم أنف الجميع؟؟ أم أنهما نصفان لروح واحدة كانا تائهين والتقيا بعد طول بحث وشقاء.. ينظر إليها كأنه لم ير فى عمره جمالا يضاهى جمالها.. يقبل يديها ويحتضنهما.. تبتسم هى فى خجل وحياء كأنها فتاة ذات عشرين ربيعا.
ووجدتنى دون أن أشعر أدعو لهما بطول العمر حتى ينعما بالسعادة ما استطاعا.. إن الحب الحقيقى يغنيك عن العالم.. هو ذلك الحب الذى تلتقى فيه بروح تشبهك.. هو ذلك الإحساس الدافئ الذى يبحث عن وطن يأويه.. فإن وجده استكان إليه ورفض أن يغادره.
تركتهما يمران بجوارى وفتحت النافذة لعلى ألتقط بعض موجات السعادة أو أستنشق بعض نسمات من مشاعر بدت حقيقية.. ثم وجدتنى أسير خلفهما ربما يدلوننى على طريق السعادة المفقود.
كم نحن تعساء فى هذا الزمن.. تركناه يصرعنا بمادياته وصراعاته ومشاعره المزيفة المبنية على المصالح فقط.. تركناه يسرق منا أجمل وأنبل ما فينا.. نحن الأحياء الأموات.. وتذكرت مقطعا فى قصة الروائى البديع يوسف السباعى «العمر لحظة» حين كتب.. «إن العمر لحظة قد يعيش الإنسان حياته كلها دون أن يجد تلك اللحظة التى تجسد عمرًا بأكمله، وقد لا يعيش إلا تلك اللحظة فتغنيه عن أى سنوات إضافية».