الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

العجلاتى راجع تانى!!

العجلاتى راجع تانى!!
العجلاتى راجع تانى!!


الحارة أضيق من أن تمر منها بسيارة، ربما تتسع بمشقة لمرور الكائن الجديد الذى هبط على شوارعنا منذ عدة سنوات المسمى توكتوك، لكنها أوسع من المحيط وهى تستقبل ضحكات الصغار وسباقات العجل، يلهون حيناً ويتشاجرون أحياناً أخرى.
يتدخل الكبار فيها لفض منازعات العفاريت الصغار، إجازتهم الصيفية لا تكتمل بدون العجلة، منهم من يؤجرها ومنهم من استطاع والده شراءها له.
هكذا هو الحال منذ عقود فى شوارع المحروسة، الحال فى الريف كالحال فى الحضر على تنوع أحيائه بين غنى وفقير، لاتزال الدراجة سمة أساسية من سمات المرح، بعد عام طويل بين أوراق الكتب والامتحانات، حتى أنواع الدراجات منذ زمن بعيد لم تتغير كثيراً بين الدراجة الثلاث عجلات وذات المقعدين أو السرعات تتنوع أمام أطفال الحى الاختيارات فى محل العجلاتى.
فى رحلة بحثنا عن دكان عجلاتى لم نوفق كثيراً فى البداية، فالمهنة لم تعد منتشرة كما مضى، كلما سألنا أحد المارة أو سكان الحى عن عجلاتى يختلط على الكثيرين الفهم بين عجلاتى تأجير وإصلاح الدراجات الهوائية أوعجلاتى الكاوتش الخاص بالسيارات والدراجات البخارية.
 يرسلنا صاحب الكشك إلى نهاية الشارع بينما يصف لنا البقال وصفة أخرى نقطع فيها نصف الكرة الأرضية ولا نصل إلى العجلاتى، إذا كنت محظوظاً سيدلونك على أقرب محل لبيع العجل.  لم نجد مبتغانا إلا عندما سألنا طفلا يبدو أنه تخطى المرحلة الابتدائية للتو، كان يقضى إجازته  فى دكان علافة بأحد شوارع شبرا مصر البعيدة عن الشارع الرئيسى، وصف لنا الصغير محل العجلاتى الذى يستأجر منه بعد انتهائه من العمل، وأضاف أن المحل لن يفتح أبوابه إلا بعد العصر، وهى معلومة لو لم يذكرها كنت سأصاب بخيبة أمل كبيرة حين أقطع الشارع وأجد أبواب المحل مقفلةً فى وجهى.
40 عاماً بين العجل بسبب صفعة
بعد العصر، وفى حرارة أغسطس الخانقة مع ارتفاع شمس النهار، كان يجلس عم عادل العجلاتى أمام دكانه يراقب الوقت لكل دراجة خرجت من محله، بينما يدخن نرجيلته فى مشهد معتاد فى الحارة، وسط جو الحى الشعبى وشجارات الأطفال يقضى عم عادل يومه منذ 40 عاماً.
رغم بلوغه الـ 60 لم يقنع بالجلوس وسط أبنائه وأحفاده فقط،لازالت مهنة العجلاتى تجذبه كما جذبته وهو طفل، يحكى عادل لـ «صباح الخير» عن اختياره لتلك المهنة وتفرده بها وسط إخوته الموظفين: «منذ 40 عاماً لا أعمل سوى بهذه المهنة وأعتمد عليها كمصدر رزق أساسى لأسرتى ويكفينى دخلى الحمد لله، المحل الذى أعمل به وأخزن به العجل إيجار قديم، قررت امتهان مهنة العجلاتى بسبب موقف حدث لى وأنا طفل، كنت أستأجر من عجلاتى فى منطقتى وبينما ألعب كسرت أحد أجزاء العجلة وضربنى العجلاتى على وجهى، كان يقول إن الجزء الذى كسرته يساوى 30 قرشا وهو قطعة تسمى (سيستين) وحين سألت عن ثمن تلك القطعة وجدتها بـ 10 قروش، فوجدت أن المهنة مربحة ومن هنا بدأت أشترى عجل من السوق وأؤجره وبدأت فى تلك المهنة التى سأظل أعمل بها حتى أموت».
من شلن إلى 10 جنيهات فى 40 عاماً
مهنة مستمرة منذ عشرات السنوات لا بد أن يكون أصابها من الزمن ما أصابها يحكى عادل «لم تتغير المهنة كثيراً عن زمان العجل لم يتغير منذ مدة، فأنا لا أشترى عجل من الأنواع الحديثة، لكن سعر الساعة تغير، بسبب غلاء الأسعار، فيما مضى كانت بشلن وقرش صاغ، حتى وصلت اليوم لتتراوح بين 6 و10 جنيهات، لدى أنواع العجل المعروفة ذات المقعدين والثلاث عجلات أو العادي، الإقبال على استئجار العجل مازال كسابق عهدى فى المهنة والحمدلله ماشى الحال، فى الأعياد المواسم يزيد الإقبال بشكل ملحوظ ويرتفع دخلى اليومى لكن فى أيام الإجازة العادية ربما أتحصل على 60 جنيهاً فى اليوم كله».
التصليح أجدع من التأجير
ليس فقط المستأجرين بل أصحاب الدراجات أيضاً يترددون على العجلاتى، فلا يسلم الطريق من مسمار أو قطعة زجاج تخرم الكاوتش أو يطرأ عطل على أى جزء فى الدراجة وهنا يلجأ الجميع إلى عجلاتى الحى، يقول عادل: «تتفاوت أسعار التصليح حسب العطل الكاوتش المخروم أصلحة بـ5 جنيهات والأعطال الأخرى لا تتعدى تكلفة إصلاحها 60 جنيهاً، أنا لا أبيع قطع غيار العجل أشترى ما أحتاجه للتصليح فقط ربما يأتينى من يرغب فى شراء عجلة مستعملة أحياناً».
وعن مستقبل مهنة عمره يقول عم عادل: «لا يوجد من يقبل على المهنة الآن وقل عدد الصنايعية بشكل كبير، يرسل الأهالى أبنائهم فى الإجازة لتعلم حرف مختلفة لكن منذ مدة لم يعد يرسل أحد أبنائه لتعلم حرفة العجلاتى أما زمان كان الكثيرون يفعلون».
 مبادرة دراجة لكل مواطن ربما تنعش مهنة العجلاتى حال تنفيذها
لم يكن عم عادل قد سمع بمبادرة دراجة لكل مواطن التى تحدثت عنها وزارة الشباب والرياضة إلى أن أخبرناه فعلق قائلاً: «مبادرة جميلة جداً العجل كرياضة مفيد جداً للأطفال، وعلى الجانب المهنى ربما تقلل المبادرة من استئجار العجل إلا أنها سترفع الإقبال على محال العجلاتيه للتصليح، لدى أحفاد وعندما تبدأ المبادرة سأجعلهم يشاركون فيها».