الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مش عايزيـن نمشى.. عايزين تطوير

مش عايزيـن    نمشى.. عايزين تطوير
مش عايزيـن نمشى.. عايزين تطوير


[if gte mso 9]>

Normal
0


false
false
false







MicrosoftInternetExplorer4








خرجت من عشوائيات مصر القديمة التى وصفتها من قبل بأنها منتجع العشوائيات فى مصر ولم أكن أتصور أننى سأقابل الأسوأ منها بكثير .. بالفعل هذا صحيح فقد اتضح لى أن عشوائيات مصر القديمة تعتبر أفضل بكثير من الذى رأيته بعد ذلك.. تركت مصر القديمة لأذهب إلى عشوائيات الشرابية.. وأنا فى طريقى إليها توقعت ما سيقوله لى الناس عن حياتهم ومشاكلهم لكن توقعاتى لم تكن فى محلها.
 
فبمجرد دخولى حى «حكر السكاكينى» الذى يبلغ مساحته الـ 10أفدنة بمنطقة الشرابية وهذا الاسم له دلالة يرجع إلى «السكاكينى باشا» فكانت هذه الأرض ملكا له وبعد وفاته جاءت الحكومة وحاولت أن تأخذ الأرض.. لكن عندما علم الورثة بذلك جاءوا عملوا عليها حكرا ومن بعدها سميت هذه المنطقة «بحكر السكاكينى».. فهذه المنطقة من أقدم المناطق فى مصر وتعداد سكانها كبير جدا.. ويقال إنها منطقة حيوية وصورة البلد وهذا على حسب كلام أهلها .. فالحكر له 6 مخارج كلها تؤدى إلى وسط البلد.. فعند مدخل المنطقة استقبلنى برج سكنى تحت الإنشاء وكان يوجد مكانه قسم شرطة تم بناؤه دون علم صاحبة الأرض، وهى ابنة السكاكينى باشا وبمجرد وصولها من فرنسا لأنها دائمة السفر هناك علمت بذلك قامت على الفور برفع دعوى قضائية على القسم وكسبتها بعد الثورة وقررت أن تبنى مكانه برجا سكنيا.. وبعدها بقليل قابلتنى مصانع البلاستيك ومصانع الزجاج والخردوات.
 
 وعلمت بعدها أن أصحابها يعيشون فى نفس المنطقة.. فى البداية تخيلت أن أهلها مرتاحون .. لأن المنطقة من الخارج لم توح لى بأننى سأصدم بواقعها الداخلى.. لكن هذا ما حدث لى بالفعل.. فبعد أن تركت المصانع خلفى.. وأثناء دخولى حى الحكر شعرت بشىء غريب بدأ يقبض قلبى وروحى.. وقفت للحظة ورفعت عينىّ كى أتفقد المنظر قبل الدخول لكنى وجدته مزريا للغاية.. بدأت أحدث نفسى كيف سأتعامل مع هؤلاء الناس، هل سيثقون فى ويتحدثون معى أم سينظرون لى بسخرية ويرفضون الحديث معى لأنهم شبعوا أحاديث! فالحياة فى الداخل لايمكن وصفها بالمرة.. فهم يعيشون فى عشش مبنية من الصفيح المصدى والصاج المنقور والخشب البائش المتهالك.. ووسط هذه العشش تجد بيتا مبنيا من الطوب الأحمر من ثلاثة طوابق لا تصل لها المياه.. حتى الشوارع ضيقة للغاية لدرجة أننى كنت أسير وأنا منحنية الظهر من البلكونات القصيرة جدا التى كانت تصدم رءوسنا عندما كنا نسير ورءوسنا مرفوعة.. فالبيوت أمام بعضها لدرجة أنه لا يوجد مكان للسير فى شارع.. والغسيل الذى كانت مياهه تتساقط فوق رءوسنا والبط والماعز المنتشر فى أرجاء المكان.. ومياه المجارى التى يلعب فيها الأطفال الصغار.. وملامح الناس الفقيرة والتجاعيد التى تملأ وجوههم من مصاعب الحياة وفقرها حتى ملمس جلدهم الناشف الذى شعرت به عندما كنت أصافحهم.. لكن رغم كل هذا إلا أنهم متمسكون بالعيش فيها رغم الحياة غير الآدمية التى يعيشونها.. حتى لو عرضت الحكومة عليهم مساكن أخرى فهم لن يتركوها فكل ما يريدونه هو تطوير المنطقة.. والجدير بالذكر أن هذا الحى كله من مؤيدى مرسى ودستوره، لكنهم ليس لهم أى اختلاط بالمظاهرات أو الاعتصامات على حد ذكرهم.. وأكثر ما يميزهم هو تداخلهم مع بعضهم البعض لدرجة أنهم يعتبرون أن المنطقة كلها أسرة واحدة.. وهذا صحيح فعندما كنت أتحدث مع الناس لا أعرف من ابن مين ومين أخو مين ومين متزوج مين.. فهم طيبون جدا ومتحابون يرحبون بأى غريب يدخل عليهم وعلى الرغم من ضيق حالهم فإنهم أهل واجب حتى لو كان ما سيقدمونه هو آخر شىء فى جوفهم.. وهذا هو حال أهالى حى حكر السكاكينى.
 
∎ ارتبطنا بالمكان
 
فى البداية تحدثت مع جمال محمد - مبلط - فيقول:
الناس هنا حياتها صعبة .. وقدمنا شكاوى كثيرة للحى لكى يدخلوا لنا الصرف الصحى أو الغاز الطبيعى بدلا من الأنابيب اللى بتنفجر كل أسبوع فى بيت شكل بسبب الإهمال وقلة الضمير.. أو حتى يبنوا بيوت للناس اللى عايشه فى العشش ورفعنا الشكوى للمحافظ.. لكن هنكلم مين ولا مين .. فلم يهتم بنا أحد سواء من النظام القديم أو النظام الجديد.. وعن توفير الحكومة مساكن لهم يقول : احنا حابين العيشة هنا ولو خرجنا من المنطقة حنموت ومش هنعرف ناكل.. هنا الناس عارفة بعضها والشارع صاحى 24ساعة لو خرجت الساعة 3 بالليل الناس صاحية والمحلات مفتوحة.. وميزة المنطقة إنها فى وسط البلد يعنى لو حبيت أذهب إلى باب الشعرية هروحها مشى من غير أى تكاليف.. وأثناء الحديث تدخل معنا ممدوح أحمد - مكوجى- يقول: صعب نخرج من هنا .. إحنا ارتبطنا بالمكان .. ثم أشار بإصبعه إلى بيت من 4 طوابق تحيطه من الجانبين عشش مائلة عليه وقال: هذا البيت أنا اللى بانيه منذ السبعينيات عندما كنت أعمل فى الخارج ثم قال أى بيت بيكون عالى بيحمى العشش اللى جنبه من الانهيار وبيسنده، وبالتالى اللى جانبه يسنده وهكذا لكن لو العشش دى اتشالت وطلعت مكانها بيوت هيكون المنظر جميل.. وذهبت للمحافظة كى أطلب منهم هذا يساعدونا فى تطوير المنطقة لأنها ليس بها مرافق صحية.. فقد عرض على العيش خارج المنطقة لكننى رفضت لأن الحياة بره أغلى بكتير من عندنا.. أنا هنا ممكن أكل أنا وولادى بخمسة جنيه لكن بره مش هتعملنا حاجة.. ومش هكون مطمن على مراتى وولادى.. الناس هنا عارفة بعضها وبنساعد بعض وإحنا بنعتبر المنطقة عبارة عن بيت عيلة وإحنا ملمومين فيه.. أنا كل اللى بتمناه هو إن الشباب العاطل يشتغل ويبعد عن البلطجة والسرقة.. نفسى المدرسين يكون عندهم ضمير ويدرسوا فى الفصل وميضغطوش على الغلابة اللى زينا فى الدروس الخصوصية.. نفسى الشوارع تتوسع وتتسفلت.. ونفسى المنطقة تتطور كلها.


∎ نفسى يكون لى مستقبل
تركته لأذهب إلى فتاة صغيرة تجلس بمفردها داخل كشك بقالة اقتربت منها وتحدثت معها فرحبت بالحديث وبدأت فاطمة - 31 سنة - تحكى لى المشاكل التى تواجهها فى المنطقة قائلة:
المنطقة ضيقة جدا مش على قد الأسر اللى عايشة فيها.. حتى البيوت من الداخل صعب العيشة فيها.. فيه أسر بيكون عددهم 10أفراد وبيكونوا عايشين فى أوضة واحدة.. وأنا من الناس دى.. سرير واحد فى الأوضة وأنا وأخواتى ننام على الأرض أو تحت السرير.. وأنا دائما بنام تحت السرير.. حتى الحمام مشترك .. والمجارى ضربة فى الأرض.. وممكن حد من الجيران يفتح باب الحمام عليك وأنت جوه.. وده حصل معايا كتير لما بصحى الصبح عشان أروح المدرسة.. أنا فى سنة تالتة إعدادى.. بروح المدرسة الصبح وبعد كده أرجع أفتح الكشك عشان أصغر إخواتى وكلهم متجوزين وأيام الامتحانات أمى هى اللى بتقعد فيه.. وأغلقه الساعة 12 بالليل .. المشكلة إن المدرسين مبيعلموناش حاجة فى المدرسة.. وأنا نفسى أتعلم اللغة الإنجليزية بأى طريقة.. أنا متفوقة وعلى طول بطلع الأولى فى اللغة العربية.. لكن المدرسين مش عايزين يعلمونا بجد عايزين ياخذوا فلوس دروس وخلاص!.. أنا نفسى أتعلم بجد وأكون حاجة.. اللغة الإنجليزية دى مهمة جدا.. وفى المدرسة مش بناخدها خالص.. نفسى يكون ليا مستقبل ونفسى أدخل ثانوى عام لكن مجموع الإنجليزى مش هيدخلنى! أنا نفسى أكون دكتورة.


∎ عايشين فى جحيم
وبعدها أخذنى من يدى رجل عجوز أصر أن يتحدث معى أمام بيته الذى كان يبعد عنا بخمس خطوات.. فهو يقول عنه بيت لكنه فى الحقيقة هيكل لبيت جرى عليه الزمن.. فيقول محسن محمود - 05 سنه-: أنا بيتى كله من الخشب وفى بيوت تحت الأرض أهلها مدفونين والشوارع ضيقة وكتير بيحصل عندنا حرائق وعربيات المطافى مش بتعرف تيجى عندنا.. واشتكينا كتير ومحدش سائل فينا.. إحنا بنام بليل على صوت السكاكين والمطاوى والزجاج والخناقات والألفاظ السيئة.. عيالى الصغيرين بيقولوا لى : «والنبى يابا احنا عايزين نمشى ونفسنا نقعد فى شقة».. رغرغت عيناه بالدموع قائلا: تخيلى لما حد من ولادك بيرجوكى وأنت مش عارفة تعمللهم حاجة!.. الأستاذ عمرو الليثى جاء عندنا قبل ثورة 52 يناير وصور المكان والعيشة والمنام  لكن بعدها لم نر أى شىء.. لكن كل ما فعله لنا هو أنه بيبعت لنا شنط وأعطى لكل واحد منا 0004 جنيه.. أحنا مش عايزين شنط.. أنا نفسى بس يطوروا البيوت.. وبعدها سألنى سؤال شعرت بعدها بالإحراج الشديد: هل أنتم بتعملوا كده عشان هتنفذوا؟ .. وبعدها أنهى حديثه معى قائلا: إحنا عايشين فى جحيم..


∎ مشطوبين من على وجه الأرض
أثناء سيرى داخل الحى وجدت رجلا يأتى لى - عوض محمد - ويسألنى ماذا أفعل؟ فأخبرته بما أقوم به فوجدته يقول لى: أنا ساكن فى عشة من الخشب والصاج.. وبنتبهدل أنا ومراتى فى الشتاء.. أنا كل اللى نفسى فيه إنهم يبنوالى أوضه وصالة أعيش فيهم بدل من البهدلة اللى واحد شايفة دى.. أنا راجل أرزقى على باب الله.. يعنى أحنا مطالبنا بسيطة جدا.. إحنا مش عايزين نخرج بس يوفروا لينا سكن آدمى.. إحنا اتولدنا هنا وعايشين هنا.. وشاركتنا فى الحديث عبير هى فتاة متعلمة وحاصلة على بكالوريوس زراعة.. تعمل موظفة فى إحدى المصالح الحكومية قائلة: إحنا مش عايزين نمشى من هنا.. أكلنا وشربنا ومصرفنا هنا على قدنا لكن لو الحكومة وفرت لنا مساكن بره مش هنعرف نعيش الموصلات هتكون غاليا .. إحنا بأقل حاجة هنا عايشين.. وإحنا مش زى العشوائيات اللى بتطلع فى الأفلام فى التليفزيون المصرى زى «حين ميسرة».. إحنا بس كل اللى محتاجينه هو التطوير.. المنطقة هنا عندنا أمان الشباب عندنا بيخافوا على بنات حتتهم.. على عكس اللى بنسمعه فى مناطق أخرى.. وأهم حاجة نفسنا فيها إن البلد حالها ينصلح .. بينما أضاف عم رمضان قائلا: أنا نفسى بس الناس تبطل تيجى تصورنا ويسعدونا بجد.. إحنا لنا حق على الدولة دى فين حقوقنا!.. البيت عندى بيدخل له عرس وثعابين.. وبنتى مرة كانت هتموت منى بسبب كده.. أنا عندى بنت وولد فى الجيش.. الولد كل ماييجى من الجيش يحملنى مسئولية العيشة.. ويقول لى: أنت السبب فى اللى إحنا فيه ده.. إحنا مش عايشين هنا بمزاجنا إحنا مضطرين للسكن هنا.. إحنا مشطوبين من على وجه الأرض!
 
∎ تطوير البيوت
أثناء انفعال عم رمضان فى الحديث وجدت سمر - بائعة شرابات على باب بيتها وبلوفرات - تقول: أنا أخذت قرض من البنك عشان أعرف أشترى الحاجات دى وأعرف أعيش وأصرف على العيال بعد ما طلقت بسبب ضيق الحال والعيشة الصعبة.. لكنى بسدده بالربا.. حتى مفيش تقدير .. البيوت متبهدلة سلم البيت لسه واقع امبارح والشروخ اللى فى الحيطة الناس بتقفلها بالجبس وخلاص.. ومش بعيدة البيت يقع كمان علينا بعد كام يوم.. وما حدش حاسس بينا .. أنا نفسى حد ييجى يطور بيوت المنطقة ويبنى مستشفى عام للشرابية ويوفروا لنا شغل نعرف نصرف منه على نفسنا!.