الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تغيرات الإقليم والتقارب الإماراتى الإيرانى

تغيرات الإقليم  والتقارب الإماراتى الإيرانى
تغيرات الإقليم والتقارب الإماراتى الإيرانى


تم استهدافُ بئر نفط إماراتى فى الخليج أواخر أبريل، وتكتمت الإمارات عليه.. وتم زرع ألغام بحرية على أربع ناقلات نفط قُبالة ميناء الفجيرة بداية مايو، ولم توجه الإمارات الاتهام بالمسئولية لإيران، متعللة بالحاجة لمزيد من القرائن.. وتزامن ذلك مع تكثيف الحوثيين، ذراع إيران فى الجزيرة العربية، للضغط على السعودية، بهجمات متتالية غير مسبوقة  بالطائرات المسيرة، على أهداف استراتيجية كالمطارات والمنشآت النفطية والعسكرية، عجزت أمامها بطاريات باتريوت الأمريكية ووسائل الدفاع الجوى الأخرى المتطورة.. إيران تواجه الحصار الأمريكى  بضغوط  مضادة، وتسعى للخروج من الأزمة الراهنة، بمكاسب جديدة.

زيارة الوفد الرسمى لجماعة الحوثيين إلى إيران، استهدفت تقنين علاقاتهما الرسمية، وتحويل الحركة إلى دولة، إيران وافقت على اعتماد سفير لها بطهران، ما يعنى اعترافها السياسى بها.. محمد عبدالسلام الناطق الرسمى للحركة أعلن مبايعة مرشد إيران مذهبيًا، ما يعنى التخلى عن المذهب الزيدى وتبنى الأثنى عشرية، المذهب الرسمى لإيران، وبذلك تكتمل أطر العلاقة بين الحوثيين وطهران، لا باعتبارهم ذراعها السياسى فى اليمن، وإنما بوصفهم كيان سياسى، يسعى لتقنين سيطرته على مركز السلطة فى صنعاء.
المصالح الإماراتية الإيرانية
إيران وجهت تهديدات صريحة للإمارات، بعد إقلاع طائرة التجسس الأمريكية المسيَّرة «جلوبال هوك» التى قامت بإسقاطها من أراضيها، وكذا عقب اعتراف شبكة تجسس تعمل لحساب المخابرات الأمريكية «CIA» فى إيران بأنها تلقت التكليفات المتعلقة بتنفيذ مهمتها داخل دبى.. التهديدات تحولت إلى مخاطر جدية، بفعل غارات الطائرات المسيرة على السعودية، ما فرض على أبوظبى التحسب للأضرار الاقتصادية التى يمكن أن تلحق بها نتيجة لتصعيد التوتر، خاصة فيما يتعلق بهروب روؤس الأموال منها، ورحيل المستثمرين الإيرانيين، إلى تركيا وسلطنة عمان وأرمينيا.
الإمارات تحتل مركزًا متقدمًا فى العلاقات التجارية مع إيران، فهى الثانية عالميًا بعد الصين، والأولى عربيًا.. قيمة صادراتها لطهران نحو 6.7 مليار، ووارداتها قرابة 4.5 مليار عام 2017.. أما عام 2018 فإن 18 % من إجمالى واردات إيران من الخارج مصدره الإمارات، و16.2% من قيمة الصادرات الإيرانية لكل دول العالم اتجه للسوق الإماراتية.. ما يوضح أهمية العلاقات لكلا الدولتين.
التوتر فى العلاقة بين إيران والإمارات أدى لتراجع عدد السياح الإيرانيين لدبى إلى الثلث خلال 2018، كما انخفض عدد التجار الإيرانيين، ما أثر كثيرًا فى اقتصاديات الإمارة، التى يقطن بها وحدها 600.000 إيرانى، وأكثر من 6000 شركة إيرانية، ونحو 8000 رجل أعمال إيرانى.. ما يؤكد أن الجالية الإيرانية بالغة الأهمية، على صعيد النشاط الاقتصادى، وعلى الأمن القومى للدولة.
من ناحيتها تسعى إيران للتقارب مع الإمارات لأسباب عديدة، أهمها تحييد دورها كساحة يمكن أن تنطلق منها التهديدات لأمنها القومى.. ثم إن العلاقات التجارية معها تشكل متنفسًا فى مواجهة المقاطعة الأمريكية.. والأهم إمكانية ممارسة دور فى تهدئة حدة التوتر بالخليج، والتوصل لتسوية مرضية للمشكلة اليمنية.
مبادرات التهدئة الإماراتية
الإمارات بدأت مراجعة سياساتها منذ منتصف مايو 2019، بالإعلان عن عزمها إعادة توزيع قواتها فى اليمن، لتتمكن من الانسحاب بصورة جزئية، والتخفف مما تفرضه عليها الحرب من تبعات مادية وسياسية، أوفدت بعدها مندوبين إلى طهران لتأكيد الرغبة فى السلام، فى سابقة هى الأولى منذ حرب اليمن، أعقبها توقيع قائد قوات خفر السواحل الإماراتى، مذكرة تفاهم مع قائد حرس الحدود الإيرانى، لتعزيز العلاقات وترسيخ أمن الحدود «أول أغسطس»، وتم وضع آليات للمتابعة الدورية، ولقاءات كل ست شهور، بعد أن كانت متوقفة منذ 2013.. الوفد الإماراتى حصل على تطمينات بشأن أمن وسلامة بلاده، وأمن وسلامة الملاحة بالخليج، وتهيئة المناخ لمحادثات موسعة لوضع أسس التعايش بالمنطقة، قد تضم السعودية، إذا ما توافرت الجدية لدى طهران، وتعهدت الإمارات بتقديم تسهيلات فيزا وإقامة وخدمات مصرفية للمستثمرين الإيرانيين.
الفترة ما بين انسحاب الإمارات من اليمن وزيارة وفدها العسكرى لطهران، شهدت إشادة إيرانية بالتطورات الإيجابية فى العلاقة مع الإمارات، أعقبتها قرارات من سلطات دبى بمنح التسهيلات اللازمة للتجار الإيرانيين، فيما يتعلق بتجارة السلع التى لا تشملها العقوبات الأمريكية، وتيسير منح التأشيرات التجارية، وتمديد تأشيرات سفر التجار السابق إلغاؤها، وفتح الحسابات فى البنوك الإماراتية، وإعادة تنشيط الحسابات المصرفية السابق إغلاقها، أمين عام هيئة الصرافين بإيران كشف عن موافقة مصرفين بالإمارات على ذلك، وإعادة فتح مراكز الصرافة الإيرانية، بعد موافقة البنك المركزى الإماراتى.. الإمارات تسعى لتعميق المصالح المالية والاستثمارات الإيرانية على أراضيها، على النحو الذى لا تفكر فيه مستقبلاً فى استهدافها، حفاظًا على مصالح مواطنيها.
إجراءات التهدئة السعودية
إعلام قطر حاول تضخيم خطوات الإمارات الانفتاحية تجاه إيران، بهدف زعزعة التضامن بين الرباعى العربى الذى يقود مقاطعتها، لكن أنور قرقاش قطع عليه الطريق «كل الخطوات تمت بالتنسيق مع السعودية، لتفادى المواجهة مع إيران، وتغليب العمل ‏السياسى».. ثم جاء رفع السعودية حصة حجاج إيران من 86.000 حاج إلى أكثر من 88 ألفًا، والترحاب الشديد الذى تم استقبالهم به، ليؤكد التوجه نحو تحسين العلاقة مع طهران.
المملكة تجاوبت مع طلب طهران افتتاح مكتب لرعاية المصالح الإيرانية بالسفارة السويسرية بالرياض، ووزیر الحج السعودى تعهد بمتابعة ملف تدشین المكتب بنفسه، حتى يتسنى استئناف إيران لرحلات العمرة التى توقفت منذ 2015.. بعض المصادر تشير لوجود اتصالات سرية بين الدولتين، تتناول أمن الملاحة بالخليج، وصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلت عن مسئول سعودى قوله: إن بلاده تدرس مقترحات لإجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين.
الخليج والمشهد الدولى
المشهد الدولى محرك رئيسى لتغيرات الإقليم.. ترامب كلف السيناتور ليندسى جراهام، أحد صقور الكونجرس ورئيس لجنة القضاء بمجلس الشيوخ، بإعداد مشروع لإبرام اتفاق جديد مع إيران ليحل محل الاتفاق النووى، وكلف السيناتور الجمهورى راند بول، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بتوجيه دعوة لوزير خارجية إيران لزيارة البيت الأبيض خلال وجوده بالأمم المتحدة سبتمبر المقبل، مما يؤكد أن أمريكا والغرب ليسوا فى حالة عداء مع إيران، وإنما هم يستخدمونها كفزاعة لدول الخليج.. وكلما اختلفوا على التفاصيل والشروط يتم تصعيد الموقف، حتى يتم ترويضها.
هذه الحقيقة بدأت تدركها دول الخليج، مما يفسر عدم وجود حالة تماهى مع السياسة الأمريكية المتعلقة بمواجهة إيران.. خاصة بعد أن تأكد أنها لن تفضى إلا إلى حرب، لا تريدها جميع الأطراف.. واشنطن دعت لتشكيل تحالف دولى لضمان الأمن بالخليج، تشارك فيه إسرائيل، فى محاولة لفرضها على المنطقة، لكن إيران أكدت أن ذلك تهديد صريح لأمنها القومى، وأنها ستتعامل بقوة مع أى وجود إسرائيلى ضمن سياساتها الرادعة والدفاعية.
كل ذلك ولَّد قناعة متبادلة بين السعودية والإمارات بأن أهداف الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإيران، لا تتطابق مع أهداف الأمن القومى للرياض وأبوظبى، وخاصة أنه فى الوقت الذى تدعو فيه واشنطن لتشكيل تحالف محدود القدرة على الردع، وينذر بالحرب، فإنها لا تستهدف سوى التفاوض مع إيران، الأمر الذى يشكل تناقضاً يثير القلق، وقد يؤدى لتورطهم دون داع.
نزوع الإمارات والسعودية خلال هذه المرحلة نحو التهدئة مع طهران، يعتبر نوعًا من الكياسة السياسية، فموقف الرئيس الأمريكى منها يتسم بالغموض، إذ يستحيل الجزم بما إذا كان يستهدف ابتزاز دول الخليج بها كفزاعة، أم أنه يستهدف فعلا نزع فتيل التهديد النووى والصاروخى الإيرانى عن المنطقة.. وإذا كان الهدف الأخير صحيحاً، فهل لاحظ تهديدات الطائرات المسيرة، أم سيكرر إلغاء الاتفاق بعد تحولها إلى سلاح إستراتيجى بديل.. ثم ماذا عن أذرعها الرسمية المنتشرة بدول المنطقة، وما هو مصير ترامب نفسه فى الانتخابات المقبلة، هل من سيأتى بعده سيتبنى نفس سياسات التصعيد، كل تلك الاعتبارات وغيرها تفرض تهدئة التوتر مع طهران، حتى لا تؤدى المتغيرات إلى خسائر استراتيجية فادحة.
المتحدث باسم الحكومة الإيرانية على ربيعى أكد فى «19 أغسطس» وجود إشارات جيدة من دول الجوار «دولة الإمارات، والسعودية»، تصب فى صالح المنطقة وشعوبها، وأبدى استعداد إيران للتوقيع على اتفاقيات أمنية واقتصادية وجمركية مع دول الخليج، بما يعود بالمنفعة على شعوبها ويقلص التكاليف.. ومندوب السعودية بالأمم المتحدة أبدى استعداد بلاده لإقامة علاقات تعاون مع طهران، شريطة التزامها بحسن الجوار.. كل الأطراف تعانى تبعات المواجهة التى أشعلها ترامب.. لكن مؤشرات التهدئة تبشر بإمكانية وأد الفتنة، شريطة عدم تعنت أطراف الأزمة، غير أن السؤال المهم: هل يسمح الرئيس الأمريكى بتمرير الإجراءات التى تحيِّد دور فزاعة الخليج، وتفوت عليه فرصة ابتزاز دوله؟!.