السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حكاية ليبرا

حكاية ليبرا
حكاية ليبرا


سياسات حمائية، عقوبات تجارية، مخاوف فى مجال العملات، إجراءات متبادلة بين اكبر اقتصادين فى العالم، الأسواق مضطربة ومتوترة، الجميع فى حالة ترقب للعلاقات الأمريكية- الصينية.وفى وسط هذا الجدل الدائر والتحليلات التى لا تنتهى عن مستقبل هذا الصراع المهم، أخذ عملاق وسائل التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بمشاركة 27 مؤسسة، الأنظار بعيدًا إلى قصة اخرى،  بعد الإعلان عن إصداره عملته الرقمية ليبرا أو «الميزان».
حكاية مخيفة وجديدة بدأتها فيس بوك، فالحرب التقليدية للعملات أصبحت شيئًا أكل الدهر عليه وشرب، كانت الدول فى القرن الماضى تقوم بخفض عملتها من خلال تدخلات، لتحافظ على سعر الصرف مما يساعد على نموها، وهو ما كانت ترفضه الدول الأخرى.
أما الآن فالدول كلها فى حالة ترقب وقلق، الرعب يجتاح المؤسسات المالية، التحليل والدراسة  أسياد الموقف، لمعرفة التصرف الصحيح تجاه ثورة العملات الرقمية الجديدة التى وصل عددها إلى الآلاف حاليًا.
نحن لسنا أمام الدولار واليوان واليورو، ولكننا مع البيتكوين والليتكوين والنيمكوين والريبل، هى عملات إلكترونية افتراضية غير ملموسة يتم تداولها من خلال الإنترنت، ومن المحتمل أن تغير مفهومنا عن الأموال قريبًا.
والمفاجأة أن نشاط ابتكار هذه العملات يحقق أرباحًا كبيرة، أى أنها ليست زوبعة فى فنجان وتنتهى،  لكنها بيزنس جديد يستخدم الحاسبات الآلية لإنتاجها، ويطلق على هذه العملية «التعدين»، أى أن الشركات المنتجة لها تقيم مناجم بها مئات من أجهزة الكمبيوتر تحت سقف واحد.
والسؤال الأهم هو كيف يتم التحكم فى هذه العملات؟، السر كله فى تكنولوجيا «البلوك تشين» أو سلسلة الكتل، وهى عبارة عن دفتر حسابات إلكترونى للمعاملات الاقتصادية التى يمكن برمجتها، حيث يتم تسجيل كل تعامل مالى على النظام، وتشفيره فى كتلة وربطه بالكتل الأخرى،  لتصبح سلسلة من الكتل.
الاختراع البعيد عن سيطرة أى بنك مركزى،  جعل البعض يقول أن مخترع الفكرة يستحق جائزة نوبل فى الاقتصاد فهى سهلة التداول، وتكلفتها متخفضة، ويمكن تحويلها بسرعة رهيبة، سواء للعملات العادية أو أى عملة رقمية منافسة.
ولفهم ما يميز عملة ليبرا وهى الأحدث فى هذه السوق، علينا التفرقة ما بين نوعين، العملة الرقمية العادية والعملة الرقمية المشفرة فالثانية لا تخضع لتنظيم وتحكم من قبل شركة أو جهة وغير معروفة المصدر، وذلك على عكس النوع الأول.
لذلك فعملة الفيس بوك المنتظرة خلال ستة أشهر أو عام، هى عملة رقمية عادية وللشركة القائمة على تطويرها، حق تجميد المعاملات إذا حدث اشتباه فى حدوث غسل للأموال، والأهم فيها أنها مدعومة بعدة عملات عالمية وأصول حكومية.
ووفقًا لمؤسس فيسبوك فإن العملة الجديدة غرضها هو تحقيق الديمقراطية المالية، وذلك من خلال تسهيل إرسال واستلام الأموال بلا رسوم إضافية مثلما يقوم تطبيقه بمشاركة الرسائل والصور على الفور، وهو ما يفيد الملايين من الناس غير القادرين على الوصول للبنوك والخدمات المالية.
حوالى مليار شخص ليس لديهم حساب بنكى ولكن لديهم هاتف محمول وإنترنت، وبصدور ليبرا سيمكننا جميعا استخدام محفظة إلكترونية متاحة على تطبيقات واتساب وماسنجر لإرسالها وإنفاقها، وستحقق الشركة بالقطع عوائد تقدر بـ25 مليار دولار سنويًا لصالحها من هذة المعاملات.
وليس الأفراد فقط هم المستفيدون من ليبرا، فبعض الدول رأت أنها يجب أن تتخذ مخاطرة وضع قواعد تنظيمية للعملات الرقمية، من أجل الفوز باستثمارات وخلق وظائف مثل روسيا واليابان والبحرين، بينما على العكس تماما رفضتها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبى.
وتشير التوقعات إلى أن ليبرا، ستضع نهاية لعصر البنوك المركزية التقليدية فى دول العالم، إذا لاقت رواجًا، وستكون جميعها تحت رحمة الرابطة المصدرة لها، فمن المستحيل إيقافها لو أصبحت المخزن المفضل للثروات، وهى بلا شك ستضرب العملات التقليدية الأخرى.
ولن تتوقف التأثيرات المرعبة على تقويض سلطة الحكومات فى الاقتصادات، لكن الكارثة أن هذه السيادة سيعاد توزيعها لصالح شركات كبرى متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى احتمالية ارتباطها بحركة أسهم تلك الشركات سواء صعودًا أو هبوطًا.
والأخطر هو إمكانية استغلالها فى تمويل الأنشطة غير المشروعة كالتهريب، وتجارة وبيع الأعضاء، وأخيرًا الإرهاب، وأبسط دليل على ذلك، هو دعوة كتائب القسام التابعة لحركة حماس مؤيديها فى العالم إلى دعمها ماليًا، فى يناير الماضى من خلال عملة بيتكوين.
ورغم تأكيدات الأمان ضد أى اختراقات فإن العملة الجديدة، ليست ببعيدة عن أن تكون هدفًا للقراصنة والتهديدات الإلكترونية، مما قد يؤدى بنا إلى أزمة عالمية خاصة وأن بيانات الأفراد ستكون متاحة، وبالفعل تواجه فيس بوك حاليًا دعاوى قضائية بشأن خصوصية عملائها.
وبالنسبة للدول النامية، فالمخاوف أكبر حيث تهدد قدرة الحكومات على التحكم فى الموارد المالية والضريبية، وفرض الضوابط على رءوس الأموال، لذلك اتخذت الحكومة المصرية موقفًا صارمًا من هذه العملات حتى نهاية عام 2018، وصل إلى إصدار فتاوى بتحريمها.
لكن مع دخول الدولة لعصر التحول الرقمى،  تغيّر الأمر كثيرًا بعد إعلان البنك المركزى بنهاية مايو الماضى عن إعداد مشروع قانون يضع ضوابط للأنشطة المالية الرقمية، فمصر مؤمنة أن من يتخلف عن مواكبة التطورات فى مجال المدفوعات الإلكترونية سيتجاوزه الزمن سريعًا.