السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عمارة الحجر والجواهر

عمارة الحجر والجواهر
عمارة الحجر والجواهر



فى قلب القاهرة الفاطمية ازدهرت فنون العمارة، ووصف الرحالة ناصر خسرو العمائر الفاطمية، بأنها «كانت من النظافة واللطافة، بحيث يمكنك أن تقول أنها مبنية من الجواهر، لا من الجص والآجر والحجر». ومن هذه العمارة القصور التى عاش فيها المعز لدين الله الفاطمى، والتى وصفها المقريزى فى خططه، وهى القصر الشرقى الكبير، والقصر الغربى الصغير، وقصر الشوك، وقصر الظفر، وقصر الزمرد، وسميت بالقصور الزاهرة، ومازالت مساجد ومشاهد الفاطميين شاهدة على عظمة هذه العمارة.

ستقر الجنود والقبائل التى جاءت مع المعز، داخل حارات وبيوت مدينة القاهرة، وسمى بعضها بأسماء القبائل، مثل: حارة زويلة نسبة إلى قبيلة زويلة، وفى عهد الأيوبيين، بدأ يسكن القاهرة أو العاصمة الجديدة، العامة الذين أتوا من مدينة الفسطاط وما حولها، ولم تعد القاهرة مقصورة على سكنى الجنود والخليفة وحاشيته، وفتحت أبوابها، بعد أن كانت تغلق على الحكام.

أما عمائر الفاطميين الدينية، فقد ارتبطت أشكالها وملامحها، تارة بجامع ابن طولون، وتارة أخرى بجامع سيدى عقبة بن نافع بالقيروان، المتمثلة فى المجاز القاطع وهو ممر يأخذ المصلى من الصحن المكشوف إلى بيت الصلاة، كما فى جامعى الأزهر والحاكم بأمر الله الفاطمى. ومن بين المنشآت الدينية فى العصر الفاطمى، مجموعة من الأضرحة والمشاهد، وطراز المسجد ذى الضريح، الذى ظهر لأول مرة فى مصر، فى مسجد السيدة رقية، ومسجد الجيوشى، فهما يضمان بجانب كونهما مسجدين، ضريحين.

تصميم المساجد

ويلاحظ فى طريقة الفاطميين فى بناء المساجد، اهتمامهم بأسلوب التخطيط، للدرجة التى كان فيها تخطيط كل مسجد مختلفًا عن الآخر، وحرصوا على حق الطريق من ناحية، وتمكين الداخل من رؤية المحراب. ورغم أن الطوب الأحمر المكسو بالجبس المزخرف، كان المادة الأساسية فى بناء الأزهر، أول المساجد الفاطمية بالقاهرة، فالعمارة الفاطمية توسعت فى استخدام الحجر، وكان أول استخدام للحجر فى عمارة القصر الشرقى، المبنى سنة 358 هجرية، وقد أشار إلى أحجاره الرحالة الفارسى «ناصر خسرو»، وذكر أنها حجارة محكمة الانطباق بعضها على بعض، حتى يخيل للمشاهد أنها منحوتة فى صخرة واحدة. وفى جامع الحاكم بأمر الله الذى أنشئ خلال الفترة من 380 -403 هجرية-990 ميلادية، نرى البناء بالطوب الأحمر مازال مستخدمًا فى العقود والقوائم، أما جدران الجامع وأبوابه ومآذنه فبنيت من الحجر، كما يقول المقريزى.

الحجارة المعشقة

تميز العصر الفاطمى باستخدام الحجر كمادة للبناء، فمن قبله كان السائد هو استخدام الطوب المحروق «الآجر»، وقد أخذ البناء بالحجر فى الانتشار منذ بناء بدر الجمالى لأسوار القاهرة الحجرية، فنجد واجهة الجامع الأقمر 519 هجرية، مبنية من الحجر، وهى من أرقى النماذج الحجرية فى العالم، حيث إنها غنية بحنايا تنتهى بتضليعات متموجة، مكونة شكل صدفة، وقد أصبح هذا الأسلوب جوهريًا فى زخرفة العمائر الفاطمية وخاصة فى المآذن، كما أن الواجهة الحجرية للجامع الأقمر تحتوى على أقدم مثال للمقرنصات الحجرية الزخرفية فى مساجد القاهرة.
ونفس الأمر نجده فى واجهة الجامع الحسينى المنشأ سنة 549 هجرية، ثم واجهات جامع الفكهانى الذى شيد عام 533 هجرية، وواجهة جامع الصالح طلائع الذى بنى عام 555 هجرية.

 وترتب على استخدام الحجارة فى البناء ابتكار طريقة الصنج المعشقة أو الحجر المعشق، وهى الطريقة التى استخدمت فى عقود النوافذ والأبوب، وهى عقود لها سمت مميز كبديل عن العقود المقوسة والمدببة، ويوضح المعماريون أن لهذا الابتكار المعمارى ضرورة بنائية، إذ إن تعشيق الحجارة يربطها ربطًا قويًا، كما تظهر فى أبواب النصر والفتوح وزويلة.

وفى كتاب «مساجد القاهرة فى العصرالفاطمى» لأحمد فكرى يذكر أن الفاطميين أحضروا معهم ابتكار «الحدارات» لمعالجة قصر الأعمدة واختلاف ارتفاعاتها، وإيجاد قواعد ثابتة على مستوى واحد لأطراف العقد، وقد صنعت الحدارات فى الأزهر من الحجارة وفى الأقمر من ألواح خشبية، وفى الصالح طلائع على وسائد خشبية، وتوضع هذه الحدارات فوق تيجان الأعمدة. وقد شاع استخدام الأعمدة فى العمارة الدينية الفاطمية، فى جامع الأزهر والأقمروالصالح طلائع، بينما استخدمت الدعامات فى جامع الحاكم بأمرالله.

العقود والمحاريب

 استخدمت العمارة الفاطمية مجموعة من العقود منها المقوس والمزدوج واشتهرت بالعقد المدبب والمنفرج، اللذين أخذا فى التطور وظهر ذلك فى عقود مساجد الجيوشى والأقمروالسيدة رقية.

وتميز التخطيط فى العمارة الفاطمية بظاهرة تعدد المحاريب، فى بعض مساجد القاهرة وأضرحتها، والتى أخذ بعضها الشكل التقليدى، فى الأزهر والحاكم ثم تطورت فى جامع الجيوشى وجامع السيدة رقية، كما عرفت أيضًا المحاريب المتنقلة.
ويقول أحمد فكرى فى كتابه إن الأسقف المسطحة الخشبية ظلت تستخدم كطريقة للتسقيف فى مساجد العصرالفاطمى، فى مساجد الجامع الأزهر والحاكم والصالح طلائع، إلا أن تطورًا قد حدث فيما بعد، فاستخدمت القبوات أو الأسقف المبنية كأسلوب جديد فى التغطية، وخاصة على الممرات الواقعة فى مساجد الحاكم والجيوشى والأقمر والصالح طلائع. أما المآذن المصرية فى العصر الفاطمى فتأثرت بمآذن المغرب والأندلس، ولكن مع بعض الاختلاف، فبينما نجدها فى المغرب والأندلس تحتفظ بالشكل المربع فى القاعدة والبدن وطوابقها على السواء، نجدها فى القاهرة تحتفظ بالشكل المربع فى القاعدة فقط، بينما باقى الطوابق تأخذ الشكل الأسطوانى أو المضلع.

مشاهد حقيقية ومشاهد رؤيا

شهد العصر الفاطمى فى مصر، تشييد الكثير من القباب المخصصة للدفن، لاسيما فوق قبور آل البيت، والتى أطلق عليها اسم «المشهد»، واعتنى بها الخلفاء والوزراء بالبناء والتجديد وزيارتها والتصدق عندها. ويذكر المقريزى فى خططه: «أن الخليفة المعز كان يزور المشاهد فى موكب أول العام،، كما يذكر المؤرخ ابن دقماق أن الخليفة الحاكم بأمر الله بنى مشاهد لمدافن الأشراف بين مصر والقاهرة». وذكرت د. سعاد ماهر فى كتابها «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون» أن الفاطميين قصدوا من بناء المشاهد والأضرحة وتعظيم آل البيت إلى استمالة الشعب، وتثبيت حكمهم، كبنائهم لمشاهد عاتكة والجعفرى وأم كلثوم والسيدة رقية، أو أنهم أرادوا التبرك بها درءًا لخطر الأعداء، كبنائهم مشهد الجيوشى بأعلى جبل المقطم، كأنه حصن حربى يراقب منه الأعداء. أو أن بعض الخلفاء أرادوا ببناء المشاهد أن يبعدوا عن أنفسهم شبهة القتل، أو التكفير عما اقترفوه من جرائم، فنجد الخليفة الحاكم بأمر الله يبنى مشهد السبع بنات، بعد أن أمر بقتل سبعة من أقارب وزيره ابن المغربى، بينما بدأ الخليفة الحافظ لدين الله ببناء مشهد السيدة رقية، بعد أن تربص لقتل ابن الخليفة الآمر بأحكام الله، ليتولى الحكم بدلاً منه.
وترى د. سعاد أن كل المشاهد قد بنيت خارج القاهرة الفاطمية، تحقيقًا لهدفين: الأول سياسى هو صرف الناس عن الخلافات السياسية، وما يدور بقصور الخلفاء الفاطميين، والثانى دينى وهو تأكيد نسب الخلفاء الفاطميين لآل البيت. وبعض المشاهد إما أنها مشاهد حقيقية، تحوى جثمان المتوفى صاحب الضريح، أو أنها مشاهد رؤيا، أى بنيت بناء على رؤيا رآها ببناء المشهد فى منامه.
ومن أشهر هذه المشاهد، مشهد السبع بنات سنة 400 هجرية، ومشهد الجيوشى المبنى سنة 478 هجرية، ومشهد إخوة يوسف سنة 500 هجرية، مشهد الجعفرى 513 هجرية، مشهد عاتكة 515 هجرية، مشهد أم كلثوم 516 هجرية، مشهد السيدة رقية 526، المشهد الحسينى سنة 549 هجرية.