الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سر المعاملة العنيفة..

سر المعاملة العنيفة..
سر المعاملة العنيفة..


 جَلسَ الخواجة المقيم بالقاهرة أمام مكتبها، وبمنتهى الحزم سألها إذا ما كانت تظن حقّا أن زميلته تريد الحصول على وظيفتها؟ وبكل هدوء أجابته نعم، فسألها كيف وهى تعيش فى أوروپا؟ فأنصتتْ إليه للنهاية، ثم قالتْ له: مثلما تركتَ أنت بلدك وأتيت تعمل هنا! لكنه أصر على محاورتها ليقنعها أن رأيها ليس إلّا محض خيال، حتى استوقفتهُ وقالت: اسمع.. أنا لم أقل إنها تريد وظيفتى، بل هى من قالت ذلك فى التقرير الذى أرسلته للشركاء بالفقرة الأخيرة فى الصفحة الحادية عشرة، فأطلق الخواجة ضحكة عالية، ثم استدار ليعود مكتبه، فاستوقَفَتهُ قائلة: بالمناسبة، زميلتك كاذبة.. وأنا لن أتعامل معها ثانية! فمضى وهو يفتح ذراعيه ويهز رأسه متعجبًا!
   كانت المواقف تُحاك فى ظهر صديقتى، حتى فوِجئَتْ أثناء أحد الاجتماعات التى كان يقودها الخواجة، بدخول عضو مجلس الإدارة الذى اتهمها بالتعالى على الخواجات، والذى يؤيد تعيين الخبيرة كمديرة لقطاع التواصل! فقالتْ: يومها شعرتُ إن الرجُل قادمٌ لى تحديدًا! فما أن ذَكَرَ الخواجة مهام قطاع التواصل، حتى التفتَ إليّ عضو المجلس وسألنى عن سبب التأخير فى إنجاز المهام المطلوبة؟ وكم قضيتُ بهذا القطاع؟ ولماذا لا يظهر عملى واضحًا؟
 اصطادنى فى مقتل
 باختصار.. «غسلنى قدام زملائى والخواجة»! قالت، ثم استطَردَتْ: لم يأتِ ليسمعنى، بل ليستجوبنى ويحاكمنى  ويوقع بى أمام الخواجة الذى كانت ابتسامته تملأ وجهه وهو يرى ضعفى وغيظى وأسلوبى الانفعالى فى الرد! وسريعًا ما سألتُها لماذا قبلتِ هذه المحاكمة التى لم يُخبركِ بها أحد لإعداد ردودكِ وأوراقكِ؟ فتوترت وقالتْ: أخذَتَنى المفاجأة،.. ووجدتُ نفسى أقول إننى لم أنجز شيئًا، فسريعًا ما أجاب الرجُل: أكتفى بهذا الرد!
 أفندم؟! صرختُ فى وجهها.. متسائلة: كيف قلتِ هذا؟ أين إنجازاتك؟ فالرجُل جاء ليثبت ضعف موقفكِ، فكيف أعطيتهِ الفرصة لينتصر عليكِ؟ وبمنتهى الضعف أخبرتنى: كان قصدى أننى لا أعتبر ما أنجزته هو منتهى الأمل، فهناك الأكثر.. لكنه لم يفهمنى، واصطادنى فى مقتل! فى المقابل، لاحظتُ كيف كان الخواجة يمعن فى ترديد كلمات الافتخار والاعتزاز بصفات وإنجازات زميلاته بأوروبا، فى الوقت الذى وصف فيه سلوكى وغضبى الواضح بالدراما، وهو يعرف أنه يثير استفزازى، فقلتُ بصوت عالٍ - تستكمل: «طبعًا.. زميلات الخواجة يجدن من يدافع عنهن، ونحن هنا لا نجد من ينصنفنا! وسريعًا ما سألتُ عضو المجلس مباشرة: أنا لا أفهم سر هذه المعاملة العنيفة! فطالب بعقد اجتماع يجمعنى فيه بالمدير!
 تماسكتُ وأنا أتأمل سلوك عضو المجلس، وكيف تجاهل مشاكلى التى يعرفها منذ كان يتابع عملى بالبرنامج، تقول صديقتى وتوضح: وقتها.. طالبنى بكتابة رؤيتى وخطتى ومطالبى لتطوير وتفعيل القطاع.. لكنه لم يُنَفذ لى أى مطلب، بل لم يكن يرد على رسائلى! اتَجَهَتْ نحوى متسائلة: ثم يجىء مفتعلًا إن الذنب ذنبى؟ وفى الاجتماع.. تستكمل: اتخذ الحوار توجهًا جديدًا حينما فوجئتُ به يُلِحُ فى سؤالى عمّن تقع عليه مسئولية عدم ازدهار عملى، وكان ذلك فى حضور المدير الذى أدركَ مثلما أدركتْ أن عضو المجلس يريدنى أن أشير إليه بالمسئولية. قاطعتهُا قائلة: هذا صحيح بالمناسبة.. هل تتذكرين مقولة «ليس هناك موظف فاشل..بل مدير فاشل»؟
 فقالتْ: نعم.. ولكن إحساسى أخبرنى أن الرجُل يستخدمنى للإيقاع بالمدير.. الذى كان يُنصِت واضعًا رأسه فى الأرض، دون كلمة واحدة!  فاعتذرتْ لعضو المجلس بعدم رغبتى فى التحدث عن أحد. وإنه من الأفضل أن نتغاضى عن الماضى ونفكر فى المستقبل!
  بابتسامة صغيرة استطَردَتْ: عارفة إجابة عضو المجلس كانت إيه؟ قال: «نحن نفكر فى تعيين شخص  يساعدك فى عمل القطاع»! تانى؟! يكررون معكِ نفس الموقف؟! سألتُها متعجبة، فقالتْ: حينئذٍ قررتُ اللعب على المكشوف وقلتُ له: «يوم تقررون تعيين شخص جديد.. سأعتزل العمل بهذا القطاع»، وهو الهدف المنشود.. قلتُ لها، فأجابتْ: ليس بهذه الطريقة.. فهم يعلمون إن أى مدير قادم سيحتاج شخصًا قائم بالعمل، ذا خبرة وعلاقات ليساعده!
يعنى إيه؟ سألتُها، فقالتْ: يعنى المطلوب أن أكون موجودة كمساعدة أو سكرتيرة للشخص القادم حتى يعتمد على نفسه، ثم يتخلص مِنّى!
يومها أجابنى عضو المجلس قائلًا: أحترم قرارك! بهذه البساطة يتخلى عنكِ؟ سألتها، فابتسمتْ وهى تهز رأسها بأسف!
 متى تستقيل؟
 لم يمضِ يومان- تقول صديقتى- حتى فوجئِتُ بالخواجة يُرسِل لى بريدًا إلكترونيّا برغبة مجلس الإدارة فى نشر الإعلان المرفق بفتح وظيفة «استشارى» لقطاع التواصل! قاطعتُها قائلة: تانى؟! هذا خداع وإعلان حرب ضدكِ.! ابتسَمَتْ وقَالَتْ: نعم، ولكن هذه المرّة أخفوا خداعهم تحت عنوان «استشارى».. فهذه حرب إثبات الذات والسيادة بالنسبة للخواجات، ومجرد موقف عابر على أعضاء مجلس الإدارة الذين يتعالى بعضهم على الموظفين ويعبترونهم مجرد أدوات.. رُغم أنهم الذين يقومون بالعمل ويعرفون أسراره، بل هم الذين انتخبوا هؤلاء الأعضاء لتولى مهام مجلس الإدارة! للأسف.. تستطرد: ومعظمهم لا يفهمون روح العمل بالجمعيات الأهلية. ولا يريدون أن يتعلموا! فلماذا يرشحون أنفسهم لهذه الأدوار إذن؟.. سألتُها، فأجابتنى بأن هذا موضوع يطول شرحه!
 فسّرتْ صديقتى موقف فتح الوظيفة تحت عنوان جديد، بقولها: يبدو أن المجلس أراد معاقبتى لتلويحى بترك القطاع فى حال تعيينهم لمدير جديد. مستطردة: توجّهْتُ -يومها- لمكتب الخواجة وأخبرتُهُ إن صياغة الوظيفة بهذه الطريقة يؤكد رأيى بأن زميلته لا تصلح خبيرة تواصل، فهى لا تفهم الفَرْق بين الاستشارى والمسئول الفنى! مستطردة: أنا شخصيّا أقوم بالدورَين.. فكيف تريدنى أن أنشر وظيفة أقوم بها؟ّ أمّا إذا كانت المسألة مجرد شكل إدارى أمام الشركاء الممولين، فأنا جاهزة لتولى الوظيفة!
تأمل الخواجة وجهة نظرها، ثم سألها: تودين أن تكونى المديرة؟ فأجابته وهى تحتفظ بهدوئها: هذا دورى الذى أقوم به! لماذا تصرون على مضايقتى؟! كيف تساهمون كاستشاريين فى تصغير دورنا بالجمعية بعد كل هذا العمر؟! الإنسان يكبر أمْ يصغر؟! فبسبب مثل هذا الموقف تركتُ الجمعية، سابقًا!
  مساء ذلك اليوم - ولايزال القول لصديقتى- فوجئتُ بالخواجة يرسل لى رسالة إلكترونية متحمسة، يخبرنى فيها أن أكون مستعدة لمدير التواصل القادم، وأن أطلب منه السماح لى بتصميم نتيجة سنوية، أو نشرة، أو تقرير دورى! أمّا إذا كان اعتراضى لايزال قائمًا ورغبتُ فى الاستقالة ثانية.. فعلىّ فقط أن أخبرهم بموعد تقديم الاستقالة!
 لا يمكن أن يكون الخواجة «صديقك» كتب لكِ هذا؟ قلتُ لها.. فابتَسَمتْ وهى تُخرج زفيرها من صدرها، وقالتْ: يومها..كتبتُ له قائلة: أرِحْ قلبك.. لن أستقيل ثانية أبدًا! ففوجئت به يرسل لى رسالة شخصية مرفقة بعلامة إعجاب!
 وثانية ما كتبتْ صديقتى لأعضاء المجلس تسرد لهم المهام التى تقوم بها، وتسألهم عن سر تمسك الخواجات بموقفهم نحوها وكأن الإصلاح متوقف على ضرورة تنحيتها! رُغم أن دورهم كاستشاريين هو تمكينها والتعامل معها كأمر واقع مثل تعاملهم مع زملائها الذين لا يمتلك بعضهم عُشْر خبرتها! مختتمة رسالتها بإعلان رفضها للقرار! ففوجئت برسالة ثانية من الخواجة يطالبها بضرورة نشر الإعلان.. بأمر المجلس. •