السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

«فتة وقلاية وعصبان»


أصوات ضحكاتنا تستمر حتى الفجر فلا موعد محددًا للنوم الليلة، ولا حَدّا لما يمكن أن نرتكبه من الشقاوة، بالبيجامات الجديدة وقصات الشعر المتأنقة نقضى الليلة مجتمعين على تخيلات لما سنفعله بعد ساعات قلائل، ننتظر الفجر باشتياق راهب وحين نسمع صوت المساجد تستعد لتكسو ساحتها حينًا بصوانات العيد ننطلق نحن إلى خزانات الملابس .
ها قد أصبحت ملابس العيد على أجسادنا الصغيرة ومع كل ترفيلة تصدر من الفستان تكاد تطير معها القلوب.. هكذا هى فرحة الصغار لا تستطيع شجارات الكبار المعتادة فى الأعياد أن تطفئ ولو جزءًا صغيرًا منها.
بعد الصلاة وتكبيرات العيد وإلقاء التهانى على مسامع كل من نراهم يسعى الحجاج نحو «مِنَى» لرمى الجمرات ونسعى نحن نحو بائع المفرقعات أهم طقوس الأعياد، لا يقتصر فقط على الصغار حتى كبار العائلة لا يجدون حرجًا فى مشاركة الصغار تلك الألعاب البارودية التى يمكن أن نَعبر بها القناة مرّة أخرى.
بين طقوس التضحية وتوزيع اللحوم على الفقراء وتناول الفتة ربما نحصل على العيدية وربما يردنا الكبار خائبين بقولهم: «ده عيد لحمة» وكأن اللحم سيشترى لنا مزيدًا من المفرقعات. بعد تجمُّع اليوم الأول فى بيت العائلة تمضى أيام العيد وسط الأقارب والأصدقاء أيضًا العم فلان سيزورنا اليوم وسنزور فلانًا غدًا، لن نترك قريبًا لن نراه فى العيد هذه هى القاعدة.
للأعياد فى مصر جو على قدر بساطته دافئ ربما يمس دفئه برودة الغربة، هل من أسرة بلا فقيد قريب كان أو بعيد؟! زوج يعمل بالخارج، أسرة فى بلدٍ غريب أو طالب ترك بلاده وراح يسعى فى طريق العِلم ماذا عن أعياد هؤلاء كيف تمُرُّ بعيدًا عن الأوطان والأهل والأحباب؟
عيد من البلكونة
يسرى، طالبة الفرقة الرابعة بكلية الألسن - جامعة عين شمس - الابنة قبل الأخيرة لأسرة ليبية مكونة من 8 أفراد مقيمة بمصرمنذ 5 سنوات، فى عام 2014 والد يسرى قرر تحضير الدكتوراه فى مجال الفيزياء النووية ولأنه مجال غير شائع فى البلاد العربية قرر تحضير رسالته فى مصر، وفقًا ليسرى فقد فَضَّل والدها اختيار مصر عن أى بلد أجنبى، لأنها بلد عربى ومسلم.
يسرى، التى لم ترَ بلادها منذ خمس سنوات تقول: «لم أعُد إلى ليبيا منذ أن جئت مصر، فقط والدى ووالدتى وإخوتى الأولاد ذهبوا فى زيارات قصيرة، لم أذهب أنا أو أخواتى البنات معهم بسبب دراستنا، فهم غالبًا ما يسافرون فى أوقات الامتحانات. لم تقضِ الأسرة كلها العيد فى ليبيا سوى والدتى وأخى قضيا عيدًا واحدًا هناك».
عيد «يسرى» وأسرتها فى مصر يختلف كثيرًا عن عيدهم فى وطنهم.. توضح يسرى: «هنا لا نجتمع بالأهل والأقارب بالطبع ولا نخرج إلّا فى الليل، أنا أقضى العيد صباحًا فى بلكونة شقتنا منذ 5 سنوات، كما أننا لا نذبح أُضحيتنا بأنفسنا كما كنا نفعل فى ليبيا، بل يذهب والدى إلى الجزار يعطيه ثمَن الأضحية ويتسلم اللحم صافيًا بلا أى مشاركة لنا فى العملية».
 فى ليبيا بالزّىّ التقليدى
البلاد العربية جميعًا تتشابه فيها الأعياد، ولكن لكل بلد ثقافة ما يتميز بها.. تحكى لنا يسرى عن العيد الليبى الذى يتميز بارتداء الرجال والشباب للزّى التقليدى الليبى، وهو عبارة عن بنطال وجاكت ملون بألوان فولكلورية كثيرة وأحيانًا مطرز أسفل الجاكت رداء أبيض يصل حتى قبل مستوى الركبة بقليل، يرتدون أزياءهم التقليدية بجميع ألوانها المبهجة ويتوجهون لصلاة العيد.
تَقُصُّ علينا «يسرى» ما تذكره من ملامح العيد فى ليبيا كما تتذكره منذ خمس سنوات: «بعد صلاة العيد نتوجه إلى منزل العائلة أو منزل أحد الأقارب الذى يقع فى مزرعة على أطراف المدينة نقضى اليوم مع الأسرة والأقارب وبالطبع يتلقى الصغار العيديات.
 بالنسبة لعيد الأضحى نجتمع فى المكان نفسه ونقوم بالتضحية، يقوم بالذبح أحد رجال الأسرة والدى أوعمى مثلًا ولا نستعين بجزار، بعد الذبح يقوم شباب العائلة بتقطيع الأضحية ونساعد نحن النساء فى تنظيفها، يتولى الشباب أيضًا توزيع اللحوم على الأقارب الأبعد والفقراء ودائمًا ما يقومون بشَىّ اللحوم  بعد إنهاء كل الأعمال السابقة».
من دون بومب
فى مصر لا يكتمل العيد من دون أصوات الحرب العالمية الثالثة التى تشتعل فى كل حى وكل شارع، مع خطورتها والتحذير مما تسببه من إصابات كل عام، إلّا أن صغار الحى يضربون بكل ما يمكن أن يقال عرض الحائط ويتفننون فى اقتناء أصخبها وأكثرها إبهارًا للأعيُن، لكن فى ليبيا يختلف الوضع، البومب والصواريخ بكل أشكالها ليست مظهرًا من مظاهر الاحتفال بالعيد هى طقس خاص بالمولد النبوى الشريف، أى أن الأعياد تَمُرّ على شوارع ليبيا فى هدوء تقطعه أصوات التهانى بين الأهل والجيران.
عيد الأضحى فى مصر لا يأتى من دون فتة كما جرت العادة، لكن «يسرى» وأسرتها يطهون أكلتهم الليبية الخاصة بالأضحى، وهى «القلاية» لحم  ضأن يُقلى ثم يطهى على النار الهادئة ممزوجًا بالبهارات العربية التى تزكم الأنوف كالزعفران والكركم. «العُصبان» أكلة أخرى يشتهر بها المطبخ الليبى على مائدة عيد الأضحى، قد يبدو الاسم غريبًا وغير معروف، لكن «العصبان» من أشهر الأكلات المصرية الأصيلة لا يوجد مَسمط فى المحروسة لا يقدمها ولا ربة منزل لا تجيد طهو العصبان، أو بالمصرى المُمبار.
مصر يعنى وسط البلد وكوبرى قصر النيل
«يسرى» قضت الأعياد الخمس المنصرمة فى مصر بسبب رسالة والدها التى شارفت على الانتهاء، لكن الأسرة ستعود إلى ليبيا خلال سنتين أو أقل بسبب الارتباطات بالدراسة، سألنا «يسرى» خارج سياق الأعياد ماذا تعنى مصر بالنسبة لك؟ أجابت قائلة: «سأغادر مصر خلال سنتين تقريبًا وبالطبع سأفتقد أصدقائى وجامعتى وكل شىء هنا، لكن دائمًا سأتذكرها.. مصر بالنسبة لى تعنى خروجة قصر النيل ووسط البلد ولمّة الأصحاب».