الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تركيا تستعد لاجتياح الشمال السورى بـ«المنطقة الآمنة»

تركيا تستعد لاجتياح الشمال السورى بـ«المنطقة الآمنة»
تركيا تستعد لاجتياح الشمال السورى بـ«المنطقة الآمنة»


تركيا طرحت فكرة المنطقة العازلة أو الآمنة منذ 2012، بحجة منع تسلل عناصر منظمة «PKK» الكردية، التى تعتبرها إرهابية.. أمريكا أثارت الفكرة منتصف 2013، بهدف تطبيقها قرب الحدود الأردنية، ما دفع تركيا لإعادة طرحها 2014، وتحديد امتدادها بخط موازٍ لحدودها الجنوبية من البحر المتوسط حتى العراق، وتضم مناطق من إدلب، عفرين، جرابلس، عين العرب «كوبانى»، تل أبيض، وشمال الحسكة.
الموقف الروسى
عندما أشار ترامب يناير 2018، إلى أن «القوات الأمريكية ستنسحب من المنطقة، وسيتم إنشاء منطقة آمنة»، اتخذت روسيا موقفًا حازمًا «الجيش السورى هو الأحق بالسيطرة على شمال البلاد».. وطرحت مقترح الإدارة الذاتية للأكراد، لاستعادة السيطرة الرمزية للحكومة السورية.. موقف روسيا المبدئى إذن ضد المنطقة العازلة.. ولكن، نتيجة للإلحاح التركى، وافقت موسكو فبراير 2019 شريطة أن تتم بالاتفاق بين تركيا وحكومة دمشق.. لقاء أردوغان بوتين الأخير انتهى بتأكيد حق تركيا فى الحفاظ على أمنها فوق الأراضى السورية، فى إطار اتفاقية أضنة الموقعة بين حكومة دمشق وتركيا 1998، والتى تعطى لتركيا حق الملاحقة لعمق 5 كم داخل الأراضى السورية، إلا أن روسيا ترى أن إعادة إحيائها يمثل اعترافًا تركيًا بمشروعية النظام السورى.
المرونة الروسية تجاه تركيا تستهدف تفويت الفرصة على أمريكا فى رأب صدع العلاقات مع أنقرة، على حساب علاقات الأخيرة مع موسكو، واعتبار المنطقة الآمنة ورقة مساومة لتنازلات تركية فى إدلب لصالح دمشق، مقابل الوجود التركى بالشمال، الذى يحد من طموحات التمدد الإيرانى، وذلك لحين إيجاد صيغة للتخلص منهما، وانفراد روسيا بسوريا.. تركيا تلعب على أحبال التنافس بين موسكو وواشنطن، وروسيا تعطى أولوية للمصالح والمواءمات.
الموقف الأمريكى
أمريكا رفضت التجاوب مع طلبات أردوغان بإنشاء المنطقة الآمنة، إلى أن قرر ترامب الانسحاب من سوريا، وتكثيف وجوده فى العراق، للتصدى للنفوذ الإيرانى، ما فرض إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، لقطع الطريق أمام توسع النفوذ الروسى، وهنا فرضت المنطقة الآمنة نفسها.. قرار الانسحاب الأمريكى ارتبط بمراجعة بعض الحسابات.. أكراد شمال شرق سوريا رغم الجهود الأمريكية والغربية لتدريبهم وتسليحهم، يرفضون المهادنة مع تركيا، مهما كانت شروطها، وهم مستعدون للتحالف مع النظام السورى أو إيران، مكايدة لتركيا، ما يعنى أيلولة الشمال السورى لدمشق وطهران، وهما أسوأ الاختيارات من وجهة النظر الأمريكية.
أمريكا توصلت إلى اتفاق مع تركيا ديسمبر 2018، لإقامة المنطقة العازلة لتخفيض التوتر شمال سوريا، ومنع تركيا من شن عملية عسكرية ضد «وحدات حماية الشعب الكردية» التى تعتبرها أنقرة إرهابية، رغم دورها الحاسم فى الحرب ضد «داعش».. البنتاغون اقترح تشكيل قوة دولية لمراقبة المنطقة الآمنة، لكن تركيا تمسكت بأن تكون هى القوة الوحيدة الموجودة بها.
جيمس جيفرى المبعوث الأمريكى المسئول عن الملف السورى يقود المفاوضات مع تركيا، لوضع الترتيبات المتعلقة بالمنطقة الآمنة، حدد الموقف الأمريكى الذى يتمثل فى عدم امتداد المنطقة الآمنة إلى كامل الحدود السورية التركية، وأن يتراوح عمقها بين 5 و15 كم، وأن يحتفظ الأكراد ومنهم قوات سوريا الديمقراطية ببعض أسلحتهم لضمان أمن مناطقهم، على أن تتولى إدارة المنطقة قوات أمريكية وتركية مشتركة.
جيفرى أكد للمونيتور، أن واشنطن وأنقرة توصلتا إلى اتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية بشأن إقامة المنطقة الآمنة، وأن الدول الأوروبية ليس لها أى دور فيها، بعدها أكدت المصادر الكردية أن أمريكا وتركيا توصلتا إلى تفاهمات أعطت بموجبها واشنطن الضوء الأخضر لأنقرة، لاجتياح شرق الفرات تدريجياً، وقد تبدأ بمنبج ثم عين العرب ورأس العين والمناطق المحيطة، وأضافت أن الأمريكيين بعثوا برسائل للأكراد لإخلاء المنطقة وسحب قواتهم من المناطق الحدودية إلى العمق.. «هاآرتس» نشرت مقالاً للكاتب الإسرائيلى تسفى برئيل أكد التوافق بين روسيا وأمريكا على إقامة المنطقة، شريطة عدم استئثار تركيا بالسيطرة عليها.. يبدو أن أزمة صواريخ الـS-400 وطائرات الـF-35 فرضت تنازلات أمريكية تستهدف عدم خروج تركيا من الناتو تجنباً لتفككه.. من المؤكد أنها جاءت على حساب الأكراد.
الأطراف الإقليمية
• دول الاتحاد الأوروبى: تتحفظ بشأن المنطقة الآمنة، بسبب تخوفاتها من قيام تركيا بمذابح ضد الأكراد، لذلك تشترط فى حالة تطبيقها أن تخضع لإشراف أمريكى مباشر.
• إيران: نظرياً ضد المنطقة الآمنة، لأنها ضد مصالحها فى سوريا، التى دفعت طهران الكثير من الأموال والدماء لترسيخ نفوذها فيها.. لكنها حالياً ليست فى وضع يسمح لها بمعاداة تركيا، لأنها تتعرض لحصار أمريكى، واستهداف إسرائيلى، وتربص سعودى.. لذلك بدأت التحرك نحو دمشق لتنشيط قنوات الاتصال مع والأكراد، والالتفاف على الفخ الأمريكى، ومحاولة إنقاذ مشروعها الخاص بطريق «طهران، بغداد، دمشق، بيروت».
• إسرائيل: غير معنية بالمنطقة الآمنة، وهى ليست على وفاق مع تركيا، إلا أن أى نفوذ أجنبى يؤدى إلى تفتيت سوريا، ويضعف النفوذ الإيرانى، لابد أن يحظى بقبولها.
• قوات سوريا الديمقراطية «قسد»: عمادها «وحدات حماية الشعب الكردية».. ترى عدم زيادة عمق المنطقة الآمنة عن 5 كم، وإلا تخضع لقيادة تركية، يتولى الأمن فيها أهالى المنطقة المحليون، وعدم التدخل فى الحياة اليومية لأبناء المنطقة ولا فى الإدارات السياسية بالمدن، وهم يرفضون تواجد القوات التركية، إلا فى دوريات مشتركة مع القوات الأمريكية، شريطة ألا تكون مقيمة على الأراضى السورية، بل تدخل لأداء مهمتها وتبادر بالخروج.
• الحكومة السورية: تراجعت إرادتها السياسية نتيجة تعدد القوى الأجنبية التى تتشارك النفوذ على أراضيها، بادرت بالتواصل مع القوات الكردية، بالتنسيق مع إيران، وتحت إشراف روسيا، لدعمها ضد احتمالات التدخل التركى، ومحاولة رأب الصدع فى العلاقة معها، لمواجهة مخططات التقسيم.. الحكومة تدرك أن تركيا إذا دخلت الشمال لن تنسحب أبدًا.
تركيا فى إطار ترويجها للمنطقة الآمنة، تدعى أنها أنفقت من مواردها الخاصة 37 مليار دولار لاستيعاب أكثر من 3 ملايين لاجئ سورى!، وأنها تخطط لإقامة مساكن تكفى اللاجئين العائدين للمنطقة، وستزودها بجميع الخدمات من صحة وتعليم، وستعيد تأهيلها لاستيعاب كافة اللاجئين للخارج.. لكنها ستجرى تغيرات ديموجرافية خطيرة، بتهجير مكونات المنطقة، وتوطين آخرين من الجماعات المسلحة الموالية لها، للسيطرة عليها.. تركيا تضع ترتيبات دائمة لهضم المنطقة، وإلحاقها بلواء الإسكندرونة السليب، مساحتها تمتد بطول الحدود التركية السورية 460 كم، بعمق 32 كم، تضم مدنًا وبلدات من 3 محافظات «حلب، الرقة، والحسكة»، وتقترب مساحتها من دولة الكويت.
التصعيد التركى
بعد فشل جولة المباحثات الأمريكية التركية، اتصل خلوصى أكار وزير الدفاع التركى بنظيره الأمريكى مارك إسبر 29 يوليو، وحذره من أن بلاده ستضطر لإنشاء المنطقة الآمنة بمفردها، حال عدم التوصل لتفاهم مشترك، وشدد على ضرورة مصادرة كل ما بحوزة قوات حماية الشعب الكردية من أسلحة، قبل طردها من المنطقة!، وأصدر تعليماته بحشد القوات على الحدود مع سوريا، ليعكس جدية التهديد.
تركيا لا يمكن فى ظل التدهور الراهن فى علاقاتها بواشنطن نتيجة لأزمة صواريخ S-400 وطائرات F-35 أن تتحدى أمريكا على هذا النحو، وهى التى لم تجرؤ من قبل على خوض عمليتى «غصن الزيتون» و«درع الفرات» إلا بعد حصولها على موافقات أمريكية وروسية صريحة.. كما أنها سبق أن ابتلعت لسانها عندما توعدها ترامب بتدمير اقتصادها، حال دخولها للمناطق الكردية.. وهى لا تستطيع توفير غطاء ودعم جوى لقواتها بالمنطقة إلا بترتيبات مع موسكو.. كل ذلك يعنى أننا بصدد عملية توزيع أدوار، تستهدف التمهيد لتنازلات أمريكية كبيرة، وشبهة مجاملات روسية إرضاءً لتركيا!
إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية أكد «المنطقة الآمنة تشكلت فعليًا على حدود سوريا الشمالية المتاخمة لتركيا، من إدلب إلى منبج مرورًا بعفرين وجرابلس».. عبارة تستهدف فرض الوجود التركى كأمر واقع.. أردوغان يمهد لدخول تل أبيض وتل رفعت، حيث أورد أنه أبلغ روسيا وأمريكا وألمانيا بذلك.. مجلس الأمن القومى التركى أعلن 31 يوليو عن إقامة منطقة آمنة باسم «ممر سلام» شمال سوريا.. ووزير الدفاع اجتمع بالقادة العسكريين، لبحث تفاصيل عملية عسكرية محتملة بالمنطقة.. ولاية هكارى جنوب شرق تركيا، أُعلنت كمنطقة أمنية خاصة، منع دخولها إلا بإذن خاص.. إجراءات عديدة تجسد جنون التصعيد التركى.
•••
عزم تركيا على اجتياح شمال سوريا يعكس أطماعها بالمنطقة، لكنها اختارت التوقيت الراهن للتصعيد، بسبب حاجة أردوغان، وحزب «العدالة والتنمية» إلى تحقيق إنجاز خارجى يدعم موقفه الداخلى بعد خسائره فى الانتخابات البلدية، والتصدعات والانشقاقات الداخلية بالحزب، ناهيك عن الأزمات التى تواجهها الدولة فى علاقاتها بحلفائها الرئيسيين؛ الناتو، والولايات المتحدة.
هل تتم العملية بكل تداعياتها الخطيرة، والعرب صامتون؟!، وكيف تفلت تركيا بجريمة تجروئها على الأرض، والسيادة العربية؟!