الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل جربت أن تفعل شيئًا تحبه؟

هل جربت أن تفعل شيئًا تحبه؟
هل جربت أن تفعل شيئًا تحبه؟


بقلم: فاطمة خير

 لا تعتقد أن السؤال ساذج، أو أن الإجابة ستكون سهلة، أولًا..لأن الأسئلة التى تبدو سهلة هى الأصعب دومًا، وثانيًا..لأن هذا السؤال يحمل فخًا كبيرًا، أى فخ؟ حاول أن تجاوبه الآن، نعم..فى هذهِ اللحظة..الآن، هل أسعفتك الإجابة؟ أم إنك تشعر بالتردد؟ أعرف أنك متردد بالفعل، وأن ذلك أربكك، لا داعى للخجل، يعنى هذا أنك تحاول الإجابة بإخلاص، أو أنك..بحاجةٍ للمساعدة، ولا شىء فى ذلك يدعو للخجل، فمن منا لا يحتاجها، خصوصًا فى هذهِ اللحظة؟!
عن نفسى فى هذهِ اللحظة، أفعل الشىء الذى أحبه أكثر من أى شىء آخر: أكتب، نعم..فأن أمارس الكتابة هو الفعل الأحب إلى قلبي، ليس هذا فحسب، أنا أيضًا أستمع الآن إلى موسيقى أحبها، فى الحقيقة أفعل ذلك من قبل منتصف اليوم حتى أستطيع أن أصل إلى هذهِ اللحظة، التى تُفتَحُ فيها أبواب الكتابة، أستأذنها برفقٍ وعلى مهل، حتى تمنحنى أسرارها، وفى اللحظة التى يُفتَحُ لى فيها الباب، أحضر بكل كيانى فى بلاط صاحبة الجلالة..الكتابة، حينها فقط تسمح لى «الكتابة» أن أجول كما أرغب، وأنهل من رحيق الكلمات، وأبنى بالحروف عالمًا لم يكن موجودًا قبل أن أخطه بيدي، أسبح فى هذا الملكوت كما أريد إلى أن أرتوي، بعدها أهبط إلى هذا العالم، وأنا أحمل الكنز، فأفرح به..وأشارككم إياه.
هل تعرفون لماذا حدث كل هذا؟ ببساطة..لأننى أمارس ما أحب، أن تقوم بفعل شيئًا تحبه ليس بالأمر السهل، فأن تفعل ما تحب يعنى أنك ستدفع الثمن، وبالمناسبة إذا فعلت ما لا تحب فأنت ستدفع الثمن أيضًا، لكل منهما ثمنه، أنت وحدك القادر على اختيار أى ثمنٍ أنت على استعدادٍ لدفعه، وفى الحالتين أيضًا ستجنى ما يعود عليك بالفائدة، لكن صدقنى لا طعم أبدًا لتلك الأشياء التى لم نكن نبتغيها بالأساس..ولا مذاق، وحدها الأشياء التى نحبها هى التى تمنحنا القدرة على الاستمرار فى هذه الحياة القاسية، وحدها التى تمنح الأيام طعمًا، وحدها التى تستحق أن ننفق العمر فيها، والسؤال الصعب هنا، والأجدر بالتفكير فيه هو: ما الأشياء التى نحبها؟
ذكرياتنا البعيدة..البعيدة جدًا، نعم أقصد تلك التى كنا نمرح فيها أيام الطفولة، دومًا هى الأصدق، لذا فحين يلتبس عليك الأمر، أغمض عينيك وحسب، وعد إلى تلك الأيام مُجرَدًا من أى أهواء، وحدها تلك اللحظات التى تحمل الإجابة، وما أصعبها من مهمة، أن تجرد نفسك لتعود للحظة صدقٍ لم تكن حينها عابرة فى حين أنها كذلك الآن.
لا تقلق أبدًا على أى فعل «يجب» عليك القيام به، فعجلة الحياة قادرة على أن تدهسنا بمرارةٍ وبشقاء، عنوةً وبلا رحمة، كى تجبرنا على الانتباه للواقع والانسياق له، إلا أن الحياة تظل قادرة على منحنا لحظات ننتبه فيها إلى أنه لم يكن ذلك المسار هو ما نريد؛ فإما نستجيب لتنبيهاتها التى تومض بين حينٍ وآخر، أو نتجاهلها مستسلمين لعجلةٍ تدور فى كل الأحوال، فإما «سلام» مصطنع بالانسياق لها، أو سلام حقيقى دائم مهما قصر العمر لكنه وحده الذى يمنح لحياتنا معنى وقيمة وطعمًا.  
أنت لا تحب وظيفتك، أنت تقوم بها وحسب، فلتعترف بذلك – إن صح -، أنت لا تحب أغلب أدوارك الاجتماعية، أنت تؤديها وحسب، فلتعترف بذلك ولتواجهه، كم من أعمارٍ نعيشها؟ هو عمر واحد لا أكثر، ألا يستحق ذلك منك أن تقاتل لأجله؟ أن تمارس خياراتك الخاصة لا المفروضة عليك لأى سببٍ كان! للأسف..فإن الفرصة لن تعود كى تصحح مسارك، ولحظة انتهاء اللعبة/الحياة غير معروفة أبدًا فهى بيد الله وحده؛ فهل عرفت الآن قيمة اللحظة؟ نعم..هذهِ اللحظة وكل لحظة.
هل تعرفون أى ندمٍ الذى أخشاه ؟ وحدها لحظة أن تستعصى على الكتابة، تلك هى اللعنة الوحيدة التى تصيبنى بالذعر، فحينها فقط لن يصبح لحياتى معنى، ولا شيء سيعيننى على قسوة الأيام، ولا شىء سيبقى بعدى ليخبر من سيأتون أننى كنت هنا.
لكلٍ منا سره الذى لا يعرفه سواه، سر فرحه، ومتعته، وتذوقه للأيام، لما إذن لا تجتهد قليلًا أو كثيرًا لتبحث عن كنزك الخاص، ذلك الذى سيعطى لأيامك معنى، هو هنا..فى داخلك، لتقرر الآن..وليس بعد قليل، أنك ستبادر بمنتهى الإخلاص وستختار شيئًا تحبه، وستفعله الآن..هكذا ببساطةٍ وحسب.