الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الإعلان الدستورى السودانى.. حراك فى مفترق طرق

الإعلان الدستورى السودانى..  حراك فى مفترق طرق
الإعلان الدستورى السودانى.. حراك فى مفترق طرق


 فى 4 أغسطس الجارى، وبعد أشهر من الصراع وقّع  المجلس العسكرى الانتقالى السودانى وقوى إعلان الحرية والتغيير بالأحرف الأولى على وثيقة الإعلان الدستورى المنظم للمرحلة الانتقالية، وهو الاتفاق الذى جاء بعد أن سالت أنهار من الدماء والذى يمهد لانتخابات بعد ثلاث سنوات.

ومن المقرر أن يجرى التوقيع الرسمى على الإعلان الدستورى أمام كبار الشخصيات الأجنبية فى 17 أغسطس الجارى بحسب إعلان القيادى فى قوى الحرية والتغيير منذر أبو المعالى، على أن يعلن فى اليوم التالى أسماء مجلس السيادة، وبعد يومين سيعلن عن اسم رئيس الوزراء، وفى 28 أغسطس سيُعلن عن أسماء أعضاء مجلس الوزراء.
جاء التوقيع بعد وساطة الاتحاد الإفريقى وإثيوبيا بعد أسابيع من المفاوضات ووسط أعمال عنف فى العاصمة الخرطوم وعدة مدن سودانية، وكان أبرز أعمال العنف التى وقعت فى البلاد مذبحة فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة من قبل عسكريين يعتقد أنهم ينتمون لقوات الدعم السريع.. وقد وقَّع على الوثيقة كلٌّ من نائب رئيس المجلس العسكرى، محمد حمدان دقلو «حميدتى»، فى حين وقَّع أحمد الربيع عن قوى إعلان الحرية والتغيير، وشهد مراسمَ التوقيع بقاعة الصداقة فى العاصمة الخرطوم، الوسيط الإفريقى محمد الحسن ولد لبات، والوسيط الإثيوبى محمود درير.
وبحسب الوثيقة تستمر «المرحلة الانتقالية» 29 شهرًا، وتكمل اتفاق قادة الجيش وقادة تحالف قوى الحرية والتغيير (الذى يقود الاحتجاجات) فى 17 يوليو الماضى على الإعلان الدستورى لتشكيل مجلس «عسكرى مدنى مشترك»، وبمجرد ممارسة الحكومة الانتقالية لمهامها تبدأ فترة انتقالية مدتها 3 سنوات يتوقع أن تقود إلى انتخابات.
وتؤسس الوثيقة لحكم نظام برلمانى غالبية الصلاحيات التنفيذية فيه وإدارة الدولة لدى مجلس الوزراء، الذى ترشحه قوى التغيير، ويعينه المجلس السيادى، وتقسم مستويات السلطة إلى «المجلس السيادى، مجلس الوزراء، المجلس التشريعى»، والمجلس السيادى ذو صلاحيات تشريفية وسلطات تنفيذية محدودة.
وفيما يتعلق بمجلس الوزراء الذى أعطاه الاتفاق صلاحيات كبيرة فينص الاتفاق على منحه صلاحيات تنفيذية لإدارة الدولة، ويكون اختيار رئيس الوزراء من جانب قوى التغيير، ويتم اعتماده من المجلس السيادى، ويرشح المكون العسكرى فى مجلس السيادة وزيرى «الداخلية والدفاع»، وهما يتبعان لمجلس الوزراء، ويتولى مراقبة أدائهما.
ويشير مراقبون إلى أن الإعلان الدستورى يؤسس لنظام برلمانى بالبلاد، ومعظم الصلاحيات التنفيذية لدى رئاسة الوزراء، عدا بعض الصلاحيات القليلة ستكون بين المجلس السيادى ورئيس الوزراء.. ومن المقرر أن يتكون مجلس الوزراء من نحو 20 وزيرًا، وسيقوم رئيس الوزراء بتعيينهم وسيجيزهم المجلس السيادى.
وينص الاتفاق على أن من مهام المجلس التشريعى: سن القوانين، ومراقبة أداء الحكومة، والمصادقة على الاتفاقيات، وإعلان الحرب، وكان هناك خلاف فيما يتعلق بنسب التعيين فى المجلس التشريعى، ونص الاتفاق على أن تكون نسبة قوى التغيير فى المجلس التشريعى 67 %، والبقية للقوى المساهمة فى الثورة والتى لم توقع على وثيقة «قوى إعلان الحرية والتغيير»، على أن يجرى التشاور فى النسبة المتبقية بين المجلس العسكرى وقوى التغيير.
ويترك للحكومة المدنية، عقب إجراء مشاورات، تحديد شكل الدولة، إما أن تكون أقاليم أو ولايات (18 ولاية حاليًا).
أما «حصانة العسكريين» فكانت النقطة الأكثر إثارة للجدل، حيث طلب جنرالات الجيش «الحصانة المطلقة» كما بحثوا صلاحيات مجلس السيادة المشترك ومظاهر الانتشار العسكرى فى عموم السودان، وتوافق الطرفان بشأن حذف فقرة الحصانة المطلقة فى الوثيقة الدستورية، ولم يتم الاكتفاء بذلك، بل نصت الوثيقة على أن كل الهيئات والمؤسسات والشخصيات الحكومية تخضع لحكم القانون ضمن مبدأ «سيادة القانون». علاوة على «إجراء مساءلة فى كل القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق المواطن»، كما تتضمن الوثيقة بندًا بشأن تكوين 11 مفوضية مستقلة، منها 4 مفوضيات تابعة لكل من المجلس السيادى ومجلس الوزراء، وهى مفوضيات «السلام، والحدود، والانتخابات، والدستور».
والسؤال كيف حسمت الوثيقة القضايا الشائكة «الجيش والمخابرات والدعم السريع» والحقيقة أن المفاوضات تطرقت إلى نقطتى خلاف وهما  دور جهاز المخابرات العامة وقوات الدعم السريع، أقوى قوة شبه عسكرية فى السودان وبعد مساجلات انتهى الاتفاق إلى:
تقسيم السيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية فى البلاد، بحيث يخضع جهاز المخابرات العامة (الأمن والمخابرات سابقًا) للسلطة السيادية والتنفيذية، وتتبع القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» للقائد العام للقوات المسلحة، الخاضعة للمجلس السيادى، ويتم إسناد عملية إصلاح القوات المسلحة للقوات المسلحة، وتتبع الشرطة لمجلس الوزراء، ويرشح المكون العسكرى فى مجلس السيادة وزيرى الداخلية والدفاع، وهما يتبعان لمجلس الوزراء، ويتولى مراقبة أدائهما.
ويحق لحاملى الجنسيات المزدوجة تولى مناصب فى مجلس الوزراء، ما عدا الوزارات السيادية، حيث يتم التشاور حولها بين مجلس السيادة والوزراء.
وسبق أن اتفق الطرفان على أن يتألف مجلس السيادة من 11 عضوًا، هم 5 ضباط يختارهم المجلس العسكرى، وعدد مماثل من المدنيين يختارهم تحالف قوى الحرية والتغيير، إلى جانب شخصية مدنية أخرى بالاتفاق بين الجانبين.
وبحسب الاتفاق، فإن رئيس المجلس الأول سيكون من الجيش، وذلك لمدة 21 شهرًا، بداية من توقيع الاتفاق، تعقبه رئاسة أحد الأعضاء المدنيين لمدة 18 شهرًا المتبقية من الفترة الانتقالية، وعندما يتشكل مجلس السيادة، يتم حل المجلس العسكرى الحاكم حاليًا برئاسة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتى) رئيس قوات الدعم السريع، الأمر الذى يعنى أن القوة العسكرية الضاربة  للبلاد وهى الجيش وقوات الدعم السريع ستخضع لقيادة رئيس المجلس السيادى الذى سيختاره المجلس العسكرى خلال المرحلة الأولى للاتفاق.
وعلى الضفة الأخرى للنهر، تحفظت الجبهة الثورية - التى تضم حركات عسكرية وقوى سياسية - على الوثيقة واتهمت لجنة التفاوض باختطاف المشهد.
 وقالت الجبهة الثورية السودانية إنها لم تكن ممثلة فى جلسة المفاوضات، وإن مفاوضيها جرى إقصاؤهم من اللجنة التى قالت إنها اختطفت المشهد التفاوضى باسم الحرية والتغيير.
وتضم الجبهة الثورية 3 حركات ترفع السلاح فى وجه الحكومة، هى حركة تحرير السودان برئاسة أركو مناوى التى تقاتل فى إقليم دارفور (غرب)، والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة مالك عقار وتقاتل فى ولايتى جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، والعدل والمساواة التى يتزعمها جبريل إبراهيم وتقاتل فى إقليم دافور (غرب)، كما تضم إلى جانب ذلك قوى سياسية تنضوى داخل كيانات تشكلت خلال معاركها مع النظام السابق، أشهرها «نداء السودان» الذى يندرج داخله حزب الأمة (أكبر الأحزاب السودانية) وحزب المؤتمر السودانى.•