الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

أمريكا فى صيف 2019

أمريكا فى صيف 2019
أمريكا فى صيف 2019


وهل من جديد؟!.. مذبحة أمريكية أخرى ومقتل وإصابة العشرات. والجانى شاب يحمل السلاح الفتاك ويفتح النار على مجموعة من البشر. والجدل يدور من جديد حول أساليب هذا الكابوس الأمريكى المتكرر من حين لحين. وكل رئيس أمريكى يندد ويشجب ما يحدث. ويَعد بالمواجهة، إلا أن الأزمة المستمرة والرعب لا يفارق الأجيال الجديدة. والكل يتساءل: هل من مَخرج؟
لقد شهدت مدينتان أمريكيتان مقتل 29 شخصًا فى 13 ساعة. كانت جريمة قتل جماعى دموية وصادمة هزت أمريكا برمتها فى أول «ويك إند» (عطلة نهاية الأسبوع) فى شهر أغسطس عام 2019.
المدينتان كانتا إل باسو بولاية تكساس ودايتون بولاية أوهايو. ومع الأسف تكرر المشهد الأمريكى إياه المثير للحزن والقلق والغضب. ومن ثم تكررت المواجهة السياسية المعتادة حول تفشى انتشار وامتلاك الأسلحة بين أهل أمريكا بشكل مخيف ومرعب، وأيضًا حول ضرورة علاج المرضى النفسيين قبل أن تمتد أياديهم لحمل السلاح وتوجيهه للأبرياء! ولا شك أن الجدل يشتد هذه المرّة أكثر من ذى قبل عن الأجواء المسمومة بخطاب الكراهية. كراهية الآخر الذى يرى أنه يخطف اللقمة من أمامه والذى يسرق مكانه فى العمل، هكذا يتم دق طبول الحرب ضد الآخر وبالتالى كراهيته. ظاهرة كُره الآخر بدأت تطفو على السطح.. بل أخذت تطفح من حين لحين. البعض يسميها التطرف الأبيض والبعض يوصفها بالتطرف الوطنى أو العنصرى. نعم قد تختلف وتتباين التسميات إلّا أن ما يحدث فى أمريكا أو ما يغلى فى أمريكا يثير التساؤلات حول إلى أين ستسير الأمور. ويرى البعض وهم ليسوا بالقلة أن ما يقوله وما يغرد به الرئيس ترامب وما يلوّح به وما يهدد به تزيد الأمور توترًا وانقسامًا حادّا واستقطابًا مخيفًا.
ومع القبض على القاتل فى جريمة إل باسو شاب أبيض البشرة فى الـ 21 من عمره بدأ الحديث عن «مانيفستو» (بيان) كراهية يتضمن نحو ألفين و300 كلمة ويتحدث عن الغزو الهيسبانى وأيضًا عن ضرورة إيجاد الحل البديل الأبيض. والتساؤل الذى يفرض نفسه فى هذه الحالة وفى الحالات المماثلة: لماذا هذا الإصرار على التبرير المطول وخطاب الكراهية المُطعّم بكلمات وجُمَل وتعبيرات رنانة وتخاريف تبدو منطقية أو تاريخية إذا كان الأمرُ فى نهاية المطاف سينتهى إلى قتل أبرياء بلا نقاش وبلا مبرر وبلا رحمة!
ومَهما تمت الدعوة إلى التعقل والعقلانية وعدم شَعللة الموقف فإن التعامل مع هذه الجرائم الإرهاب المحلى يحتاج إلى إرادة سياسية لا نراها بوضوح وجرأة لدى أصحاب القرار. خصوصًا عندما يتطرق النقاش إلى مسألة انتشار السلاح، وهنا يصبح الاتفاق مستحيلًا ولوبى السلاح فى الغالب منتصرًا. «إن القتل الجماعى مثل ذلك الذى حدث فى إل باسو يجب أن يدينه قادة أمريكا باعتباره إرهابًا». هكذا كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» فى افتتاحية لها فى اليوم التالى للحادث الدموى مسلطة الضوء حول ما حدث من تنامٍ وانتشار للتطرف الأبيض الوطنى / العنصرى فى الآونة الأخيرة وصار واضحًا خطورة خطابه الملىء بالكراهية للآخر.. واصفة إياه بالإرهاب المحلى. وذكرت «نيويورك تايمز» فى نهاية الافتتاحية أنها تطالب رجال القانون الأمريكى أن يستهدفوا الوطنيين البيض بالحماس نفسه الذى استهدفوا به الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين من أجل ضمان الأمن الذى يطالب به الوطن.
أمّا ديفيد فروم وكان كاتبًا  لخُطب الرئيس بوش الابن ذكر بعد «الويكإند» الدموى: «إن أمريكا ليست الدولة الوحيدة التى تعانى من التطرف العنصرى الأبيض إلّا أنه بما يتوافر بها من ترسانة أسلحة تؤكد أن هذا التطرف قد يكون قاتلًا». ولم يتردد وهو يتناول هذه القضية الشائكة والقائمة منذ سنوات طويلة على القول،ـ «أسلحة أكثر قتل أكثر.. أسلحة أقل قتل أقل. كل الآخرين تبينوا ذلك. إن الأمريكان فقط الأمريكان يرفضون العمل بذلك المنطق».
ما لفت الأنظار عقب جريمة إل باسو.. أن عددًا كبيرًا من أهالى وأقرباء الضحايا نظرًا لأنهم مهاجرون غير شرعيين وخوفًا من إمكانية القبض عليهم وترحيلهم خارج البلاد.. اضطروا لعدم التعامل مع الجهات الرسمية فى المدينة سواء لتلقى المساعدة أو تقديم المعلومات لمن يعنيه الأمر!. ولا شك أن التركيبة السكانية لـ إل باسو من الهيسبانيك أعطت للحادث الدموى أبعادًا أكبر وأشمل للتعامل مع ملفات المذبحة وقضاياها العنصرية والكراهية تجاه الآخرين المهاجرين أو اللاجئين من أمريكا اللاتينية.
كما أن إثارة قضية الإرهاب العنصرى الأبيض الذى غالبًا يتسم بالنزعة الوطنية المتطرفة دفعت من جديد أصحاب القرار السياسى والأمنى إلى الحديث عن الأرضية المشتركة التى تجمع بين هؤلاء المتطرفين والإرهابيين فى كل بقاع العالم فى أمريكا وفى أوروبا وفى نيوزيلندا.. ليس فقط فى التوجهات بل فى الأدوات والوسائل أيضًا وإثارة التساؤل: هل هناك تواصُل وتآمُر وتعاوُن فيما بينهم؟. وبالطبع العنصر المثار دائمًا دور وسائط التواصل الاجتماعى فى نشر الكراهية والتطرف العنصرى واستهداف الآخر وشيطنة الغريب.. وبث سموم العنصرية والتمييز العِرقى والتفوق الأبيض. ثم من لديه القدرة لمواجهة هذا التطرف الأبيض المتغلغل داخل أمريكا وأهلها؟.. وخطاب الكراهية الكريه لايزال مع الأسف له مريدون وأتباع وأنصار وداعون له فى كل الأوقات. لا أحد يريد أن يتم نسيان الأمر مع مرور الأيام كما حدث من قبل مع الآسف. 
••
ماذا يقرأ أهل واشنطن؟
سؤال أطرحه من حين لحين لجس نبض واشنطن ولقياس مزاج أهل العاصمة الأمريكية.. مدينة القرار الأمريكى. ولا شك أن الكتاب (لمن يهمه الأمر) لايزال له قارئه وناشره أيضًا. والكتاب كأى منتَج فكرى أو أدبى أو فنى يحتاج إلى تعريف وترويج واحتفاء وأيضًا إلى تقييم وانتقاد وتحليل. وهذا ما تقوم الصحف الكبرى نيويورك تايمز وواشنطن بوست ووول ستريت جورنال على صفحاتها من أجل قارئ شغوف يريد أن يزيد معارفه وإدراكه للعالم من حوله.. وأن يتواصل مع تاريخ الإنسان وجغرافيته أينما كان.
وقد تتعجب إذا قلت لك إن رواية جاتسبى العظيم الشهيرة لسكوت فيتزجيرالد تتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعًا فى واشنطن هذا الصيف. الرواية التى صدرت فى أبريل 1925 تجد رواجًا وإقبالًا فى عام 2019. ويبقى السؤال: لماذا الآن، وهل يبحث القارئ فى هذه الرواية الكلاسيكية عن الحب أمْ موسيقى الجاز؟ رحلتى مع كتب الصيف وما يقرأه أهل واشنطن وأمريكا سوف أتناوله بتفاصيل فى عدد مقبل بإذن الله.