الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مضيق هرمز والخيارات الصعبة

مضيق هرمز والخيارات الصعبة
مضيق هرمز والخيارات الصعبة


يمثل مضيق هرمز «الشريان السباتى» بالنسبة لحركة التجارة العالمية، فهو الشريان الأساسى الذى يقوم بضخ الدم من القلب لباقى أجزاء الجسم والعكس بالعكس، وحال قطع أى شريان آخر فى الجسم، يمكن أن يواصل الجسم عمله بصورة أو بأخرى، أما قطع الشريان السباتى فيعنى الوفاة على الأرجح.
والأمر نفسه، ينطبق على حركة الاقتصاد العالمي، حيث إن 90 % من نفط الخليج يتم نقله عبر مضيق هرمز، وووفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ووكالة الطاقة الدولية، فإنَّ 21 % من إمدادات الخام العالمية «21 مليون برميل يوميًا»، تمر عبر مضيق هرمز، وقد وضعت الأزمة المشتعلة بين إيران والولايات المتحدة مضيق هرمز فى الواجهة بصورة غير مسبوقة، وأصبح تأمين الملاحة فى ذلك الشريان الحيوى هو الشغل الشاغل للجميع.
وقد تزايدت فى الآونة الأخيرة دعوات تشكيل قوة بحرية دولية لضمان حرية الملاحة فى مياه الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان بعد تكرار تعرُّض السفن وناقلات النفط لحوادث التخريب ووصول التهديدات الإيرانية ذروتها باحتجاز ناقلة نفط بريطانية، وهو ما ألمح إليه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى أعلن أن بلاده لن تتحمل وحدها عبء تأمين الملاحة فى الخليج ومضيق هرمز، وأنه على الدول الأوروبية والآسيوية المستفيدة من ذلك الطريق الملاحى أن «تدفع مقابل حماية سفنها وناقلاتها».
ويمر نحو ثلث النفط العالمى من مضيق هرمز يوميًا، نصيب الولايات المتحدة منه – بحسب ترامب – يكاد يكون صفرًا بعد أن وصلت واشنطن إلى الاكتفاء الذاتى من إنتاج الطاقة، وبالتالى يجب على الدول المستفيدة أن تشارك فى حماية مصالحها، أو أن تدفع مقابل تلك الحماية.
وتتضمن خطة ترامب التى تسمى «الحارس» بتشكيل قوة بحرية تشارك فيها الدول الأوروبية الكبرى التى تمتلك أساطيل بحرية قوية مثل هولندا واليونان وبريطانيا وغيرها، إضافة للقوى الآسيوية التى تعتمد على نفط الخليج مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، على أن تقوم المملكة العربية السعودية وباقى دول الخليج المنتجة للنفط بتقديم الأموال اللازمة لتمويل القوة، بحسب ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال».
 وقد ادّعت إيران أن ناقلة النفط البريطانية «ستينى أمبرو» ارتطمت بقارب صيد إيرانى وهى الذريعة التى استغلتها طهران لاحتجاز الناقلة فى عملية عسكرية تتباهى بها إيران ، وهذه العملية توضح أيضًا مدى صعوبة توفير الحماية للناقلات، حيث إن سفينة عسكرية بريطانية كانت على بُعد ساعة تقريبًا من الناقلة ولم تتمكن من حمايتها من الاختطاف.
وليس سرًا أن هناك أزمة تواجه الأمر تتعلق بطبيعة المضيق الذى يبلغ عرضه أقل من 21 ميلًا بحريًا عند أضيق نقطة به، وهو ما يجعل تعطيل الملاحة به أمرًا يسيرًا بالنسبة للبحرية الإيرانية، وخصوصًا بحرية الحرس الثورى المعتمدة على القوارب الصغيرة السريعة والطوربيدات والألغام البحرية والصواريخ الباليستية قصيرة المدى، علاوة على انتشار الجزر الصغيرة والشواطئ الصخرية وارتفاع درجة الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح التى تشكل معا مناخًا عدائيًا، وأيضًا سلاسل الجبال والوديان قرب المضيق ومعظمها غير مأهول بالسكان ويمثل نقاط استهداف للسفن المارة.
وفى المقابل، ترفض إيران تشكيل قوة دولية، وربما للأمر جذور تاريخية، فأثناء الحرب العراقية-الإيرانية، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وأغرقت بعض السفن الحربية الإيرانية فى المضيق، وقد تعلمت طهران الدرس ولجأت إلى تجنب المواجهات العسكرية المباشرة ضد القوة البحرية الأقوى فى العالم، مع اتخاذ أساليب التخريب كبديل، ولتنفيذ ذلك أصبح الاعتماد الرئيسى للحرس الثورى على الزوارق الحربية السريعة.
والبديل الحالى هو الذى تلجأ إليه الدول الآن هو قيام كل دولة بإرسال قطع بحرية عسكرية لمرافقة الناقلات والسفن التجارية التى تحمل أعلامها، وهذا البديل يعنى بداية ارتفاع التكلفة المالية لنقل النفط والبضائع بصورة ربما لا يمكن تحمُّل عواقبها، ولا شك أن وجود حراسة بحرية مع كل ناقلة نفط يرفع من تكلفة السلعة وهى النفط، من ناحية تكلفة السفن الحربية وتكلفة التأمين على الناقلات التى ارتفعت بصورة مقلقة فى الأسابيع الأخيرة، كما أن أجور العاملين نفسها وتكلفة الشحن البحرى كلها سترتفع بصورة كبيرة مع زيادة المخاطر فى كل مرة تمر فيها الناقلة أو السفينة التجارية من مضيق هرمز.
كما أن إيران يمكن أن تستغل وجودًا عسكريًا منفردًا لكل دولة على حدة لمصلحتها، عكس وجود قوة دولية مشتركة بقيادة موحدة. ففى 29 يوليو الماضي، أرسلت بريطانيا سفينة عسكرية أخرى إلى الخليج وأعلنت عن إرسال عدد من الجنود، وهو ما أغضب ألمانيا واعتبرته «نسفًا» لجهود تشكيل قوة حماية أوروبية، وهى الخلافات التى تصب فى مصلحة إيران وتعطيها الفرصة لاستمرار سياستها فى جعل الملاحة فى مضيق هرمز رهنًا بإرادتها وحدها، وبعيدًا عن الحرب التى لا تريدها إيران ولا يريدها أعداؤها، تجعل طهران من مرور الناقلات أمرًا مكلفًا للغاية يتسبب فى رفع أسعار النفط ومن ثم زيادة الضغوط على الحكومات الغربية، بحيث يكون البديل هو تخفيف العقوبات والجلوس على مائدة المفاوضات وهو بالتحديد ما تريده إيران.
وعلى الضفة الأخرى للنهر، قالت وكالة الأنباء الدولية الاقتصادية «بلومبيرج»، إنَّ السعودية تسرع خطواتها لتوسيع مشروع لتصدير النفط الخام، بعيدًا عن مضيق هرمز.
وأشارت إلى أن شركة أرامكو السعودية تتوقع الانتهاء من مشروع بدأته لتوسيع خطوط أنابيب نقل الخام من شرق المملكة إلى غربها، بحلول سبتمبر المقبل.
وتملك السعودية خطَّ أنابيب لنقل الخام من حقولها الشرقية إلى سواحل البحر الأحمر «غرب»، إلا أنَّ قدرتها لا تتجاوز مليونى برميل يوميًا.
وأعرب وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، عن أمله فى زيادة طاقة خط أنابيب شرق- غرب فى السعودية، إلى 7 ملايين برميل خلال عامين، ودعا المستوردين العالميين إلى تأمين شحناتهم من الطاقة التى تمر عبر مضيق هرمز، وأشار إلى أنه قلق من الوضع الحالى فى المضيق، وتنقل السعودية حاليًا معظم نفطها عبر مضيق هرمز، الذى تسيطر عليه إيران.
وبحسب صحفية «وول ستريت جورنال»، فالسعودية ودول خليجية أخرى منفتحة على فكرة تمويل حماية أمريكية بحرية لناقلاتها فى الخليج.
وقد وافقت كل من بريطانيا وهولندا والهند، بحسب التقارير، على المقترح الأمريكي، وأرسلت بريطانيا والهند بالفعل سفنًا حربية إلى مياه الخليج، فيما رفضت دول أخرى بينها فرنسا وإسبانيا المشاركة فى المقترح؛ لأنها تريد تجنب التصعيد مع إيران.
وبعد أن قامت إيران باحتجاز الناقلة البريطانية ستينى أمبيرو، وجه وزير الخارجية جيريمى هانت الدعوة لباقى الدول الأوروبية للمشاركة فى قوة بحرية لمراقبة حركة الملاحة فى مضيق هرمز، بعيدًا عن المقترح الأمريكي، ورغم التناقض فى الموقف «بريطانيا تسعى جاهدة للخروج من الاتحاد الأوروبى والآن تطلب التعاون»، فإن ردود الفعل الأوروبية جاءت إيجابية.
وتبدو فكرة تشكيل قوة لمراقبة مياه مضيق هرمز تبدو من الناحية النظرية ممكنة التنفيذ، لكن الواقع العملى يفرض عددًا من التحديات لا يبدو أنه لدى أصحاب المقترح إجابات شافية عنها.
من ناحية الوقت الذى قد يستغرقه تشكيل القوة البحرية، يرى الخبراء أنها تحتاج لـ4 أشهر على الأقل كى تصبح موجودة وعاملة بالفعل فى المنطقة، وهذا يعنى أن الوضع الحالى مستمر حتى ذلك الوقت، وهو ما يراه الجميع أمرًا خطيرًا ومكلفًا ولا يمكن استمراره كل هذا الوقت، كما أن ما يزيد من صعوبة تشكيل تلك القوة هو الرفض الإيرانى المعلن وإصرار إيران على أن أى وجود عسكرى أجنبى فى مياه مضيق هرمز «التى تعتبرها طهران بالكامل مياهًا إقليمية» سيكون عامل اضطراب وليس عنصر استقرار.
التصريحات أو بالأحرى التهديدات الإيرانية لا يمكن تجاهلها قياسًا على سلوك إيران منذ احتدام الأزمة بينها وبين الولايات المتحدة قبل نحو 3 أشهر، وبالتحديد مسألة احتجاز ناقلة النفط البريطانية ما يعنى أن طهران غير مستعدة للتراجع عن أى تهديد تطلقه، فتأكيدات إيران أنها لن تتوقف عن تصدير نفطها «مهما كانت الظروف» وأنها دولة مصدرة للنفط، يعنى أنها لن تسمح لخطوة كإنشاء قوة مراقبة بحرية تتم وتصبح فاعلة دون اتخاذ المزيد من خطوات التصعيد التى قد تشعل الحرب التى لا يريدها أحد.
إذا كانت هناك صعوبات تواجه المقترح البريطانى أبرزها عامل الوقت، فإن الخطة الأمريكية «الحارس» والتى ربما لا تواجه مشكلة الوقت، فالتواجد الأمريكى العسكرى البحرى فى المنطقة مكثف بالفعل، والأسطول الخامس متمركز فى البحرين وانضمت له حاملة طائرات، وزاد عدد الجنود والبحارة فى الأشهر الأخيرة.
لكن الحوادث التى شهدتها المنطقة فى الأسابيع الأخيرة، وأبرزها إسقاط إيران لطائرة استطلاع أمريكية والتى كادت أن تمثل شرارة الحرب لولا تراجع ترامب عن الرد العسكرى قبل عشر دقائق فقط من التنفيذ، يعنى أن الغرض من تشكيل «الحارس» وهو حماية حرية الملاحة فى مضيق هرمز ربما يتحول للسبب المباشر فى اندلاع شرارة الحرب وهو السيناريو الأسوء الذى لا يتمناه أحد.