الإثنين 16 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قراءة فى كتاب فى بناء البشر

قراءة فى كتاب فى بناء البشر
قراءة فى كتاب فى بناء البشر


للفكر التربوى أهمية كبيرة فى مجتمعنا العربى فهو الذى يحقق حاجاتنا الاقتصادية والاجتماعية، ومطالبنا الحضارية والثقافية.
ويُعد كتاب «فى بناء البشر» للدكتور حامد عمار من الدراسات الرائدة والمهمة التى اهتمت بالفكر التربوى ودوره فى تنمية المجتمع، وقد صدر الكتاب عن دار العين للنشر.

قضايا قديمة جديدة!

ولاتزال القضايا التى يطرحها الكتاب تشغلنا حتى الآن فهى قضايا قديمة جديدة نتيجة لقاء تيارات متعددة فى حياتنا الثقافية، ومنها آثار لتراثنا القديم، لابد من دراستها وأفكار مستحدثة لم تضرب بجذورها فى أعماق واقعنا، ومن هنا رأى كاتبنا الراحل ضرورة الربط بين القوى الحضارية فى المجتمع، والقوى التربوية فيه.

الذات والمجتمع

وفى الكتاب محاولة لتشكيل بعض ملامح الشخصية المصرية التى تولدت لا من خلال المؤسسات التعليمية فحسب بل كونتها عوامل التاريخ ونظام الحكم والإعلام، وما أحاط بها من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد استقرأ كاتبنا نمط الشخصية من خلال منهج يستلهم مادته من الإحساس العميق، والمعايشة الواعية والملاحظة العرفانية من خلال التأمل والاستقراء الوجدانى لسلوك البشر ودوافعه اليومية فى تحقيق الذات والمصالح، وهو ما نحتاج إليه أيضًا فى فهم ودراسة المجتمع، والدفع باتجاه الشخصية المنتجة، والمبتكرة.

خبرات جديدة وطرق اكتسابها

ومن هنا احتوى الكتاب على نظرة علمية شاملة ربطت بين القوى التربوية الفاعلة وأحداث المجتمع، التى كان لها تأثيرها على حياة الوطن والمواطن، فهو يرى أن خير أساليب التعلم، هى التى تضع معالم الطريق لأنواع من الخبرات الجديدة، وطرق اكتسابها، فهو يرى أن الإقدام على تعمير الصحارى - على سبيل المثال- هو فى حقيقته قوة تربوية هائلة، وكذلك ارتياد مجالات جديدة للزراعة بما تتطلبه من بحوث فى التربة، ومسح للأرض، وشق للطرق، وتنظيم للعمل والعمال، وتوطين الناس، فكلها مجالات تربوية جديدة ذات آثار بعيدة المدى؛ لأنها توفر خبرات جديدة فى حياة المجتمع، وتؤثر فى حياة الكبار كما تؤثر فى حياة الصغار.

وذلك لما تخلقه من إمكانيات جديدة للفكر والعمل، ومن صور لم تكن مألوفة للعلاقات بين الأشياء والناس، وبين الناس وبعضهم، ثم ما تفجره من طاقات وتصورات، ولذا يرى «عمار» أن علينا إدخال النشاط الاقتصادى والإنتاجى فى وعى جميع أفراد المجتمع بمختلف أعمالهم ومهنهم وبيئاتهم.

عادات وسلوكيات جديدة


لابُدَّ أن تلتقى أهداف الفرد مع أهداف الجماعة التى يعمل معها، وتلتقى أهداف الجماعة الصغيرة مع الجماعة الكبيرة، وذلك من خلال خلق النظرة الموضوعية، والولاء للعمل، ويقتضى ذلك ضروبًا من تربية جديدة، وعادات فكرية ومسالك خُلقية تختلف عن ظروف العمل الذى تحركه الاتصالات الشخصية أو العلاقات العائلية، أو ارتباطات الصداقة أو القرابة أو المعرفة، أو إلحاح صاحب الشأن ووجوده الشخصى، وهذه النقلة من صور العلاقات الشخصية إلى العلاقات الموضوعية من الضرورات التى ينبغى أن تواجهها قوى التربية فى الأسرة والمدرسة ومؤثرات المؤسسات والنظم الاجتماعية.

صناعة المصير

وعن المشاركة فى صياغة المصير وصناعته يقول كاتبنا أنه لابُدَّ لكى يتحقق ذلك من الوعى بمسائل المواطنة، والحقوق والواجبات السياسية، وأن ينظر الفرد إلى أدواره فى المجتمع، وأن يتحمل مسئولية هذه الأدوار فى ارتباط وتكامل مع الأدوار التى يقوم بها غيره، والمشاركة الواعية تتطلب المعرفة والإلمام بالمسئوليات التى يتصدى لها الإنسان، وارتباطها بغيرها من مسئوليات المواطنين، وممارسة النقد البناء دون أن يكون النقد مجرد وسيلة للتعبير عن الانفعال أو مجرد تنفيس عن الغضب الذى لا يعرف ماذا يريد أو الذى لا يفكر فى بديل لما هو قائم، وأن تصبح المشاركة فاعلة من خلال جماعات قادرة على العمل، فليست المشاركة مجرد آراء أو تعليقات تقال هنا، وتثار هناك دون أن تكون لها قوة العمل الدافعة.

معنى الحياة

وتمثل الثقافة عنصرًا أساسيّا فى بناء البشر كونها جملة الأفكار والمعارف والمعانى والقيم والرموز والمشاعر والوجدانات التى تحكم حياة المجتمع، وعلاقات أفراده ببعضهم وبغيرهم من المجتمعات.

فالثقافة تمثل محركات العمل ودوافعه التى تحفز الإنسان للنشاط والسعى، وتبعث فى نفسه الطمأنينة والرضا كما أنها تشيع فى النفس إحساسا عامًا بمعنى الحياة، وقيمتها فى شكلها العام، وتفاصيلها اليومية.

ولهذا كان الاستعمال الشائع للثقافة يدور حول اكتساب العلم والمعرفة فى المدارس والجامعات أو من مصادرها المختلفة كالكتب، والصحف، والمجلات كما يدور فى ميادين الفنون والآداب باعتبارها مجالا لتراث المعانى والتعبير عنها، ويدور كذلك فى مجالات القيم الخلقية والدينية.

قيمة المعرفة العلمية

لقد كانت الرغبة فى مدافعة الشقاء الإنسانى، والمحافظة على الجنس البشرى سببًا إلى الاتجاه للتجريب للوصول إلى قوانين علمية تحمل فى طياتها قابلية الاستخدام والتنفيذ، وهو ما حدا بفرنسيس بيكون إلى المناداة بهدم أوهام الكهوف وغيرها من الأوهام وتنصيب العلم النافع القائم على الخبرة وعالم المحسوسات مكانها.

ولذا يرى حامد عمار : «أن فلسفة العلم الحديث قد قامت على التركيز على مطالب هذه الحياة، وغدت قيمة المعرفة العلمية فى الثمار التى يمكن أن نجنيها من تعاملنا مع الواقع، وتجربتنا له، وتنظيمنا لشئونه وأدواته، وإن هذا النوع من الفكر العلمى النافع هو الذى يجعل من المعرفة توأمًا للقوة على حد تعبير فرانسيس بيكون بل إننا بالعلم نستطيع أن نقوم بالتخطيط القومى للتنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعى باعتباره عملية خلق علمى منظم، ومن خلال العمل الإنسانى الذى هو المفتاح الوحيد للتقدم.

تفتح الطاقات

ومن هنا يرى كاتبنا أنه لابُدَّ أن يحس طلابنا إحساسا عميقا بقيمة العلوم التجريبية ودورها ومناهجها، وبقيمة العلوم الاجتماعية والإنسانية، وبقيمة الدراسات الأدبية والفنية، وبقيمة الرياضة، والألعاب، والموسيقى بالقدر الذى يستطيعونه، وبالتدريج الذى يتناسب مع سنهم وتجربتهم السابقة، ومرحلتهم التعليمية، وبهذه النظرة الكلية المتكاملة إلى جوانب المعرفة والتجربة الإنسانية يصبح المواطنون أكثر تقاربًا وفهمًا لنشاط المجتمع وجهوده ومستلزماته وأساليب الترابط بين مختلف الأنشطة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والفنية والأدبية، وبهذا التذوق المتكامل لميادين المعرفة يستقيم الإدراك وتتفتح الطاقات.

خَلق الوعى التخطيطى

 مضاعفة الجهد، وإتقان العمل وصيانة الملكية العامة قيم من المهم غرسها فى نفوس النشء ولذا فلابُدَّ للمناهج التربوية أن تعد النشء للعمل المنتج سواء فى ميادين الفكر أو التنظيم أو الابتكار أو الإتقان، او فى تحمل المسئولية.

وإذا كانت انطلاقة المجتمع ترتكز على التنمية الاقتصادية والتطوير الاجتماعى فإن التخطيط مسألة ضرورية على مستوى الفرد والجماعة، فالتخطيط كما يرى «عمار» هو عزم جماعى، وتصميم تعاونى لتحقيق التنمية المنشودة، وأسلوب التخطيط لا يعنى مجرد وضع خطة، ولكن من الضرورى أيضا تكوين عقلية، ووجدان تخطيطى لدى المواطنين يوجهان مسالكهم، وتصرفاتهم الاجتماعية، والفردية، ومن هنا من الضرورى خلق الوعى التخطيطى، وتدعيمه فى أفكار المواطنين وأعمالهم ومشاعرهم.

ويرتبط ذلك بخلق روح الجد، والمثابرة واستكمال العمل، وإتقانه، والتغلب على الصعوبات دون انتحال للمعاذير، وكل هذه عادت فكرية وسلوكية لابُدَّ أن يمارسها ويتعودها الطلاب فى المدارس والجامعات.

الاستهلاك الرشيد

 ويدعو كاتبنا إلى تغيير بعض عاداتنا الاستهلاكية قائلا: «على المؤسسات التعليمية والثقافية إلى جانب الأسرة تقع مسئولية كبرى فى التوجيه نحو أنماط استهلاكية جديدة رشيدة». ويضيف: «لقد كان لاتصالنا بالحضارات الأوروبية آثاره فى الاقتداء بأنماطها الاستهلاكية فى السلع والخدمات لدى الكثيرين منا دون أن ندرك أنها بلغت هذا المستوى الاستهلاكى نتيجة لما وصلت إليه من طاقة أفرادها وجهودهم فى إنتاج السلع والخدمات، وإذا كان الجد والعمل والإنتاج من ضرورات التخطيط فإن عادات الاستهلاك الرشيد من مستلزمات هذه المرحلة من بناء اقتصادنا وتماسكنا القومى». 

الجمع و الطرح !

ويتناول الكاتب بعض المظاهر السلبية التى من شأنها زيادة مظاهر «الفهلوة» فى السلوك، فمن مظاهرها كما يقول:
المبالغة فى تأكيد الذات، والميل المُلح إلى إظهار القدرة الفائقة والتحكم فى الأمور، ويفرق بين الثقة بالنفس التى تنتج عن طمأنينة المرء إلى نفسه، وإدراكه لقدراته للتصرف فى المواقف الخارجية، وبين تأكيد الذات الذى ينجم عن فقدان الطمأنينة وعدم الرغبة فى تقدير المواقف تقديرا موضوعيا، أو اللجوء إلى التهوين من قدر الآخرين، ومن قيمة أعمالهم وهذا هو الجانب السلبى لتأكيد الذات، أو كما يصفه المثل الشعبى الذى «لا يعجبه العجب ولا الصيام فى رجب»، فهو وحده الذى يفهم، وهو وحده الذى لا تخفى عليه بواطن الأمور، وهو وحده الذى يستطيع أن «يجيب السبع من ديله»!
ويستعين حامد عمار بمقولة لتوفيق الحكيم وردت فى كتابه «عصا الحكيم فى الدنيا والآخرة».. يقول الحكيم فى كل نواحى النشاط ترى الاتجاه الغالب هو أن يبدأ الشخص بهدم عمل سلفه قبل أن يفكر فى مباشرة عمله، ولعل الفرق بين الشرق وبين غيره من الأمم المتقدمة هو أن هذه الأمم تعرف عمليات الجمع فهى تجمع العمل على العمل، والحاصل بالطبع عمل بينما الشرق لا يعرف غير عمليات الطرح فهو يطرح العمل من العمل والحاصل بالطبع صفر.

الفهلوة وليدة الظروف!

وإذا كانت «الفهلوة» وليدة الظروف فإن التحول منها إلى الشخصية المنتجة مسألة ضرورية لصناعة مجتمع منتج.

ومن مظاهر الشخصية «الفهلوية» أيضا ما يصفه عمار بقوله: «إن من أهم المعدات النفسية التى تتزود بها شخصية «الفهلوى« هى الإزاحة والإسقاط، ومن أهم مظاهر هذا الإسقاط ما يتردد على الألسنة من شكوى الزمان والتبرم بالعزول، وإلقاء التبعة دائما على الحكومة».
وبفضل إزاحة المسئولية عن نفسه إلى غيره من الناس أو إسقاطها على أمور خارج نطاق الذات يتيسر تبرير ما قد يقع فيه المرء من مواقف محرجة أو تقصير فى المسئوليات الاجتماعية.

الشخصية المنتجة

أما الشخصية المنتجة فهى التى تعتمد على محورين هما: محور التعقل، ومحور العمل، والتعقل الواعى معناه أن يكون المرء مدركا لنتائج ما يقوم به، وواعيا لآثاره بحيث يستطيع أن يعدل من أهدافه ومراميه، ومغيرا من وسائله وأساليبه فى ضوء التجربة الواقعية لسلوكه، ولذلك فهو يتحدث عن التخطيط وليس الخطة، فالتخطيط عملية نامية مستمرة وليست ثابتة لا تقبل التغيير، فالمرء يستطيع أن يستغرق فى نشاط معين، وأن يقدر هذا النشاط، فالشخص الذى لا يستطيع أن يعمل على تقويم أعماله غير قادر على النمو ومواجهة المواقف الجديدة.

كما تتميز الشخصية المنتجة بالتعقل الوظيفى الواعى، ويتضمن ذلك كثيرا من السمات مثل القدرة على تحمل المسئولية والالتزام الأدبى ومراعاة حقوق الغير، وإدراك المصلحة العامة، والتعاون فى العمل الجمعى المشترك، والقدرة على تنسيق الجهود، وتقدير عمل الآخرين، وضبط النفس، والابتعاد عن المؤثرات الشخصية والانفعالات والعواطف التى لا تكون حلقات موضوعية فى سلسلة بلوغ الغايات.

الأصالة والمعرفة

ويتضمن التعقل الواعى أيضا اتجاهات القدرة على الأصالة، والحكم المستقل، والإحساس بأهمية الفرد وكيانه، والقدرة على الابتكار والخلق التلقائية، والأصالة الناتجة عن التعقل الواعى ليس معناها أن تقول شيئا أو تعمل شيئا لم يسبقك إليه أحد، وإنما تأتى عن طريق المعرفة الحقيقية بالشىء، واحترام هذه المعرفة، والوصول إلى تكييف خاص بينك وبين هذه «المعرفة» أو «الخبرة» فتنبعث المعرفة من شخصيتك ولها مذاقها ومعانيها ودلالتها، فالشخصية المنتجة بقدر ما تكون نشطة متفاعلة قادرة على الاستجابة مستشعرة لما حولها لا كما ترغب هى بل فى ضوء إدراكها لمستلزمات الأمور واحترامها لهذا النوع من الإدراك.
أما محور العمل فيتضمن أن تكون الشخصية المنتجة قادرة على العمل والإنتاج ماديا أو فكريا أو فنيا أو أدبيا، والإنتاج عملية اجتماعية فلا يستطيع أحد أن يقوم بعمل ما إلا إذا تعامل اجتماعيا مع غيره من الناس، واستعان بهم وبجهودهم فى صورة من الصور، ولذلك فإن الإحساس بالقيمة الاجتماعية للعمل والإنتاج، والمشاركة فى مجالات النشاط الاجتماعى، وربط الإنتاج المادى أو الفكرى أو الفنى بحاجات المجتمع وآماله وأمانيه، وماضيه وحاضره ومستقبله، كل هذه مظاهر مميزة للشخصية المنتجة.

المناهج الدراسية ومواقف الحياة ومهاراتها

ومن إنجازات هذا الكتاب المهم لحامد عمار ربطه المناهج التعليمية بتنمية قدرات الطلاب ومهاراتهم فى التعامل مع الحياة فيقول: «إن بناء المناهج بالمعارف من ناحية الأفكار والمعلومات والخبرات تقتضى بناءً متدرجًا لمناهج كل مادة دراسية بناءً متدرجًا طوال مرحلة دراسية واحدة، وخلال المراحل الدراسية كلها، كذلك النظر إلى كل مادة دراسية فى صلتها بالمواد الدراسية الأخرى لتترابط المعلومات المختلفة لتلقى الأضواء المتنوعة على مواقف الحياة ومهاراتها، ومسائلها ومشاكلها.

الابتعاد عن التلقين

ويركز الكاتب على ضرورة تكوين الاستعداد لدى الطالب لبذل الجهد المستقل فى متابعة التعلم، ولتكوين الإيجابية فى الحياة بصورة عامة، ويؤكد أن عمليات التلقين لا تزال مشكلة كبرى من مشكلات واقعنا التربوى لا بد من مغالبتها ولذا فهو يؤكد على أهمية إثارة عمليات، التفكير بمختلف جوانبه خلال مواقف التعلم، ويدخل فى مجال التفكير جميع عمليات إدراك التشابه والاختلاف، وعقد المقارنات، وربط الأساليب بالنتائج واستدعاء الملاحظة، وتكوين الميل إلى حب الاستطلاع والمناقشة، والاستفسار عن الأمور الغامضة دون تردد، والبحث عن مواطن التشكك، ومصادر التثبت، والقدرة على تكوين الأحكام بعد معرفة الشواهد والأسانيد.

التفكير الابتكارى والتربوى

ويدعو الكاتب إلى تنمية التفكير الابتكارى لدى جميع الطلاب دون أن نحتج- بأن الابتكار من شأن الموهوبين أو الأذكياء، ففى كل عمل من الأعمال مجال للابتكار، فإذا قام الفكر التربوى على نظرة واثقة بقدرة الإنسان على التعلم، وقدرته على إرادة الحياة وإرادة التغيير، وواثقة بقدرة الإنسان على صنع حضارته، وإذا تم الربط الوثيق بين الفكر التربوى والفكر فى ميادين المعرفة الأخرى فى العلوم الطبيعية والاجتماعية والفلسفية تكامل الفكر التربوى وأدرك مكانته وفاعليته فى الدائرة الكبرى للمعرفة الإنسانية.

ومن أبرز ما دعا إليه الكاتب أن تكون هناك حركة نقدية فى الإنتاج التربوى تجد مجالها فى الصحف ووسائل الإعلام، والندوات.

محو الأمية

ولم يقتصر الكتاب على مناقشة أساليب التعلم فى المراحل الإلزامية والجامعية وإنما ناقش بتوسع قضية «محو الأمية»، ويرى أن الأمية لا تخلق مشكلة ثقافية وتعليمية فحسب وإنما تخلق مشكلة اجتماعية أيضا، حيث تصبح القدرة على القراءة والكتابة سمة واضحة من سمات التفرقة الاجتماعية والتباعد بين من يقرؤن ومن لا يقرؤن، وما يترتب على هذا الاختلاف بين الناس فى معانى الحياة وقيمها، لهذا كان اشتراك المواطنين فى هذه المهارات من المقومات الموضوعية للتماسك الاجتماعى.
ورأى أن من بين مصادر الأمية الرئيسية ظاهرة تسرب التلاميذ من التعليم الابتدائى أو عدم تمكنهم منه، كما دعا إلى توفير الزاد الثقافى لمن اجتازوا مرحلة «محو الأمية» من خلال توفير الكتب المفيدة، ذات المادة المناسبة للمستوى القرائى من حيث الموضوعات والتدرج فى العبارات والأساليب.
ويظل هذا الكتاب المهم من الكتب الرائدة فى مجال الفكر التربوى التى أشارت إلى تأثيرات العولمة، وثقافة السوق الطليقة التى اتخذت مرشدا أساسيا فى إصلاحات التعليم لكنها خلقت فى الوقت ذاته أزمات ومشكلات جديدة دون أن تحل المشكلات القديمة، وهو ما يتطلب جهدا فى دراسته لابُدَّ أن يقوم به الباحثون فى مجال الفكر التربوى، فالتعليم مؤسسة مهمة فى إعداد وتكوين وبناء البشر