الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إخوان الجزائر، ولعبة توزيع الأدوار

إخوان الجزائر، ولعبة توزيع الأدوار
إخوان الجزائر، ولعبة توزيع الأدوار


بوتفليقة استقال «2 إبريل»، البرلمان بغرفتيه «المجلس الشعبى الوطنى ومجلس الأمة» عيّن «عبد القادر بن صالح» رئيسًا مؤقتًا «9 إبريل» لمدة 90 يومًا.. دعا لانتخابات رئاسية تجرى «4 يوليو»، تاريخ انتهاء ولايته، لم يترشح أحد، والمعارضة والحراك الشعبى رفضاها، بسبب إشراف رموز النظام السابق عليها، ما دفع المجلس الدستورى لإلغائها، وتمديد ولاية بن صالح حتى انتخاب رئيس جديد.
المظاهرات استمرت للجمعة العشرين على التوالى، بن صالح أطلق مبادرة «حوار وطنى»، للتوافق بشأن الانتخابات الرئاسية، دون مشاركة ممثلى مؤسسات الدولة أو الجيش، درءًا لشبهة التدخل.. المنتدى انطلقت أعماله «6 يوليو» بحضور مئات المشاركين من أحزاب وشخصيات وطنية، المعارضة تسعى للتوافق على آليات كفيلة بتجاوز الأزمة، وضمان الاستجابة لمطالب الحراك الشعبى، برحيل رموز النظام السابق، وتعيين شخصيات نزيهة بمراكز صناعة القرارات.
البرلمان كان منوطًا به الحل.. لكن تدخلات السلطة جعلته جزءًا من الأزمة، بوتفليقة أقال «السعيد بوحجة» رئيس المجلس الشعبى «سبتمبر 2018»، بسبب رفضه الولاية الخامسة للرئيس، وتشكيكه فى قدرته الصحية على إدارة البلاد.. الدستور يخلو من آلية سحب الثقة، لذلك قدم 351 نائبًا من الموالاة عريضة تدعوه للاستقالة، لكنه رفض، فقرر المكتب السياسى للجبهة إحالته للجنة الانضباط، تمهيدًا لطرده، و200 نائب أغلقوا البوابة الرئيسية بالأقفال، واعتصموا، حتى غادر المجلس!!.. رئيس المجلس الجديد «معاذ بوشارب» كان من أشد رموز النظام السابق ولاء لبوتفليقة، ما يفسر كونه أحد الباءات التى طالب الحراك برحيلها.. والتى ضمت معه الطيب «بلعيز» رئيس المجلس الدستورى، وهو من أخلص المقربين لبوتفليقة، وقد أجبر على الاستقالة فى إبريل.. عبدالقادر «بن صالح» رئيس مجلس الأمة الذى تم انتخابه رئيسًا مؤقتًا للدولة.. ونور الدين «بدوى» رئيس الوزراء.
ما حدث مع «بوحجة» تكرر مع «بوشارب».. ست كتل نيابية تشكل ثلاثة أرباع المجلس، طالبته بالاستقالة.. أعضاء المكتب المسير للعمل امتنعوا عن العمل معه.. نواب حزب «جبهة التحرير الوطنى الحاكم»، الذي ينتمى إليه، اقتحموا مكتبه للضغط عليه للرحيل.. وتم منعه من حضور الجلسة الختامية لدورة البرلمان بغرفتيه، رغم أنه كان مفروضًا أن يرأسها بحكم القانون.. معركة برلمانية استغرقت أسابيع، وانتهت باستقالته «2 يوليو».
المجلس كان يعد العدة للتصويت على اختيار «محمد جميعى» رئيسًا له، وذلك بعد انتخابه أمينًا عامًا لجبهة التحرير «نهاية إبريل»، باعتباره واجهة جديدة تندرج ضمن محاولات «تغيير الجلد»، حتى إنه أعلن دعم مطالب الحراك الخاصة برحيل رموز النظام السابق، بمن فيهم «بوشارب»، لاستعادة الاستقرار بالبلاد.. المناورات السياسية والصفقات «خارج المجلس وداخله»، رجحت فى الساعات الأخيرة قبل التصويت، كفة «سليمان شنين» مرشح تكتل «الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء»، الذى يجمع ثلاثة أحزاب إسلامية «البناء، حركة النهضة، وجبهة العدالة»، رغم أن هيئته البرلمانية لا تتجاوز 15 نائبًا!!، الجلسة شهدت خلافات حادة، لكنها انتهت بانسحاب المرشحين الستة المنافسين، لصالح اختيار «شنين» بالتزكية!!، وبالفعل، أيدته أحزاب الموالاة «جبهة التحرير الوطنى، والتجمع الوطنى الديمقراطى، كتلة الأحرار، تجمع أمل الجزائر، الاتحاد من أجل النهضة، العدالة والبناء، جبهة المستقبل، الحركة الشعبية الجزائرية، حزب العمال، ونواب دون انتماء»، فيما قاطع الجلسة نواب كتلة جبهة القوى الاشتراكية، حزب التجمع من أجل الديمقراطية والثقافة، وكتلة حركة مجتمع السلم «حمس»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
«شنين» كان عضوًا مؤسسًا  لحركة «حمس»، التي ترأسها الشيخ محفوظ نحناح، وكان مرافقًا له كمستشار إعلامى وسياسى، قبل أن ينشق عنه 2008 ليشارك فى تأسيس «جبهة التغيير الإسلامى» 2009، ثم «حركة البناء الوطنى» مارس 2013.. قبل عدة شهور، تبنى بعض قادة التيار الدينى مشروعًا لإعادة توحيد ودمج الحركتين، لتعزيز الثقل السياسى للإخوان، لكن قادة التنظيم أجهضوه، حتى لا يحرمهم الاستفادة من مزايا توزيع الأدوار، واللعب على كل الاحتمالات.. الإخوان انحازوا للحراك الشعبى المعارض منذ بدايته فبراير الماضى، اتخذوا موقفًا مضادًا للسلطة، ولكل الرموز التى تعاونت معها، وقاموا بتوزيع أنفسهم الى مجموعتين، كل منهما يتبنى خطابًا مختلفًا.. الأولى: تمثلها «حمس»، برئاسة عبدالرزاق مقرى، رغم مشاركتها من خلال التحالف الرئاسى فى كل حكومات بوتفليقة حتى 2012، لكنها قاطعت جلسات البرلمان، وتبنت التصعيد، وتقوم بتأليب الرأى العام ضد السلطة.. الثانية: جبهة المهادنة، التى يمثلها «شنين».. كان من بين الناشطين الأوائل الذين قادوا الحراك، لكنه ظل يشارك بفعالية فى جلسات البرلمان، دون التوقف عن مغازلة السلطة، وعقد الصفقات أملًا فى المشاركة فى الحكم.. هؤلاء هم الإخوان على امتداد العصور، وفى كل الأوطان.
«الصفقة» منحت الإخوان لأول مرة فى التاريخ السياسى للجزائر، ثالث منصب دستورى فى الدولة، وترؤس أعلى مؤسسة تشريعية فى البلاد، وذلك بهدف تهدئة الشارع السياسى، الذى يلعب التنظيم دورًا رئيسيًا فى تحريكه.. السلطة تروج بأن تولى «شنين» للمنصب يعكس رغبة فى إحداث توازن جهوى، نظرًا لتمثيله للجنوب الجزائرى المحروم من التمثيل السياسى، وهو تفسير يستهدف التركيز على الانتماء الجهوى، بعيدًا  عن العقائدى، كما توجه من خلاله إشارات توحى بالتجاوب مع مطالب الحراك الخاصة بالتغيير الجذرى، وهى مطمئنة إلى أن الأغلبية التى تحتفظ بها أحزاب الموالاة داخل البرلمان كفيلة بجعل رئيسه مجرد واجهة، لا يمكنه التصرف دون موافقتها.. حركة «البناء» اعتبرت انتخاب «شنين» ثورة حقيقية تؤسس لجزائر جديدة، وبداية لانفراج فعلى للأزمة، ونقل لمطالب الحراك من ساحات التظاهر، إلى مواقع ومؤسسات السلطة.
حركة «حمس» من جانبها اعتبرت تزكية «شنين» عملية تجميل للسلطة، للالتفاف على مطالب الحراك الشعبى، معبرة عن مناورة إخوانية مفضوحة، فهم يراهنون على كل الاحتمالات؛ فى حالة رفض الشارع للصفقة، واستمرار المظاهرات الاحتجاجية، فهم مازالوا يقاطعون جلسات البرلمان، ويتصدرون الحراك، وإذا ما أدت الصفقة إلى هدوء الأوضاع، فقد قفزوا على ثالث أهم مراكز السلطة فى البلاد، ويستطيعون التحكم بدرجة أو بأخرى فى توجيه التشريعات الصادرة، والتأثير على الحكومة.. التنظيمات المعارضة الأخرى ترى أن انتخاب نائب معارض رئيسًا للبرلمان، يرتبط بمحاولة السلطة إضفاء مصداقية لعمليات المصادقة على سلسلة قوانين لها صلة بالترتيبات السياسية للمرحلة المقبلة، خاصة ما يتعلق بتعديل قوانين الانتخابات وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات.
جهود السلطة لاستعادة الاستقرار الداخلى، لم تقتصر على المرونة مع الإخوان، محركى الاضطرابات، بل شملت التجاوب مع مطالب الجماهير بالتغيير، ومحاربة الفساد؛ المحاكم الجزائرية أصدرت قرارات بالحبس المؤقت والتحقيق مع عدد من كبار المسئولين السابقين «أحمد أويحيى رئيس الحكومة، السعيد بركات وزير التضامن الوطنى والأسرة، جمال ولد عباس الوزير بنفس الوزارة والأمين العام لجبهة التحرير الوطنى، يوسف يوسفى وزير الصناعة..»، التهم تتراوح بين تبديد أموال عمومية، إبرام صفقات غير قانونية، التزوير في محررات رسمية، منح امتيازات ومنافع غير مستحقة للغير، سوء استغلال المنصب، وتعارض المصالح.. كما تم حبس مدير الأمن السابق عبد الغني هامل و18 متهما آخرين، منهم أربعة محافظى مدن سابقين، بتهمة نهب الأراضى والثراء غير المشروع.. وحبس نجل رئيس الحكومة السابق عبدالمالك سلال، بتهمة الضلوع فى صفقة سيارات فاسدة.. السلطة أجبرت على محاربة الفساد، وطالت شخصيات ما كان أحد يتصور أن تمسها مثل هذه التهم.
الحراك الشعبى تجاوز الخمسة شهور، لكنه يتسم بالتنظيم والسلمية إلى حد بعيد، وردود فعل السلطة تتسم بالتعقل والمرونة، الإخوان يسعون لتوظيفه، فى تحقيق مكاسب سياسية، لكن السلطة تعى ذلك، وتجيد التعامل معه.. الفريق قايد صالح رئيس الأركان نجح فى البقاء بالصف الثانى بمنأى عن العواصف، ليحتفظ للمؤسسة العسكرية بدور الضامن لوحدة واستقرار الدولة، لذلك فهو يحذر من دعوات تأجيل الانتخابات، والدخول فى مرحلة انتقالية، لأن ذلك يعنى تأجيل الحرب ضد الفساد، والدخول فى فراغ دستورى لن يستفيد منه سوى أعداء الدولة، وتلك رؤية صحيحة تنهى مبررات استمرار الاضطرابات، لأن «شنين» قبل انتخابه مباشرة، كان يتزعم المطالبات برحيل رئيس الدولة المؤقت، ورئيس الحكومة، لكنه الآن يتعاون معهما كقيادات للدولة، استمرارًا لتعاون النظام الطويل مع الإخوان.. لذلك فإن «صفقة الإخوان»، فى تقديرى، حققت طموحات الإخوان فى السلطة، لكنها قيدتها بصورة مسبقة، وفى الوقت نفسه مثلت خروجًا مشرفًا للنظام، من مأزق «الأزمة».. فما هو المبرر لـ«ولولة» البعض.