الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

خطوة للإنسان.. وبالتأكيد وثبة للإنسانية

خطوة للإنسان.. وبالتأكيد وثبة للإنسانية
خطوة للإنسان.. وبالتأكيد وثبة للإنسانية


كان إنجازًا علميّا وتاريخيّا وقف أمامه العالم باندهاش وإعجاب وذهول أيضًا. مغامرة ذهاب الإنسان إلى القمر والمشى على سطحه. هذا الإنجاز تحقق بعد ٦٦ عامًا فقط من أول مغامرة طيران قام بها الأخوان أورفيل وويلبر رايت. وكانت فى بداية القرن العشرين. ويمكن القول بالطبع ونحن اليوم فى الألفية الجديدة وفى عام ٢٠١٩ تحديدا: كم من مغامرات وإنجازات ووثبات حققها الإنسان فى القرن الماضى شكلت حياتنا ودنيانا وخيالنا معًا!

يوم ١٦ يوليو ١٩٦٩ أى منذ خمسين سنة مضت وفى الساعة التاسعة و٣٢ دقيقة صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة انطلقت رحلة أبوللو ١١ إلى القمر. وكان على متنها كل من نيل أرمسترونج وأدوين آلدرين ومايكل كولينز. بعد أربعة أيام هبط كل من أرمسترونج وآلدرين على القمر ومشيا على سطحه.. هذا ما حدث بالتفاصيل. فى يوم ٢٠ يوليو ١٩٦٩ هبطت مركبة الفضاء إيجل ( النسر) فوق سطح القمر «بحر الهدوء» كما وصف حينئذ. وتحديدًا فى الساعة ٤.١٧ من بعد الظهر بتوقيت شرق الولايات المتحدة. كانت بلا أدنى شك لحظة تاريخية نتأملها اليوم ونحن نتابع رغبة الإنسان الدائمة فى الذهاب إلى الفضاء واكتشاف المجهول.
بعد ست ساعات و٣٩ دقيقة خرج نيل أرمسترونج من المركبة ليطأ بقدميه سطح القمر، ويكون أول إنسان يمشى هناك. وقد سمعه العالم وشهده أيضًا يقول: «إنها خطوة صغيرة من إنسان، ولكنها وثبة عملاقة للإنسانية»، وقد ذكر حول هذه اللحظة التاريخية أن أرمسترونج فى لحظة مد رجله وتحسسه لسطح القمر وتردده فى حسم الأمر (خوفًا من أن يطأ موقعًا بالخطأ قد لا يكون ثابتًا) ارتفع عدد نبضات قلبه من ٧٧ إلى ١٥٧ نبضة فى الدقيقة.. وبعد فترة وجيزة انضم ادوين (باز) آلدرين إلى زميله أرمسترونج وواصلا معًا مهمتهما على سطح القمر. وقد بلغت مدة بقائهما على سطح القمر ٢١ ساعة و٣٨ دقيقة و٢١ ثانية حسب معلومات «ناسا» وكالة الفضاء الأمريكية. ويجب أن أذكر هنا أن آلدرين وأرمسترونج كانا فى نهاية الثلاثينيات من عمرهما عندما قاما بهذه المهمة. أرمسترونج كان وقتها فى الـ٣٩ من عمره وقد توفى عام ٢٠١٢، أما زميله فى الرحلة التاريخية «ادوين ألدرين» فمازال على قيد الحياة ويبلغ من العمر ٨٩ عامًا. وألدرين طل علينا فى السنوات الأخيرة من حين لحين متحدثًا عن التجربة الفريدة التى عاشها وعن ضرورة المغامرة فى حياتنا وأيضًا الرغبة فى «تحقيق المستحيل» (حسب تعبيره). وقال ساخرًا: «العالم كله كان يحتفى بهبوطنا على القمر إلا نحن، فقد فاتنا الاحتفال لأننا كنا خارج المدينة»، أما رائد الفضاء الثالث الذى ظل فى كبسولة الفضاء فى انتظارهما فى مدار حول القمر فكان مايكل كولينز، وهو حى يرزق وفى الـ٨٨ من عمره.
•••
رحلة أبوللو ١١ بمجملها استغرقت ١٩٥ ساعة ـ  ٨ أيام و٣ ساعات و١٨ دقيقة و٣٥ ثانية. وقد تم جمع وإحضار نحو ٢٢ كجم من أحجار وصخور وتربة القمر. أما تكاليف الرحلة نفسها لمن يهمهم الأمر فقد بلغت ٣٥٥ مليون دولار (ما بين ٢ و٣ مليار دولار بحسابات اليوم) وهذا الرقم بالطبع بالنسبة لأمريكا لا يمثل الكثير لمن تابعوا حرب أفغانستان أو العراق، إذ إنه يساوى تكاليف حرب فى أسبوع واحد فقط، وفى نهاية الأمر فإن الحرب تعنى التدمير والخراب، أما تحديات العلم فتعنى الابتكار وإيجاد حلول لمشاكل البشر.. خلال الحديث عن برنامج أبوللو لرحلات الفضاء لا بد أن يأتى إلى الذاكرة اسم د. فاروق الباز ودوره ومشاركته فى هذا البرنامج من ١٩٦٧ إلى ١٩٧٢. هذا العالم المصرى كان عضوًا فى لجنة اختيار أماكن الهبوط فوق القمر ومسئولاً فى مجموعة تدريب رواد الفضاء ومهام علمية أخرى. ومن وقتها أظهر د. فاروق الباز بجانب درايته العلمية قدرته الشائقة على شرح وتبسيط أعقد المسائل العلمية مما زاد من شهرته، وأيضًا إعطاء بصمته الواضحة فى برنامج أبوللو. ولقد ترك أثرًا إيجابيًا فى ذاكرة الرواد وذلك بشهادة الرواد أنفسهم. إذ بينما كان رائد الفضاء الفريد واردن يدور حول القمر فى رحلة أبوللو ١٥ قال واصفًا موقفه: «بعد ما تلقيناه من تدريب على يد الكينج (الملك الاسم الذى أطلقه الرواد على فاروق الباز) أنا أشعر بأننى كنت هنا من قبل .. والموقف ليس غريبًا بالنسبة لى».
ونحن نتذكر ٢٠ يوليو ١٩٦٩ يوم «الخطوة البشرية الأولى على سطح القمر» يأتى فى البال  ونسترجع بالذاكرة.. «فلاش باك» للحظات تاريخية وإنسانية وأيضًا أمريكية عاشها أهل الولايات المتحدة ومعهم أهل البشرية كلها فى جميع بقاع العالم. نعم هبوط الإنسان على القمر ومشيه على سطحه أمام العالم كله فى مشهد نقلته شاشات التليفزيون ووقف أمامه الإنسان فى أى مكان مندهشًا ومبهورًا ومصدومًا ومتعجبًا ومتسائلاً وأحيانا «شكاكًا».. هل الإنسان ذهب بالفعل إلى القمر؟ ونزل على سطحه؟ وأخذ خطوات على ترابه؟! ثم رجع إلى أرضنا؟!. أم أن كل هذا كان من «ألاعيب» أمريكا والسى أى إيه وهوليوود من أجل «إحراز نصر فى الحرب الباردة الدائرة» بين أمريكا والاتحاد السوفيتى.. بين واشنطن وموسكو آنذاك، ومثل هذا الكلام بالمناسبة أثير حينذاك وما زال يثار حتى اليوم.
•••
والأمر المثير للانتباه اليوم فى عام ٢٠١٩ أن أمريكا تعيد تقييم تجربتها مع الرحلات الفضائية والأبحاث والاكتشافات العلمية المرتبطة بها. الرئيس الأمريكى دونالد ترامب شدد على ضرورة إعادة برنامج الذهاب إلى القمر ويذكر أيضًا إمكانية الذهاب إلى المريخ، إضافة إلى تأسيس قوات فضائية تكون بموجبها السيطرة والهيمنة الأمريكية فى الفضاء. هكذا تحدث  ترامب يوم ٤ يوليو الماضى يوم الاستقلال الأمريكى!